الجمعة ٢٠ آذار (مارس) ٢٠٠٩
لوحة من وحي شعر لوركا
بقلم فؤاد اليزيد السني

مَن يَمْشي وهو نائم

رومانس مٌسَرْنِم
خَضْراء، أَنْتِ التي أُحِبُّها خَضْراء،
خَضْراء الرّيحِ وخَضْراء الأغْصان،
الحِصانُ في الجَبَل،
والمَرْكَبُ على البَحْر.
تَحْلُمُ، والظِّلُ مَشْدودٌ لِخاصِرَتِها،
وهي مائِلَة على الشُّرْفَة،
خَضْراء الوَجْهِ، خَضْراء الشَّعَر،
وحَدَقتاها مَعْدِنٌ بارِدٌ،
خَضراء أَنْتِ التي أَُحِبّها خَضْراء.
وتَحْتَ القَمَرِ الغَجَرِيّ،
كُلّ الأَشْياءِ تَرْمُقُها،
هي التي لا تَسْتَطيعُ أَن تَراها.
 
** ** **
 
خَضْراء، أَنْتِ التي أُحِبُّ خَضْراء،
سِرْبُ كَواكِب مِن فِضّة النّدى،
تَمشي في حِراسَة،
مَوْكِب سَمَكِ الظِّلِّ،
الذي يَفْتَحُ طَريق الفَجْر.
والتّينَةُ تُخَدِّشُ الهَواء،
بِعناقيد أَغْصانِها،
والرّابِيَةُ، مِثْلَ قِطّةٍ مُتَوَحّشَة،
تُثير عُشْبَتُها المُسْكِرَة كُلّ بَهار.
ولكِن مَن سَيِأْتي؟ ومِن أَيْن؟
مائِلَةٌ على شُرْفَتِها،
خَضْراء الوَجْه، خَضْراء القَمَر،
والبَحْرُ حُلُمُها المُرّ.
 
** ** **
 
صديقي، أَما تُريدُ أَن تَمْنَحُني،
بَيْتُكَ بَدلاً مِن حِصاني،
ومِرْآتُك بَدَلا مِن سِرْجي،
ومِعْطَفُكَ بَدلاً مِن خَنْجَري؟
ها أَنَذا أَعودُ مُثْخَنا بِالجِراح،
قادما مِن مُرْتَفعاتِ "كابْرا".
لو أَسْتَطيعُ، يا إِبْني،
كُنْتُ قَبِلْتُ عَرْضَكَ.
ولَكنّي لَم أَعُد أنا نَفْسي،
وبَيْتي نَفْسَهُ، لَم يَعُد بَيْتي.
لَكَم أَوَدّ يا صديقي أَن أَموت،
في سََرير هادِئ،
على فِراشٍ جَميلٍ مِن الفولاذ،
بَيْن أَغْطِيَة هولَنْدِيّة.
أَما تَرى هذا الجُرْحَ الذي يَنْفَتِح،
مِن صَدري إلى حَلْقي؟
أرى ثَلاثُ مائةِ وَرْدَة بُنِّيّة،
تُوَرِّدُ قَميصَكَ الأَبْيَض.
وقُطنُ حِزامَكَ،
قد تَلَوّنَ بِرائِحَة دَمِكَ.
ولَكِنّي لَم أَعُد أنا نَفْسي،
وبَيْتي نَفْسه لَم يَعُد بَيْتي.
دَعْني، على الأَقَل، أَصْعَد،
نَحْو هَذه الشُّرْفَة العالِيَة،
دَعْني، دَعْني أَصْعَد،
نَحو هذه الشُّرْفَة الخَضْراء،
إلى أَعْمِدَة القَمَر،
حَيْثُ تَساقَطُ المِياهُ كَشَلّال.
 
** ** **
 
ونَهَضَ الصّاحِبان،
نَحو الشُّرفاتِ العالِيَة،
تاركينَ آثارَ دِماء،
تاركينَ آثارَ دُموع،
بِضْعَة مَصابيح قَصدير،
كانَت تَضْطَرِبُ على السُّطوح.
وأَلْفَ طَبْل زُجاجيّ،
تَجْرَحُ الصّباحَ الصّغير.
 
** ** **
 
خَضْراء، أَنْتِ التي أُحِبُّها خَضْراء،
خَضْراء الرّيح وخَضراء الأَغْصان.
وكان الصّاحِبان يَصْعَدان،
وفي فَمِهِما كانَت الرّيحُ الكَبيرة،
تَتْرُكُ مِثْلَ طَعْماً لِلضّغينَة،
ولِلرّيحان والنّعْناع.
قُل لي يا صَديقي أَيْن هِي،
إِبْنَتُكَ، اِبْنَتُكَ المُرّة؟
فَلَكَم ظَلّت تَنْتَظِر!
ولَكَم ظَلّت تَأْمَل!
وَجْهٌ فَتِيّ وشَعَر أَسْوَد،
عِنْدَ الشّرْفَة الخَضْراء!
 
** ** **
 
وفي مِرآة خَزّان الماء،
كانَت الغَجَرِيّة تَتَأَرْجَح،
خَضْراء الوَجْه، خَضراء الشّعَر،
حَدَقتان مِن مَعْدِن بارِد.
قِطْعَةٌ واهِيَة مِن ثَلْج القَمَر،
كانت تَدْعَمُها على السَّطْح.
وتَظاهَرَ اللّيْلُ أَشَدّ حِشْمَة،
مِثْلَ ساحَة صَغيرَة.
حُرّاسٌ مَدَنِيّون،
في مُنْتَهى الثّمالَة،
كانوا يَطْرُقون على الأَبْواب، هُنالِك ...!
خَضْراء، أَنْتِ التي أُحِبّها خَضْراء،
خَضْراء الرّيح، وخَضْراء الأَغْصان،
الحِصانُ في الجَبَل،
والمَرْكَبُ على البَحْر.
رومانس مٌسَرْنِم

ترجمت هذه القصيدة، مباشرة من النص الإسباني. وكلمة خضراء في اللغة الإسبانية لها دلالة (جنسية خاصة). أي بما معناه، نضج الشهية الجنسية. والقصيدة مقتبسة من المجموعة الأندلسية، (كانطي خوندو)، طراز غناء خاص بغجر الأندلس (خيطانوس).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى