واحد في معرض عمان الدولي للكتاب
لأن فلسطين حلَّت ضيفَ شرف، ولأول مرة على معرض عمان الدولي السادس عشر للكتاب، فقد كان الحدث فريداً وله أكثر من معنى، ويدفع للإرتياح لأكثر من سبب؛ فقد تبين عمق الوحدة بين الشعب الأردني والشعب الفلسطيني وهي وحدة متينة جداً، وأبدية ليس سياسياً فقط، بسبب وحدة الضفتيتن مثلاً، ولكن لأن الشعبين شعب واحد ينتميان إلى نفس اللغة والثقافة والمزاج، ولعل الامتداد العائلي والمكون الديمغرافي بين الجهتين، يؤكد أنهما شعب واحد، كما أن الهم واحد، فالقضية الفلسطينية هي الهم الأول للشعب الأردني.
وأرى أن اللعب على وتر الاقليمية بين الشعبين لا يخدم إلا ذوي المصالح والأجندات الضيقة، أما الناس عامة فهم وحدويون بطبعهم فكيف بين شعب واحد بجناحين امتزج في الأرض والتاريخ والدم والمعاناة وحتى الألم.
وتأكيداً لذلك أقيمت عدة ندوات ضمن هذا الفهم، كان من بينها ندوة "الأردن تحديات المستقبل" شارك فيها كل من مروان المعشر وعمر الرزاز وندوة العلاقات الأردنية الفلسطينة التواصل الثقافي شارك فيها د.إيهاب بسيسو وزير الثقافة الفلسطيني ود صلاح جرار وزير الثقافة الأسبق والروائي هزاع البراري مدير الدراسات والنشر في الوزارة، ومستشار وزيرها، بعد اعتذار وزير الثقافة السابق عادل الطويسي الذي صار وزيراً للتعليم العالي في الحكومة الجديدة.
من هذا المنطلق كان لحضور فلسطين في معرض عمان الدولي للكتاب، دور واضح في ازدياد عدد الرواد واستقطاب الكثير من الجمهور، سواء من أجل متعة الزيارة والاستعراض أو اقتناء الكتب، أو حضور الفعاليات الثقافية المصاحبة. وقد اختلط الفعل الثقافي الوحدوي في الفعاليات بشكل لافت، حيث لم يعد هناك فارق بين المشاركين، إلا في عناوين الندوات، وقد أقيمت فعاليات مشتركة لم أشعر أبداً بفرق بين المشاركين باعتبارهم من بلدين مختلفين على الاطلاق.
ربما يقول البعض نحن نعرف ذلك، ولا داعي لمثل هذا الكلام فأقول: إن التأكيد على الهوية القومية الواحدة أمر ضروروي في هذا الوقت بالذات الذي يشهد فيه العالم العربي كل هذا الخراب والتفكيك حتى داخل بعض الأقطار العربية نفسها.
من هنا نقول لقد نجح اتحاد الناشرين الأردنيين في جمع وزارتي الثقافة ووزيريها في البلدين في هذا النشاط المشترك.
في جناج فلسطين الذي شهد عدة فعاليات مكثفة طيلة أيام المعرض، كان المدعوون يمثلون العديد من المواهب والأجناس الأدبية، وإن مالت الكفة لصالح الأجيال الشابة، لتقديم تجارب حديثة العهد، وجديدة في فلسطين، وهذه وجهة نظر تحترم أيضاً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المبالغة فيها ليست محبذة ولا مستحسنة، خاصة في معرض للكتب، ققد تعطي انطباعاً أن ثقافة هذا الشعب في طور الولادة، أو التشكل، وهذا على عكس تجذر الثقافة لدى الشعب الفلسطيني خاصة بعد منتصف القرن العشرين، كما لا بد أن تمثل النشاطات الثقافية والابداعية كافة أطياف وأعمار وأجناس الأجيال وانواع الكتابة والفنون والثقافة عموماً.
وبالرغم من اعجابنا بالنشاط الثقافي الفلسطني الذي تبلور علي يدي الوزير الشاب والشاعر الحداثي إيهاب بسيسو وطاقم الوزارة المثقف، والبصمات التي وضعها في معرض فلسطين للكتاب في رام الله خلال شهر أيار الماضي، والنشاطات التي قام بها الوزير في تونس ومصر، وغيرهما، فإن ذلك لا يمنع من بعض النقد الموضوعي لهذه الفعاليات، وكنت أبدي رأيي علناً في الندوات التي تمكنت من حضورها، وربما صار البعض يتحسس من ذلك، لكن الفعاليات والنشاطات التي لا تحظى بحوارات ساحنة ليست ناجحة حسب رأيي.
في ندوة النكبة في الرواية الفلسطينية التي شارك فيها الروائيان يحيى يخلف ومحمد علي طه لم تعط الندوة وقتاً كافياً من أجل فتح باب الحوار مع الحضور، بسب وجود ندوة تالية كما قيل، وكان الأمر والعنوان من الأهمية بما يستدعي، المزيد من الوقت، واضافة ناقد أو باحث أو أكاديمي فلسطيني، أو حتى ناقد أردني أو عربي متميز، يعرض لموضوع النكبة في السرد والرواية الفلسطينية. فمن البدهي أن يتحدث كل روائي من المشاركين عن النكبة في منتجه الإبداعي كما حصل فعلاً، ولم يتمكن مدير الندوة خالد الحروب من تقديم الكثير عن الموضوع بسبب ضيق الوقت أيضاً.
في ندوة الترجمة التي غاب عنها صالح علماني تحدث الصديقان المترجمان الناقد الدكتور ابراهيم أبو هشهش والشاعر سامر أبو هواش عن الترجمة، وأبديت ملاحظة على ما قدماه، وهو أننا بحاجة إلى سماع تجربة كل منهما في بحقل الترجمة، فليست الندوة موضوعاً عن الترجمة على الإطلاق، وكنت أتمنى ان أرى غبار مناجم الترجمة على يديهما، وتقبلا الملاحظة بصدر رحب وبروح رياضية عالية، تحسب لهما، بل تطرق د. أبو هشهش لصعوبة اللغة الألمانية واضطراره للاستعانة بالمزيد من المراجع والقواميس في عمله الجديد.
وكان لسامر أن يستعرض لنا ترجمته للشعر الامريكي مثلاُ وانطباعاته عن الشعراء الامرييكن وكيف ترجمهم. او التطرق لأي عمل آخر قام بترجمته عن الانجليزية.
في ندوة "الهوية والمكان في الأدب الفلسطيني" التي تحدث فيها ثلاثة شبان عن تجاربهم الأولى وهم ناجي الناجي روائي، وميرفت جمعة روائية، وطارق عسراوي قاص، اعترضت على المشاركين مع محبتي لهم، لأن سؤالين كبيرين بحجم الهوية والمكان يحتاجان إلى نقاد وباحثين كبار وكتاب ذوي تجربة وخميرة عميقة، راكموا خلال سنوات عملهم خبرة طويلة للحديث عن هذين السؤالين الجذريين، وقيل فيما بعد أو ما سمعته لاحقاً، أن الندوة قصدت الهوية والمكان في تجارب شابة، ولكن ذلك لم يكن واضحاً منذ البداية، فقد كان عنوان الندوة الهوية والمكان في الأدب الفلسطيني، ولم يكن اعتراضي على المشاركين أنفسهم، وهم أصدقاء أعزاء، ولكن ما دام الأمر كذلك، فكان يمكن أن تكون الندوة شهادات في تجارب جديدة، دون تحديد الهوية والمكان.
أما ندوة المرأة في الأدب الفسلطيني فكانت مقبولة نوعاً ما، لكنها لم تكن معمقة إلا في ورقة الدكتورة هنيدة غانم، مما دفع مقدم الندوة الصديق المتوكل طه إلى الطلب من عدد من الحاضرات والحضور، مثل عايشة عودة وخديجة الحباشنة، وسامية الزرو، وزهير أبو شايب وغيرهن وغيره للمجيء إلى المنصة، والإدلاء بدلائهم، وبذلك لم يعد هناك متسع لغيرهم للحديث وطرح الأسئلة، مما دفع البعض للاعتراض على إلغاء فسحة الحوار على قصر وقتها.
كانت هناك ندوات مهمة أيضاً، حيث تناول د. ياسر سليمان معالي موضوع “تحديات الهوية الوطنية في المنفى”، وقدم عزام أبوالسعود، وخليل شوكة، وخلدون بشارة، وعصام جحا، ندوة “التراث المادي وغير المادي في القدس وبيت لحم كعاصمتين للثقافة الإسلامية والعربية"، بطريقة حضارية وعلمية.
وقدمت ندوة عن المتاحف الفلسطينية، ولكن لم يروج لها كثيراً، وكان عدد الحضور قليلاً لعدم الانتباه، أو عدم تقدير أهمية مثل هذه المحاضرات النوعية، كالندوة المتميزة التي شارك فيها كاتب السيناريو المبدع مصطفى صالح والروائية سميحة خريس والمخرج أنور السعودي والتي أدارها وقدم لها الروائي هزاع البراري، أو تلك الندوة الاستثنائية التي تطرقت إلى وسائل التواصل الاجتماعي وآثارها، والتي قدم لها وأدارها الفنان رشيد ملحس، وشارك فيها د. باسم الطويسي مدير معهد الاعلام الأردني، والذي قدم تحليلاً حضارياً وعلمياً مقنعاً لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الاعلام والصحافة الورقية، إضافة إلى مشاركة الفنان المسرحي أحمد سرور كمقدم برنامج إذاعي، والمدون أو الناشط الشهير عمر زوربا في الندوة، وقد كانت في غاية الأهمية لأن اختيار المشاركين كان في محله تماماً، فهم من ذوي الاختصاص، والتجربة العملية فعلاً، ولذا جاءت مداخلاتهم وأراؤهم مقنعة ومتسقة مع العالم الافتراضي الذي بدأ يتحول إلى عالم شبه واقعي نتيجة الاقبال الشديد والمتزايد من قبل الشباب على وسائل الاتصال المجتمعي المتعددة.
لن أتحدث عن الأمسيات الشعرية فمهما كانت الاختيارات سيقال لمَ لمْ يدع فلان أو فلانة، ومن حق الأصوات الجديدة أن تقدم تجربتها، لكن الاكتفاء بالشعراء الجدد فقط، لا يقدم صورة بانورامية عن الشعر الفلسطيني بشكل عام، سواء في الداخل أو في الشتات، أفهم أن تكرس أمسية واحدة للأصوات الشابة، وليس كل الأمسيات مثلاً.
ورغم بعض ما قلناه، إلا أن جناح فلسطين كان يستقطب يومياً مئات الزوار، وفيه تعرض المؤسسات الثقافية الرسمية منشوراتها وكتبها، ويتم استقبال الزوار بطريقة جميلة، بينما كانت هناك مقاعد مخصصة أيضاً لبعض الضيوف.
وقد ظل الدكتور ايهاب بسيسو وزير الثقافة يتابع فعاليات المعرض وندواته يومياً ولحظة بلحظة، طيلة الأيام الخمسة الأولى وحينما عاد إلى فلسطين جاء وكيل وزارة الثقافة الشاعر عبدالناصر صالح والذي ظل هو أيضاً حاضراً بقية أيام المعرض.
وإن كان لا بد من كلمة إنصاف، فهي توجه إلى وزارة الثقافة الأردنية سواء وزيرها السابق د. عادل الطويسي أو الوزير المخضرم جميل شقم، وإلى أمين عمان الكبرى، وموظفي الأمانة على دعمهم إقامة المعرض، واختيار مكان مناسب لهذه الدورة، كما لا يمكن أن نغفل دور وزير الثقافة الفلسطيني الشاعر إيهاب بسيسو دينمو الثقافة الفسلطينية وصاحب الحضور الجميل، والشاعر عبدالسلام عطاري مدير معرض فلسطين للكتاب، وطاقم الوزارة الذي ظل متواجداً طيلة أيام المعرض.
ولا ننسى التأكيد، على أن مشاركة العديد من دور النشر الأردنية والفلسطينية واللبنانية والمصرية والسورية والسعودية والكويتية والعمانية والاجنبية على قلتها ساهمت في زيادة عدد الدور المشاركة، حتى وصلت إلى 350 داراً، وقد درج تقليد جيد خلال أيام المعرض وهي حفلات التوقيع التي صارت سنة جميلة وتقليداً حضارياً، على ما يبدو في معرض عمان.
حقا لقد كانت تظاهرة ثقافية جميلة، أعادت للكتاب اعتباره وللإبداع جزءاً من مكانته، ونتمنى أن تقوم وزارتا الثقافة في البلدين بمزيد من التعاون، وتقديم نشاطات ثقافية مشتركة.