الخميس ١٧ تموز (يوليو) ٢٠٢٥
بقلم رانيا مرجية

أن تكون إنسانًا أولاً

«1»

أن تكون إنسانًا أولاً،
لا في زيف الألقاب ولا في ظل المناصب،
بل في لحظات الوحدة التي تكتشف فيها أنك
أنتَ الوحيد الذي يقف أمام نفسك،
أنتَ الذي تتعلم كيف تعانق جراحك،
وتسير بخطواتك التي تقودك نحو الأمل،
تلك اللحظات التي تذوب فيها الكلمات
ويظل الصمت هو اللغة الوحيدة.

«2»

هل تذكر عندما جُرحتَ؟
أو عندما كنتَ تراقب الشمس في مغربها
وأنتَ غارقٌ في ملامحك؟
ذلك الألم الذي لا يُمكن أن يُرسم
بل يُحسّ، ويمسّ الروح من الداخل،
عندما تكادُ أن تُطفئَ كلَ الأنوار
وتُغلقَ أبواب الأمل،
ولكنك تجد في قلبك نافذةً تفتحها
لتُشرق فيها شمسك،
ذلك هو الإنسان.
أن تعود من الموت في كل مرة،
وتُكمل الحياة رغم كل شيء.

«3»

أن تكون إنسانًا يعني أن تشعر،
أن تشعر عندما لا يشعر الآخرون.
أن تسمع صوت الألم في عيون من حولك
قبل أن تنطق ألسنتهم.
هل رأيتَ ذلك الطفل الجائع،
الذي يبتسم رغم أن معدته فارغة؟
أو ذلك المسن الذي لا يملك سوى الذاكرة،
لكنه يظل يتذكر كيف كان الحب عميقًا؟
إنك حين ترى هذا،
تتسائل:
أليس هذا هو المعنى الحقيقي للإنسانية؟

«4»
في صمت الأموات تتعلم العيش،
وفي طرق الفقراء، تجد دروب الغنى.
أن تكون إنسانًا يعني أن تتقاسم الفرح والحزن،
أن تكونَ من بيننا، لا فوقنا ولا تحتنا،
أن تشعر بوقع المطر على جسدك
كما لو كان يسقي روحك
ويطهرها من كل ما علق بها.
أتعرف معنى أن تكون إنسانًا؟
هو أن تنحني أمام الجمال الذي في البسطاء،
أن تشعر بلذة البساطة
وتدرك أن الحياة ليست سوى لحظات متصلة من الفقد والإيجاد.

«5»
أنتَ، يا من تمر في كل يومٍ بمئات الوجوه
وتنسى أن تلتفت إلى عيونهم…
هل فكرت يومًا في أن تكون الإنسان الذي يسكن قلوبهم؟
هل حاولت أن ترى من خلالهم؟
أن تعيش تجربتهم، أن تحمل أوجاعهم
ثم تجد نفسك فيها؟
إن كنتَ تظن أن البشر كالأشياء،
يمكنك استبدالهم أو تركهم،
فقد أخطأت الطريق.
الإنسان، أيها المتكبر،
هو الذي ينقلب على نفسه
ويُعيد ترتيب قلبه كلما خانته الأقدار.

«6»

أن تكون إنسانًا أولاً
هو أن تُشعل النار في نفسك
وتقف أمامها لا كي تذوب،
بل كي تُضيء الطريق للآخرين.
أن ترى الجمال في الحطام،
والنقاء في العتمة،
والحب في كل لقاء عابر.
أن لا تنتظر من أحد أن يذكرك أنك إنسان،
بل أن تكون إنسانًا بكل تفصيل في حياتك،
حتى عندما يتجاهلك العالم.
أن تكون إنسانًا هو أن تزرع الأمل
في قلب من لا يعرفه،
أن تمد يدك للمحتاج،
ولا تنتظر منه شكراً.

الختام:

أن تكون إنسانًا أولاً هو أن تتعلم كيف تكون صادقًا مع نفسك ومع الآخرين. هو أن تكتشف أن الجمال الحقيقي ليس في النجاحات الملموسة، بل في القدرة على العيش بصدق، في الضعف كما في القوة، في الفقد كما في الفرح. أن تكون إنسانًا يعني أن تترك أثرًا لا يمحى في الآخرين، حتى ولو لم تترك شيئًا في العالم.

في النهاية، لا يُقاس الإنسان بما يملك، بل بما يزرع في قلوب الآخرين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى