الأحد ١٨ حزيران (يونيو) ٢٠٢٣
بقلم محمد عبد الحليم غنيم

نقرات وعيون وعصافير

قصة: كالى تايلور

أحكم وضع المعطف المبتل عليه، وارتدى القبعة والحذاء وأغلق الباب الخارجى فى رفق، ثم كان هناك صوت نقرة. بقيت ماما واقفة فى المدخل وسط الظلام، بينما أجلس أنا فى أعلى السلم،أراقب كل ما يحدث، أغلقت عينى عندما حدقت ماما فى وجهى واختفت.

لم يعد أبى فى صباح اليوم التالى، ولم تعد أمى له مكانا على مائدة الإفطار، ولم أسألها أين ذهب، ولم تخبرنى هى كذلك.

قالت:

كل بيضك.. حافلة المدرسة على وشك الوصول.

أكلت ولكن البيض كان بارداً ومخاطياً،غص به حلقى، وعندما بدأت فى السعال، صفعتنى أمى بقوة على ظهرى، فصرخت.

قالت:

كف عن الشكوى... أنت لم تعرف معنى البؤس بعد.

وعندما لم تقبيلى، ولم تقل لى مع السلامة عند الباب الخارجى، عرفت أنها لن تعود إلى تقبيلى مرة أخرى.

صعدت سلم الحافلة بالطريقة التى تعودت أن أصعد بها، خطوة خطوة خطوة، لكن الأطفال الآخرين ظلوا يصوبون نظراتهم نحوى فى اسنتكار حتى انزلفت فى مقعدى، ثم خرقت الكلمات أذنى:
اغتصب أبوك المرأة البيضاء.. نعم فعل ذلك.

لا أعرف معنى الاغتصاب، لكننى أعرف الكلمة، أعرف ما حدث للسيد بيلوز بعد أن اغتصب السيدة البيضاء. لقد قالوا عنه كل أنواع الأشياء الرديئة داخل غرفة المحمكة، وكذلك عن زوجته وأطفاله، و فى الشارع بصق الجميع عليهم، وعندما تم تعليقه من رقبته وسط الساحة الواسعة، وشاهد الجميع الفضاء الخالى المحيط بهم انه محبوب، مازلت أتذكر كم كانت عيناه واسعتين، وكم كان خائفاً، كنت أعرف ذلك جيدًا. بينما كانت الحافلة تخلف وراءها غباراً وقذارة وتكسر عظامنا طوال الطريق إلى المدرسة، كنت أفكر فى أبى، تخيلته وهو يجرى عبر الحقول فى معطفه المبتل وقبعته المحكمة وحذائه يضرب بسرعة باطن قدميه الشاحبتين، وفكرت فى العمدة وهو يطارده والبندقية فى يده، وكلابه تلهث بجواره مفتوحة الأفواه، يسيل اللعاب منها.

عندما اهتزت الحافلة بقوة وتوقفت أمام المدرسة، تطلعت إلى الحقول والعصافير تطير وتنقض على الأشجار وتصوصو فى بهجة. وعلى حافة حقل الذرة كان هناك ولد صغير، يداه مشبكتان فوق رأسه، وثمة شئ يتلوى بين أصابعه، قفزت من فوق مقعدى، نزلت السلم مسرعا، أخذت السلمتين فى مرة واحدة

قلت:

 ما الذى معك هناك... ما الذى فى يدك ؟

حدق الولد فى وجهى وتراجع خطوة إلى الخلف، كانت ذقنه بازرة بشكل واضح.

 ليس هذا من شأنك.

فقلت وأنا ألوى ذراعه:

دعنى أرى. دعنى أرى الآن وإلا سأقول.

أنزل الولد ذراعيه، وفتح أصابعه قليلاً،عندئذ برز عصفور برأسه، ونظر إلىّ بعينيه الضعيفتين الصفراوين، وكان هناك دم على المنقار.

قال الولد:

 إنه مريض. كنت أنوى أن آخذه إلى البيت وأضعه فى السرير وأقدم له الحليب والخبز.

ظل العصفور محدقاً فى، رامشا بعينيه، لا يصوصو أو يزقزق، فقط كان يحدق كما لو كان قد وقع فى فخ. قلت وأنا أمد يداً:

 دعنى آخذه.

يمكن القول أن الولد لم يكن يريد أن يعطينى العصفور، لكننى كنت أكبر منه وأقوى بالتأكيد، فوضعه بلطف فى كف يدى الممتدة.

قلت وأنا أغلق عينيه بإبهامى

 من الأفضل ألا تتألم، ويفضل أن يكون ذلك سريعاً.

كسرت رقبته.. كانت هناك نقرة.

المؤلفة: كالى تايلور/ Cally Taylor، كاتبة انجليزية تعيش في بريستول، وتعمل فى لندن، بدأت كتابة القصة عام 2005، نشرت معظم قصصها على شبكة الأنترت، وفازت قصصها بالعديد من الجوائز.. ترجمت روايتها الأولى: يمكن للسماء أن تنتظر الى ثلاث عشرة لغة.لها أيضا ثلاث مجموعات من القصص القصير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى