معركة المفاهيم بين الغرب والإسلام
تمهيد:
قبل الشروع في تحرير هذا المقال احترت في إيجاد عنوان مناسب له، فقد اقترحت على نفسي أن أعنونه (بقراءات في مصطلح الأورو متوسطي في الشكل والمضمون)، كما اقترحت على نفسي أن أعنونه (بمعركة المفاهيم)، أو(حرب المفاهيم) أو(صدام المفاهيم)، وهي عناوين كلها كما هو معلوم مسبوق إليها، ، إذ كانت عناوين لكتب كتاب كبار وباحثين لهم مكانتهم في أوطانهم و في عالمنا هذا(1)، ولما لم يكن العنوان الأول قصيرا في شكله، أي في صياغته، والقصر أحد شروط ارتضاها علماء الاصطلاح في وضع المصطلح، تركته، لأحصر تفكيري في المصطلحات الثلاثة الأخيرة، ولما كان مصطلح صدام المفاهيم لايعبر بدقة عن مضمون المقال، على اعتبار أن توظيف هذا المصطلح لم ينتج عنه صدام بين مستعمليه، حتى وإن ظهرت ردود أفعال كالتي نفعلها نحن، فهي لاترقى إلى مستوى الصدام، فالمصطلح مستعمل في كل وسائل الإعلام العربية، والأوروبية، ومتداول لدى الأوساط السياسية دون صدام، دلالة على رضاها به، وتواضعها عليه، ولما كان الأمر كذلك حصرت نفسي في المصطلحين الأخيرين، حرب المفاهيم، أو معركة المفاهيم، فالمصطلحان كلاهما يليق أن يكون عنوانا للمقال، ولما كانت كلمة حرب توحي إلى استعمال وسائل الحرب –أسلحة- وهو شيء غير حادث الآن، لما كان الأمر كذلك قررت أن أعنون المقال ب(معركة المفاهيم)، فكلمة معركة من العراك، والعراك هو الحراك، وهذا أمر موجود بين أفراد المجتمع الواحد، فما بالنا بين المجتمعات، والأمم المختلفة، كالشعوب العربية، والأوروبية، فهي دائما، وأبدا في عراك، وحراك، ولما كان هذا العنوان، عنوان كتاب للأستاذ الكبير الدكتور عبد الله شريط أيضا، فضلت أن أعنون به مقالي اقتداء به، وإن كانت معاركه في كتابه غير معاركي في مقالي هذا، ذلك أن الأستاذ شريط يتحدث في كتابه عن مفاهيم اجتماعية بالية داخل مجتمعنا الجزائري، يراها من الرواسب الاجتماعية المضرة، ويحاول أن يعالجها، ومن ثم فساحة المعركة عند الأستاذ هي المجتمع الجزائري، أما نحن فحديثنا في معركتنا هذه مع الآخر، وهذا الأخر يختلف عنا دينا، ولغة، وعرقا، وهو واعي كل الوعي بما يفعل، بل هو صانع هذا المفهوم المعترك، إذا ساحة معركتنا المفهومية هنا، تتجاوز حدود الوطن الجزائري، إنها مساحة تضم مجموعة من الأوطان، والشعوب المختلفة، جغرافيا، وعقائديا، وعرقيا، ولغويا، ولا تشترك إلا في تشابك مصالحها، وارتباطها المصلحي الناتج عن الارتباط الجغرافي، وما ينتج عنه، والناتج أيضا عن الماضي التاريخي، وما ترتب عنه من تعقد الارتباطات، ومن ثم فهي مصالح يغلب عليها طابع الحتمية الناتجة عن الغلبة، وما يتبعها، وليست مصالح نابعة من مصائر مشتركة، وعن قناعات ترتكز على وحدة الجنس، واللغة، والدين، والمصير المشترك،
وعليه فإذا كان الأستاذ شريط يشخص رواسب اجتماعية في مجتمعنا يريد علاجها، فإننا هنا نشخص صيغة لغوية نشم منها رائحة الإقصاء، بل نرى هذا الإقصاء عيانا، قبل أن نراه بيانا، نحاول أن نقوم مفهوما، نراه حرف، مفهوما نراه زيف، مفهوما نراه يهيئ مجتمعاتنا للإيقاع بها تاريخيا، وجغرافيا، وحضاريا بعد الإيقاع بها ثقافيا، ومصطلحيا، كما أن معركتنا المفهومية هنا هي امتداد لمعاركنا السابقة، ومن ثم فلفظ المعركة هنا نراه يوحي بالتواصل، وعدم الانقطاع، وفعلا معركتنا لاتكاد تنقطع، بل فعلا هي لاتنقطع، وهي غير محدودة الزمان، والمكان حتى وإن كانت ساحتها في غالب الأحيان محدودة، وهي أرضنا، ومن ثم صح لمقالنا هذا أن يوسم بهذا الوسم، ومع ذلك نستسمح الأستاذ الكبير عبد الله شريط في استعارة عنوانه منه، كما نستسمح الأستاذ الباحث الدكتور محمد عمارة الذي هو الآخر له كتاب قيم يحمل عنوان: معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام، والذي استفدنا منه كثيرا في مقالنا هذا، حتى على مستوى العنوان، إذ أضفنا له بعد معركة المفاهيم التركيب، بين الغرب والإسلام اقتداء به، ولعل مايبرر لنا عنونة مقالنا هذا بما عنوناه به أيضا هو أن المصطلح الذي يعالجه المقال نراه من المصطلحات التي يدور حولها العراك بين الحضارة الغربية، والحضارة الإسلامية، ثم هو أيضا من المصطلحات التي تحتاج إلى تحرير مضامينها واكتشاف مناط الاتفاق ومناطق التمايز في معانيها ومفاهيمها، خاصة أنه مصطلح يكثر شيوعه على الألسنة والأقلام، إذ في الوقت الذي كنا نحن نحرر فيه هذا المقال كانت وسائل الإعلام الوطنية المكتوبة والمرئية مهتمة بترديده كما هو، ففي نشرة الثامنة ليوم 28-03-2008 جاء فيها انتخب فلان عضوا في البرلمانات الأورومتوسطية، وتكرر وروده في جريدة الشروق اليومي الصادرة بتاريخ 27-03-2008 الأمر الذي زاد من إصرارنا على تحرير المقال تنبيها لمخاطره على هويتنا المغاربية، وإذا قيل (المفاهيم أسماء العالم ومفاتيح معرفته يحمل كل منها فضلا عن دلالته اللغوية والاصطلاحية تاريخه الخاص مشحونا بشحنة أيديولوجية مصدرها الأنساق والخطابات التي اندرج فيها) (2) فما هي المفاتيح المعرفية لهذا المصطلح؟وما هي دلالته اللغوية والاصطلاحية؟وما هو تاريخه الخاص على قصر عمره؟وما هي الشحنات الأيديولوجية التي يتضمنها والتي مصدرها الأنساق والخطابات التي يندرج فيها هذا المصطلح؟هذا ما تحاول المقالة الإجابة عنه فيما يلي:
مفهومه:
إن مصطلح (التعاون الأورو متوسطي(ومن حيث الشكل مصطلح مركب من كلمتين اثنتين إن نحن أبعدنا كلمة تعاون، وأبقينا على المصطلح:(أورو+متوسطي)، وإن نحن أبعدنا أيضا ياء الإضافة التي ألصقت بالشق الثاني من المصطلح ترميزا لهوية الضفة الجنوبية من المتوسط، أما كلمة (أورو) فتعني أوروبا، أوروبا كلها غير مجزأة بعظمتها بجبروتها بقوتها، أوروبا تلك القارة المعروفة بتاريخها، وحضارتها، ولا يمكن فهم شيء آخر من الكلمة غير هذا، ثم كلمة ضفته الجنوبية، ونتقاسم معهم خيراته، فالمصطلح (أورومتوسطي) هنا ترميز لغوي يدل على مفهوم فني عند السياسيين، وعلى مفهوم علمي عند الباحثين الأكاديميين، يفترض فيه من متوسط، وتعني البحر الأبيض المتوسط، ذلك البحر الذي نشترك فيه معهم على هذه الناحية، ومن تلك أن تكون له دلالة محددة مضبوطة عند واضعيه، ومستعمليه، ولا نعتقد أن واضعيه يجهلون هذه الدلالة، ذلك أن وضع المصطلح لا يخضع إلا للمعيارية، ولا مجال فيه للاعتباطية، يقول الباحث عبد الصبور شاهين في هذا الشأن:(المصطلح هو اللفظ أو هو الرمز اللغوي الذي يستخدم للدلالة على مفهوم علمي آو عملي أو فني، أو أي موضوع آخر ذي صبغة خاصة) (3) وهو المعنى الذي نجده يشير إليه الباحث الدكتور محمود فهمي حجازي أيضا والذي نقله عن بعض الباحثين الأوروبيين حيث يقول عنه:(إنه كلمة لها في اللغة المتخصصة معنى محدد وصيغة محددة...وهو كلمة أو مجموعة من الكلمات من لغة متخصصة علمية أو فنية يوجد موروثا أو مفترضا ويستخدم للتعبير بدقة عن المفاهيم ويدل على أشياء مادية محددة) (4) وهي أقوال مكنت أحد هم أن يستنتج منها أن علماء المصطلحات ينصون على أن علم المصطلح هو الرمز اللغوي المحدد لمفهوم واحد، يقوم على دعامتين هما: الرمز اللغوي، والمفهوم.
أما الدعامة الأولى التي هي الرمز اللغوي فهي هنا الوعاء (أورومتوسطي) فهو الصيغة، أو الشكل، أو الأداة، التي تنقل مفهوما، أو تحمل فكرة، أما الدعامة الثانية التي هي المفهوم الذي هو عبارة عن بناء عقلي فكري، أو هو الصورة الذهنية لشيء معين، موجود في العالم الخارجي أو الداخلي، فتستحق منا وقفة مطولة للكشف عنه، وإذا كان من السهل علينا، وعلى أي قارئ معرفة الدعامة الأولى التي تكشف عيانا، والتي هي الجانب الشكلي الصيغي للمصطلح، حيث صارت محددة، فإن تحديد مفهوم هذا المصطلح، يستوجب منا طرح الأسئلة التالية ما هو مفهوم هذا المصطلح؟ وما هو البناء المعرفي لهذا المصطلح حين يسمعه السامع أو يقرأه القارئ؟أو نقول ماذا بنى عقل واضعي المصطلح ومنتجيه؟ أو نقول ماهو البناء العقلي المعرفي الذي قصده واضعو المصطلح؟ أو نقول ما مدى تمثيل هذا المصطلح للبناء المعرفي الذي نفهمه من خارج الصيغة المصطلحية؟أو نفهمه من كلمة تعاون التي تسبق المصطلح ؟ إننا نرى من البديهيات في علم المصطلح أن تكون هناك علاقة منطقية بين المصطلح، ومفهومه، ولعل الخطوات الأساسية عند أهل الاصطلاح التي يجب أن يخطوها في وضع المصطلح هي جمع المفاهيم، وتنظيمها، وجعلها ذات علاقة متجانسة، ثم فهم المفهوم الذي يودون اقتراح مصطلح له، بخصائصه، وصنعه، وصفاته الحقيقية، وغير الحقيقية، ثم تحديد صلة هذا المفهوم بغيره من المفاهيم، (5)هل غابت هذه الخطوات عن واضعي هذا المصطلح؟وهل نتصور من واضعيه، وهم الذين يحسبون للكلمة حسابها أن تغيب عنهم هذه الخطوات؟كيف يحدث منهم ذلك وعلماؤهم هم الذين أسسوا هذا العلم ووضعوا له شروطه، وخصائصه؟ يقول أحد علمائهم المختصين في هذا العلم، وهو السيد (فيلبير) (إن دقة المصطلحات لا تعتمد على الرموز اللغوية بل على المفاهيم)(6) وعليه فهم أثناء وضعهم لهذا المصطلح كانت هذه المفاهيم المترتبة عنه حاضرة في أذهانهم، فهم قبل أن يسهروا على أن يكون المصطلح واضحا، ودقيقا، وموجزا، وسهلا –وهي الشروط التي يشترطها علماؤهم في المصطلح- سهروا على تحديد المفاهيم والدلالات التي يحيل عليها هذا المصطلح الأساسية، والهامشية في كل الأنساق، والخطابات التي أدرج فيها، ويندرج، كما حددوا الشحنات الإيديولوجية له، والغايات، والأغراض، والمرامي، والأهداف القريبة، والبعيدة له، أقصد ما يتحقق من المفاهيم في الزمن القريب، وما يتحقق منها في الزمن البعيد، وما له علاقة بالجوانب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والإعلامية، والعسكرية والدبلوماسية، وما له علاقة بالحضارة، والجغرافية، والتاريخ، ولنا أن نتساءل ماذا نفهم من المصطلح حين نقرأه؟أو نسمعه؟وقبل أن نعلم القارئ ماذا فهمنا منه –نحن- نسأله مرة أخرى بين من يكون هذا التعاون؟وفي أي مجال يتم هذا التعاون؟
لعل مجالات التعاون محددة عند الطرف الأوروبي، وهي محصورة في المجالات(الأمنية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية) ولعلها معروفة أيضا عند سياسيينا المحاورين للطرف الأوروبي- ولا شك-، لكن مع ذلك يبقى في المصطلح غموض –عند القارئ- بين من يتم هذا التعاون، وبتعبير واضح من هي هذه الدول المتوسطية التي تتعاون معها أوروبا؟ إن شقا واحدا من المصطلح، وهو الشق الأول واضح الهوية وهو أوروبا، فهذا الشق من المصطلح يحيلنا على هوية أوروبية، هذه الهوية الواضحة، تتعاون مع هوية أخرى، لا نراها واضحة، ولا نعتقد أن القارئ يراها واضحة أيضا- لأنها ببساطة هوية غير واضحة المعالم غير محددة الملامح، كيف ذلك ألم يشر إليها المصطلح في شقه الثاني؟ (متوسطي)ومن ثم المصطلح يحيلنا على هويتين تتعاون، أو فرض عليهما التعاون، هوية أوروبية، وهوية متوسطية، نعم يحيلنا المصطلح على ذلك، لكن تاريخيا وجغرافيا تعرف أوروبا بأنها إحدى القارات الخمس وأكثرها كثافة بالسكان... والتي تقع بين المحيط المتجمد الشمالي شمالا والمحيط الأطلسي غربا والبحر الأبيض المتوسط وجبال القفقاس جنوبا وبحر قزوين وجبال الاورال شرقا) (7) إذا فموقع أوروبا على الضفة الشمالية للمتوسط، ، هذه هي الهوية الأوروبية بكل قوتها السكانية، والحضارية والتاريخية المتفوقة، تدخل في تعاون مع هوية متوسطية، لحد الساعة لم نعرف- ولا اعتقد أن القارئ قد عرف – ما هي هذه الهوية، ما الهوية المتوسطية ؟ لكن مادام عرفنا الهوية الشمالية للمتوسط نفهم أن الهوية المتوسطية-الأخرى- يقصد بها تلك الهوية التي تقع على الضفة الجنوبية، وهي مشكلة من الدول التي تقع على الضفة الجنوبية للمتوسط، وهل عرفت هذه الدول تاريخيا بهذا الاسم؟ أو بهذه الهوية؟ إن هوية الدول –فيما نعلم-تتشكل من مجموعة من السمات، والملامح، والعلامات البارزة في حياتها، والتي هي عبارة عن إرث تاريخي كبير، منها ما هو ثابت، ومنها ما هو متغير، أليس لهذه الدول الجنوبية المتوسطية ملامح، وسمات، ومواصفات، وثوابت عرفت بها، وتميزت أكثر مما تعرف بالمتوسطية؟إن الدول التي تقع جغرافيا على الضفة الجنوبية للمتوسط تعرف منذ 14 قرنا بأنها دول عربية العرق، واللغة وأمازيغيتهما، وتدين بالإسلام، وتسمى عند الجغرافيين بالمغرب العربي، إذا حصرنا أنفسنا في الدول الخمس المعنية بالتعاون الذي صيغ له هذا المصطلح، وإلا فإن الدول الواقعة على الضفة المتوسطية تمتد لتشمل مصر وسوريا والأردن وتركيا، يقول صاحب المنجد في اللغة والأعلام في هذا الصدد: (المغرب هو اسم أطلقه الجغرافيون على شمال إفريقيا الشامل لليبيا وتونس والجزائر ومراكش وكانوا يقسمونه إلى المغرب غربا وهو ما يعرف اليوم بالمملكة المغربية والمغرب الأوسط عرف قديما ببلاد نوميديا وهو اليوم الجمهورية الجزائرية والمغرب الأدنى وهو مادون ذلك) (8)، ونحن مع عدم موافقتنا على هذا الوصف للمغرب العربي من صاحب المنجد، لأنه يقصي بلدا من المنطقة وهو موريتانيا كما يهمل ذكر بعض الثوابت الأساسية لهوية هذه الدول، والتي هي اللغة، والديانة، قلت بالرغم من ذلك، فإننا نجده يشير إلى بعض هوية هذه الدول، ولم يذكر أنها متوسطية وكفى، ثم أن هذه الدول تنتمي إلى القارة الأفريقية فلماذا تغيب هويتها القارية، وهويتها الدينية، واللغوية، والثقافية؟ إننا إذا عنينا البحث عن هذه الهوية المسماة بالمتوسطية فلم نجد لها أثرا عند الباحثين، وحتى وإن وجدنا لها ذكرا، فنحن لا نرضى بها هوية وحيدة لنا، إن الدول الواقعة على جنوب المتوسط، والتي هي بالترتيب: موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا لم تعرف تاريخيا بالمتوسطية، وإن كانت فعلا دول مطلة على المتوسط، لأن الموقع الجغرافي –حتى وإن كان أساسيا –لا نراه كافيا وحده لتشكيل هوية الشعوب والأمم، فهل جاء المصطلح بمحض الصدفة من خبراء السياسة، والاصطلاح الأوروبيين؟ إن المصطلحات فيما نعلم لم تخضع يوما ما عند الباحثين للاعتباطية، فما بالنا إذا كان المصطلح سياسيا، فهو بالدرجة الأولى يكون بعيدا كل البعد عن الاعتباطية، ومتى كانت السياسة اعتباطا؟ إن الاعتباطية والسياسة متناقضان، ثم من المعروف أنه ليس هناك مجال أكثر محذوريه وتلتزم فيه أقصى درجات الدقة، والضبط على مستوى وضع المصطلح، كما هو في المصطلح السياسي، ومن ثم ننفي كلية فكرة الاعتباطية، والصدفة في وضع هذا المصطلح، ثم أن هذا المصطلح يعتبر في نظرنا، وفي نظر واضعيه من المصطلحات التي يدور حولها العراك بين الحضارة الغربية الممثلة في أوروبا، وبين الحضارة العربية الإسلامية الممثلة في الدول التي سميت في المصطلح بأنها دول متوسطية –وهم لهذا وضعوه، -، ونحن لهذا نرفضه، وندعو إلى رفضه شكلا، ومضمونا وإذا ما تحجج أحد علينا بقول أجدادنا (لا مشاحة في الاصطلاح) وهي العبارة التي تتردد في ثقافتنا، وعلى ألسنتنا، وأقلامنا، والتي مضمونها لا حرج على أي باحث، أو كاتب أن يستخدم المصطلح- أي مصطلح- بصرف النظر عن بيئته الحضارية، والفكرية والفلسفية التي ولد فيها وشاع، وقد يدعم حججه بأن الألفاظ ذات الدلالة الاصطلاحية هي ميراث لكل الحضارات، ونحن لا ننكر عليه ذلك، لكننا نرد عليه بالقول: متى كانت الحضارات البشرية متفقة على المفاهيم كلها ؟، فمن المعلوم حضاريا، وثقافيا أن هناك الكثير من المفاهيم هي محل خلاف بين الناس الذين ينتمون إلى الحضارة، والثقافة الواحدة، فما بالنا إذا كانت هذه المفاهيم تعني أشياء هي محل تجاذب، وتصارع، وتعارك بين البشر، ثم ألم تكن المفاهيم سببا في الصراعات والخلافات بين الناس؟ألم تختلف البشرية في الفهم والتفسير؟أليس النص الواحد، أو اللفظ الواحد نختلف في فهمه؟ أحدنا يفهمه فهما غير الفهم الذي يفهمه الآخر ؟ ثم ألم تبدأ الفتن والحروب بين الناس بسبب اختلاف في الفهم والتفسير ؟ ألم تكن الفتن قبل أن تكون فتنا فكرة تمثل فهما معينا لنص معين؟ألم يكفر التكفيريون الناس اعتمادا على نصوص فسروها حسب فهمهم ؟، هذا أمر نزعم أنه لا يمكن نكرانه، فإذا كان الأمر كذلك، فإن مصطلحنا الذي نتعامل معه هنا يكون شديد الحاجة إلى مشاحة، وهو على حد تعبير الدكتور محمد عمارة يحتاج إلى ضبط في صيغته وفي مفهومه، حتى لا يأتينا منه الخلط والخداع على حد تعبير الباحث محمد عمارة دائما، (9) إن أهل الاصطلاح يعتبرون المصطلح وعاء يوضع فيه مضمون من المضامين ويحسبونه أداة تحمل رسالة، وإذا كان الأمر كذلك فإن نظرة من أي قارئ - مهما كان يملك قدرا من الحس اللغوي- ولو كان بسيطا، يدرك أن المصطلح في صيغته يقصي هويتنا، فلا وجود على مستوى الصيغة لاسمنا، ولمعظم سمات شخصيتنا، لا باعتبارنا عربا، ولا باعتبارنا أمازيغ ولا باعتبارنا أفارقة، ولا إشارة إلى ديننا، هذا من حيث الصيغة، وأما من حيث المضمون، فنقول إن المضمون تابع للصيغة لصيق بها، أو الصيغة حاملة للمضمون لصيقة به على حد تعبير قدمائنا في نظرية اللفظ والمعنى، فمضمون هذا المصطلح هو تعاون يشمل مجالات تحدد بين الدول المعنية، وكما فرض الأوروبيون علينا الشكل للمصطلح، نعتقد أنهم قادرون على فرض المضمون، وقد أشار الباحث الدكتور محمد العربي ولد خليفة إلى مضمون هذا التعاون- وهو موفق فقال:(يبدو أن هدف الجيران الشماليين هو وضع حزام أمني وقائي ضد الهجرة ومخاطر الإرهاب) (10) إذا مجالات التعاون بيننا وبينهم محصورة في أن نكون سدا منيعا لمكافحة الهجرة غير الشرعية إليهم وما تجلبه لهم من مخاطر ونساهم أيضا في مكافحة تهريب المخدرات، ونضيف نحن إلى ذلك أنهم يريدون منا أن نبقى سوقا أبدية لسلعهم، وأن نسد لهم ما يحتاجونه من يد عاملة مدربة، ومكونة، تلبية لحاجاتهم الناتجة عن شيخوخة مجتمعاتهم، ولأنها يد رخيصة مقارنة بيدهم العاملة أيضا، ولاشيء غير هذا فيما نعتقد، لهذا فنحن هنا نجد أنسفنا أمام نموذج من نماذج المشاحة في الاصطلاح على ما يقول الباحث محمد عمارة (11) مشاحة في المضمون، والوعاء، والأداة، ونرى في هذا المصطلح وعاء غير صالح ليحمل مضمون التعاون الذي نشعر فيه أننا نكافئ من نتعاون معه، ونوازيه في مختلف المجالات، ونتعامل معه معاملة الند للند، ومادام فرض علينا هويته في الشكل المصطلحي، وأقصى هويتنا، فهو سيفرض علينا مفاهيمه للمضمون، ويقصى مفاهيمنا له، أو على الأصح مفاهيم من يمثلنا ويتفاوض باسمنا من سياسيينا، سيفرض مجالات التعاون التي تخدم مصالحه، ويرفض المجالات التي قد تعود علينا بالفائدة، أو المجالات التي نستطيع أن نكون فيها قادرين على أن ننافسه، ونحصل من خلالها على فوائد، ونعتقد أن سياسيينا يدركون ما نقول، وهم على علم بما يريده الطرف الشمالي للمتوسط من الطرف الجنوبي، ومن ثم نكرر قولنا بأن هناك مشاحة أكيدة في هذا المصطلح، مشاحة تامة في مضمونه، ومشاحة كبيرة فيه كوعاء صالح، وكأداة دقيقة، وصالحة لحمل الرسالة، والمضمون الذي يجعلنا نوازي الطرف الأوروبي، إننا نحن هنا نطبق نظرية –تعاونية- وهي مضمون المصطلح المعني تم تصميمها على الضفة الشمالية من المتوسط، وهي نظرية لا يهمها إلا الهجرة وزحف الجياع، والبطالين على حد تعبير الباحث الدكتور محمد العربي ولد خليفة (12) وأن هذه النظرية فيما يبدو لنا تأتي في سياق اعتبار انتشار الثقافة الإسلامية، والعربية على الضفة الجنوبية للمتوسط أنها كانت سببا في قطيعة كبرى، ونهائية أفقدت حوض المتوسط انسجامه الثقافي اللاتيني المسيحي على حد تعبير الباحث ولد خليفة دائما(13) كما يدل المصطلح بهذا الشكل وهذا المضمون، ويوحي إلى علاقات حضارية استعلائية، تبتعد عن التكامل، والتسامح والحوار المتوازي إلى الاستعلاء، والعنصرية، والهيمنة الثقافية، والسياسية المتواصلة التي لا يبدو أنها لها نهاية إلا بالقضاء المبرم على هويتنا، -لا قدرالله- ومن ثم فإن هذا المصطلح بهذه الصيغة، وبهذا المفهوم فإننا نرى أنه يأتي في سياق الممارسة التغريبية لتاريخنا، وذاكرتنا وحضارتنا من قبل أوروبا التي سطت على تراثنا ونقلته إلى بلدانها في وقت مبكر ثم استمر هذا السطو، والتغريب عن طريق كتابة للتاريخ موجهة من المركز إلى الإطراف وفق مناهج ومفاهيم تتقص الموضوعية(14) وهي الممارسة التي لم تنقطع، ولا نراها مستعدة للانقطاع ومصطلح(الأورومتوسطي) يدخل في هذا السياق المسطر من قبلهم، والمنفذ من سياسييهم وإعلامييهم، ودبلوماسييهم، ومثقفيهم بتعاون من سياسيينا وإعلاميينا ومثقفينا لما جاريناهم في استعماله، إننا نعتقد أن الحرب تبدأ كلاما قبل أن تصير صداما، ولقد شهد العالم العربي حربا على الهوية العربية الإسلامية، واتخذ المصطلح مسرحا لها،
ومنها مصطلح الأورومتوسطي، ماذا يقصد به؟يقصد به الفضاء الذي يشمل الدول الواقعة على ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية، ومن المعلوم أن الدول الواقعة في الضفة الجنوبية هي دول المغرب العربي، وهي المغرب الجزائر موريتانيا تونس وليبيا، هذه هي الدول المطلة على المتوسط، وهي كما هو معلوم ذات كيان عربي إسلامي، فلماذا إذا أطلق مصطلح الأورومتوسطي؟ هذا المصطلح الذي يغيب كليا هويتنا العربية الإسلامية، إننا نقرأ منه الهوية الأوروبية كاملة، أي أن هناك حضورا أوروبيا كليا، الهوية الأوروبية كلها حاضرة غير مجزأة، على الرغم من أن التعاون يخص خمس دول أوروبية فقط، يقابله تغييب كلي للهوية العربية الإسلامية، لماذا إذا هذا التغييب؟ وما هي مبرراته؟ وأهدافه؟ ولماذا قبل الإعلام العربي توظيف هذا المصطلح على الرغم من مخاطره؟ ولماذا قبل المفاوض السياسي عندنا هذا المصطلح؟ ألم يكن مدركا لمخاطره؟ألم يكن لمفاوضنا مشاركة ومساهمة في وضعه؟ كيف يقبلون بمصطلح يصنع لهم، ويعنيهم مباشرة، ولا يشاركون في صنعه وهم معنيون بما يترتب عنه من مفاهيم، والتي يمكن أن تتحول إلى أفعال ألم يكن التعاون بيننا وبينهم على ما يفهم من المصطلح ؟ معنا نحن الذين لا هوية لنا عندهم غير(نحن) المتوسطية إننا كنا قد أومأنا فيما سبق أنه لا اعتباطية في وضع المصطلح، وخاصة المصطلح السياسي، ومن ثم نجزم أن واضعيه يدركون تماما مضمونه، وإيحاءاته، وهوامشه، يعرفون دلالته المركزية، والهامشية، بل ودلالاته الحافية وضلا لها، ومن ثم فهم وضعوه عن قصد، أي قاصدين تغييب الكيان العربي الإسلامي المشكل للضفة الجنوبية للمتوسط، أنهم أرادوا تقريب مفهوم الهوية المتوسطية-كما يريدونها - ومؤالفتها من الألسنة والأقلام، وكذا الإعلام حتى تصير هوية مأنوسة عندنا، فلا نشعر بغربتها علينا، ليسهل لهم تغييب هويتنا بعد فترة من الواقع الجغرافي، إنني اعتقد أن الحرب التي لم تنقطع يوما على هويتنا الجنوبية للمتوسط تجددت بهذا المصطلح بعد أن قبل به سياسيونا، وإعلاميونا، ومثقفونا، وديبلومسيونا، حيث صار المصطلح متداولا بيننا دون أن يشعر بالغربة، وكأنه شيء مفروض علينا لا بديل لنا عنه، إننا نعيش في عصر استطاعت فيه السلطة الرابعة أن تكون وسيلة ناجعة في إدارة الحروب، إن الحرب اليوم –فيما نزعم- وكما هو معلوم تكون إعلامية قبل أن تكون عسكرية، وقد تسبق الحرب الإعلامية الحرب العسكرية فإن نجحت إعلاميا سيكون النجاح عسكريا، إن الاستيراتيجية الغربية اليوم مؤسسة على الإعلام، وقد شاهدنا هذا الأمر في حرب الخليج الاولى والثانية، وعليه إذا قبلنا اليوم استعمال المصطلح (الأورومتوسطي) نكون قد سقطنا تحت الاحتلال المصطلحي المفاهيمي، لأنه إذا قبلنا به اليوم يكون من الصعب رفضه مستقبلا، أي رفض نتائجه المترتبة عن مضمونه، ومضمونه كما فهمناه، (تعاون أورو متوسطي)، فهو ذو مضمون إيحائي أيضا يوحي أن المتوسط تقطنه على ضفتيه أمم أوروبية متوسطية، وأمم أخرى متوسطية فقط، لا هوية لها غير وقوعها على ضفة المتوسط، فلا لغة، ولا دين، ولا عرق، ولا أي شيء آخر إنها متوسطية وكفى، هذا هو محتوى ومضمون المصطلح ولا شيء غير هذا، ويكذب من يدعي أنه يفهم منه شيئا آخر غير الذي ذكرته، وإن حاول بعضهم أن يسقط عليه مفاهيم أخرى، فإنه يكون قد أسقطها من خارج الصيغة المصطلحية، من ثقافته، من خلفيته المعرفية، لا من لفظ المصطلح ذاته.
مخاطره:
إن هذا المصطلح وبهذه الصيغة ذات الدلالة المحددة سابقا يتضمن مخاطر جمة على هويتنا مستقبلا، فهو مفرغ من الهوية الجنوبية المتوسطية، و مشحون بهوية واحدة هي الهوية الأوروبية، إذا فالخطر الأول هو تفريغ المصطلح من محتواه، هذا على المستوى اللغوي المصطلحي، وهو أمر ينتج عنه بالطبع تفريغ المنطقة المتوسطية من إحدى هوياتها، وهي الهوية العربية الإسلامية، إذ بعد تمكن الإعلام الغربي من تفريغ المصطلح من هويته، ومن مضامينه يسهل عليه بعد ذلك تفريغ المنطقة من كياناتها العربية الإسلامية بالفعل، وقد يقول قائل إنه من الصعب إبادة الهوية العربية الإسلامية من المنطقة المتوسطية، لأنه يستحيل تدمير وإزالة قرابة مائة مليون عربي مسلم وأنا مع هذا القول، لكنني أقول إن الغرب اليوم لا يريد الإبادة، والإزالة من الوجود بمفهوم التطهير العرقي لعنصر بشري ما، فهذا أمر غير وارد في الاستيراتيجية الغربية اليوم، لأنه مهما كان الأمر فإن هذا الغرب يستحيل عليه ذلك، ولأنه محتاج إلينا كعنصر بشري في تنفيذ بعض المهام التي قد يحتاجها منا، كسد نقص اليد العاملة عنده في بعض الوظائف مثلا، أو حاجته إلى يدنا العاملة لأنها لا تتوفر عنده اليد العاملة الكافية، كما هو محتاج لمواردنا الطبيعية...وعليه فهو يريد إبادة الهوية، إبادة الذات المغايرة له ثقافيا وحضاريا، إبادة الذات التي ترفض الاندماج، والذوبان في حضارته، وهذا الأمر في اعتقادنا سيكون عليه سهلا في نظري، بعد أن مهد له بمقبولية هذا المصطلح، وستكون حجته علينا قوية، فكيف نقبل بالمصطلح ونوظفه في تعابيرنا، ولا نقبل بما يترتب عنه من نتائج، ؟إن أقل المخاطر التي ستواجه الأمم الواقعة جنوب المتوسط، هي ضرورة قبولها بوجود هوية أخرى تنافسها في هذه الصفة-الصفة المتوسطية-هوية تخالفها ثقافة، وحضارة، ولغة، وديانة، إنها هوية الكيان الصهيوني، هذا الكيان الغريب الذي أجبرت الأمة العربية على قبوله، والتعامل معه سيكون من الصعب على الدول المغاربية، والعربية إن هي قبلت بهذا المصطلح، أن ترفض القبول بهذا الجسم الغريب، لأنه جسم متوسطي، وكيف لا تقبل بهذا الجسم المتوسطي وهي تشترك معه في هذه الصفة؟ستكون دولا غير ديمقراطية، في نظر الأدبيات التي تحكم اليوم العلاقات الدولية القائمة اليوم على التعايش والسلام بين الدول، كما تنص أدبيات الأمم المتحدة، ومواثيقها اليوم، والقانون الدولي، كيف نجابه إذ ذاك هذه التهم الخطيرة، وكيف نجابه ما يترتب عنها إن نحن تمسكنا حينذاك بالرفض؟، إنها أسئلة لا نستطيع التكهن بالإجابة عنها، لأنها من المستقبليات، ونحن لسنا مختصين في المستقبليات، أنا أدرك أنه من الصعب على الأمم العربية رفض هذه الهوية الغريبة، لأنها مفروضة عليها بالقوة، وهي هوية صارت موجودة بالفعل، أي صارت واقعا مفروضا، لكن يجب علينا كمثقفين، وسياسيين، وإعلاميين، وكتاب أن نتشبث بثقافة الرفض، والممانعة، فلا نقبل بمصطلح يغيب شخصيتنا، وهويتنا، ويدجنها، إن عدم قبولنا بهذا المصطلح نراه يشكل الخط الدفاعي الأول إن سقط ستسقط بعده الخطوط الدفاعية الأخرى، إن الأمم يبدأ انهزامها بقبولها للفكرة الانهزامية، إن قبولنا بمصطلح يحمل هذه المخاطر علينا نراه يدخل في فكرة الانهزامية والتبعية للغالب في كل شيء،
وإذا كان المفكر مالك بن نبي قد رأى بأن قوة الاستعمار لا تكمن في تفوقه الحضاري المادي بقدر ما تكمن في قبولنا نحن لفكرة الانهزام، فإن هذه المقولة تتجسد فينا نحن اليوم، ألا يدل قبولنا لأفكاره المصطلحية والمضمونية هذه رغم مخاطرها على انهزامنا واستعدادنا لتنفيذ كل ما يطلبه منا من أفكار، ومن أدوار؟ إننا نرى أن خط المقاومة الأول هم المفكرون، والمثقفون، والسياسيون المتنورون، ونرى أن الحرب تبدأ أفكارا، ثم تتطور فتصير كلاما، ثم تتطور، فتصير صداما، لذلك نحن نرى أن الحرب قد بدأت علينا منذ أن صار هذا الغرب يسقط علينا هذه المفاهيم، ويجتهد، ويكد مثقفوه، ولغويوه، وسياسيوه، وإعلاميوه كل في مجاله على أن مضامين هذه المصطلحات تنطبق علينا، ومن ثم يجتهد هذا الغرب ومن صنعهم من بني جلدتنا لتسويق هذه المفاهيم، إن علماء المصطلح ينصون على أن المصطلح هو ما تواضع عليه أهل الاصطلاح، في اختصاص معين، هل اتفق أهل السياسة عندنا وعندهم على هذا المصطلح وتواضعوا عليه؟ إن هذا المصطلح وكما هو واضح مصطلح دولي لأنه يتضمن في مضمونه تنظيم علاقات بين دول قاسمها المشترك إنها متوسطية، وهي مجبرة على أن تتعاون، ومجالات التعاون متعددة، وطبقا للقوانين الدولية التي ترعى علاقات الدول، والتي يجب أن تحترم فيها خصوصيات الدول، وأن يتم التعاون بالتشاور المتوازي، طبقا لذلك أي لقاموس السياسة كما هي علم في الكتب فإنه يفترض أن يكون هذا المصطلح قد تواضع عليه العرب، والأوروبيون، لكن تبعا لشكل المصطلح ومضمونه فإنني أزعم –وقد يبلغ بي الزعم حد اليقين –أن العرب لم يتواضعوا معهم على هذا المصطلح، فالمصطلح وضع بلغات أوروبية فواضعوه هم لا نحن وتلقفته وسائل الإعلام الغربية والعربية فعملت على الترويج له، ثم عربته وسائل إعلامنا وروجت له فقبله بعد ذلك المثقفون بعد أن قبل به السياسيون لأنه نشأ في بيئتهم دون مقاومة، بل صار المصطلح يوظف في الكتابات دون أن نتساءل عن مضمونه الأمر الذي يجعلنا نتهم مثقفينا وإعلاميينا بأنهم متواطؤن في الترويج للمصطلح دون محاولة فهم، أو نقد مفهومه ومضمونه، وان حاولنا نحن اليوم الإشارة إلى مفهومه وما يتضمن من مخاطر فإن محاولتنا المتواضغة –قد تكون شبه عبثية- بعد أن أعطينا له حق الشرعية والمقبولية بعد أن قبلنا به ووظفناه على نطاق واسع في كتابتنا خاصة الإعلامية والسياسية، وإذا أعطينا له اليوم حق الشرعية والمضمونية نكون قد منحنا لهؤلاء حق تنفيذ مضمون هذا المصطلح، ونحن نعتقد أنهم سيعملون على تنفيذ مضمون هذا المصطلح حين يحين الوقت، وسيكون معهم كل الحق في تنفيذ مضمونه لأنه يكون قد اكتسب الشرعية بعد مدة طويلة من الاستعمال، ونكون حينذاك قد حكمنا على أنفسنا بأنفسنا بعد قبولنا له بالأمس، لذلك فنحن نرى أنه يجب علينا آن نسعى إلى تغيير هذا المصطلح وتوظيف مصطلح بديل يكون موازيا لهذا المصطلح، تكون فيه الشخصية الجنوبية للمتوسط حاضرة غير مغيبة، فيمكننا أن نوظف مصطلح (التعاون العربي الأوروبي أو التعاون الأوروبي العربي) فهو مصطلح منصف للضفتين ومعادل لهما فلا يميل لضفة على حساب أخرى، وأن نتشبث باستعماله، ولا ننحاد عنه أبدا إعلاميا، وثقافيا، وفكريا فإن نحن فعلنا ذلك نكون قد تمسكنا بخط الدفاع الأول، وكلما أفلحنا في المحافظة على هذا الخط، كلما اكتسبنا مناعة لشخصيتنا، وهويتنا، ولو إلى حين، حيث نمنحها فرصة النهوض الفكري، والمادي والحضاري، أن عنصر الممانعة كان ولا يزال فعالا –فيما نرى- فأية أمة قوي عندها هذا العنصر وتمسكت به استطاعت أن تنهض، وأن تتطور، وتتقدم، إن التقدم والنهوض مرهونان بتحديد (الأنا) وبتحديد (الهو) فلا نستطيع تحقيق أية نهضة مالم نحدد (هويتنا) من نحن وهويتهم من (هم) لذلك وجدنا كل الأمم تعمل على تحديد أناها أي هويتها، لأن بها تتمايز عن الآخر، إن الحرب المصطلحية الهادئة هذه ضدنا نراها بدأت ضد أنيتنا، وأصالتنا بتعبير المرحوم مولود قاسم رحمه الله(15) فإذا نشأ جيل بعد حين من الدهر لا يعرف أنيته وأصالته فإنه سيكون الأمر سهلا على الآخر إسقاطنا، وإزالتنا، وليفهم القارئ أنه إذا صعب على هذا الآخر إسقاطنا على المستوى الفكري، والثقافي فإنه سيصعب عليه إسقاطنا عسكريا إن الانتصار العسكري يأتي بعد الانتصار الفكري والثقافي، كنتيجة حتمية له، أو إن الانتصار العسكري مرهون بالانتصار الفكري وتفوقه، ثم إنني بينت أن الحرب العسكرية تبدأ حربا مفهومية، ولذلك سميت مقالي هذا بحرب المفاهيم، أو معركة المفاهيم، ونحن نرى أن حرب المفاهيم، أو حرب المصطلحات اشتدت في السنين الأخيرة على الأمة العربية الإسلامية، ولا تجدني مضطرا لأن اذكر عدد المصطلحات التي أنتجها الغرب في مخابره والتي تتضمن مفاهيم مضرة بحضارتنا، أو تتضمن مفاهيم نختلف مع الآخر في مضامينها، فهي كثيرة منها مصطلح الإرهاب، مفهوم المواطنة، حقوق الإنسان، حرية المرأة..، وما دام حددنا بحثنا في مصطلح واحد هو المصطلح الأورومتوسطي فإننا نلتزم به، ولا نخرج عنه إلى غيره، وإذا أردنا تحديد المخاطر التي تتهددنا من هذا المصطلح في تعابيرنا الرسمية، وغير الرسمية في كتاباتنا الفكرية، والثقافية، والإعلامية، والسياسية فإننا نجدها كثيرة يمكن أن نجملها فيما يلي:
1-تغييب الهوية العربية الإسلامية من جنوب المتوسط، في الوقت الذي تشتد الحاجة عالميا إلى الهويات في عالم ما بعد الحرب الباردة وهي المسالة التي تشير إليها الدراسات الحضارية يقول صموئيل هنتنغتون(إن السنوات التي تلت الحرب الباردة شهدت بدايات لتغيرات عظيمة في هويات الشعوب ورمز تلك الهويات وبدأت تتشكل سياسات عالمية على طول الخطوط الثقافية) (16) فهل السياسة المصطلحية الأوروبية هذه تدخل في هذه السياسة-سياسة إعادة تشكيل الهويات- تشكيل هوية جديدة لدول المغرب العربي؟ وهل هي جهود تهدف إزاحتنا من فضائنا الحضاري إلى فضاء حضارة أخرى تراد لنا ؟ هل هي محاولة يائسة لإعادة تشكيل هويتنا الجنوبية تحت ستار التعاون؟لماذا أرادونا أمة مقطوعة النسب في الوقت الذي يعمقون هم فيه نسبهم الأوربي ؟ إنها جهود لا يجب أن تنجح ولا نسمح لها بالنجاح.ومن ثم فنحن مدعوون إلى حماية ما يميز(نحن) عن (هم) إن تحديد الهوية بالاعتماد على عنصر واحد، وهو العنصر الجغرافي ربما يجعلنا نتصادم مع هذا الآخر.
2-تمييع هذه الهوية بإدخال عنصر غريب عنها، حيث يمهد هذا المصطلح وبهذه الصيغة مضمونيا لقبول الكيان الصهيوني كعنصر متوسطي، يجب أن يحظى بحق الجوار وما يترتب عن ذلك من حقوق
3-طمس الهوية العربية الإسلامية الإفريقية للشعوب المغاربية وهي الدول التي تقع جنوب المتوسط، إن الدول التي يشير إليها المصطلح بياء الإضافة بأنها متوسطية تعرف نفسها ومنذ عشرات القرون بأنها ذات هوية عربية إسلامية وأنها جزء لا يتجزأ من العالم العربي الإسلامي.كل المصادر الجغرافية والتاريخية، وكل الكتابات تشير إلى هذه الملامح المحددة لهويتنا، ومن ثم فنحن لنا هوية متميزة نتميز بها عن الغرب فلماذا يهملها في علاقته معنا؟
4-تهديد هذه الدول والكيانات بالزوال بعد الطمس، نعم لقد ذكرنا سابقا أن المصطلح في صيغته ومضمونه يعمل على إزالتنا-هوياتيا- إذ بعد تفريغ المنطقة من الحضارة العربية الإسلامية تبقى الحضارة المسيطرة على المتوسط هي الحضارة المسيحية الصليبية، وهذا هو الحلم الذي نجده مشارا إليه في الأدبيات الغربية التي اعتبرت البحر الأبيض المتوسط قوسا لاتينيا وأن الإسلام أفقده انسجامه الثقافي اللاتيني المسيحي، إذ تدعي الأدبيات الغربية أن الضفة الجنوبية للمتوسط هي امتداد جغرافي ديني حضاري للوجود الروماني المسيحي وأن الإسلام هو الحاجز الذي أحدث الانقطاع على حد تعبير(ح بيرني) عضو الأكاديمية الملكية البلجيكية للعلوم كما ينقل عنه الباحث محمد العربي ولد خليفة (17)، وعليه فنحن نرى أن المصطلح يأتي في سياق تراكم الأدبيات الغربية المركزة على تمسيح المنطقة وتهويدها واحتوائها حضاريا، ولذلك رأى العربي ولد خليفة في التعاون الاورومتوسطي فيه مناورة كبرى جارية على الضفة الشمالية من المتوسط لاحتواء الضفة الجنوبية(18) ابتداء من مسار برشلونة مرورا بالتعاون الأورومتوسطي وصولا إلى مشروع الاتحاد المتوسطي للرئيس الفرنسي السيد نيكولا ساركوزي.
5-يؤكد المصطلح حضور الشخصية الأوروبية للمتوسط فهو حينما ينص بصيغته الأورومتوسطي يفرغ المنطقة تماما من العنصر العربي الإسلامي ويعمرها شمالا وجنوبا بالعنصر الأوروبي وحده وهذا خطر كبير على مستقبل المنطقة
6-إبعاد الحضارات المتوسطية الأخرى، ومنها الحضارة العربية الإسلامية، وتهميشها تماما حتى وكأنها غير موجودة، وإبراز الحضارة الأوروبية وحدها، وكأنها هي الحضارة الوحيدة التي تقع على ضفتي المتوسط، يقول صاحب كتاب صدام الحضارات في هذا الشأن شمال القارة الإفريقية وشرقها الساحلي ينتمي إلى الحضارة الإسلامية)(19)
ومن ثم يصبح سؤالنا الذي طرحناه سابقا نراه جديرا بالتجدد هنا، إذ كيف نقبل أن نجرد من ملامح هويتنا الحضارية ونحن في عصر أعيد فيه بعث مفهوم الهوية ؟بل وفي وقت نرى فيه العالم يتشكل هوياتيا، أي حضاريا يرى صمويل هنتنغتون انحيازات الحرب الباردة هذه تترك الطريق لانحيازات حضاراتية متجددة) (20) كيف نجرد من هويتنا الحضارية والعالم اليوم كما يزعم المنظرون سيكون نظامه مؤسسا على أساس الحضارات) (21)نعم على أساس الهوية الحضارية تتشكل المنظمات الإقليمية والدولية العالمية إن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي موضع جدل بسبب هويتها الحضارية، العديد من الدول العضوة في الاتحاد أعلنت رفضها عضوية تركيا بسبب انتمائها الديني، لأنهم يقرون أن الديانة خاصية أساسية في التعريف بالحضارات، فلماذا يقرون بها في عضوية تركيا بينهم وينزعونها منا حين وضعوا مصطلحا يحدد مجالات التعاون بيننا وبينهم، يجردنا من ديانتنا
8-غياب الندية في المصطلح شكلا ومضمونا، وهي الندية المنصوص عليها في الأدبيات القانونية التي ينتج عنها بناء العلاقات الدولية
9-نقرأ من المصطلح أيضا تكتلا أوروبيا، حيث تخاطبنا أوروبا بصفتها صوتا أوروبيا واحدا حتى وإن كانت الدول المعنية بالتعاون هي خمس دول فقط إلا أن القارئ، وكذلك المحاور يجد عمقا أوروبيا، فالمحاور الأوروبي، وبالرغم من قوته، وتفوقه فإنه يفاوض مدعوما بالعمق الأوروبي كله، الأمر الذي يزيد من قوته وجبروته في المفاوضات، حتى وكأننا نشعر أننا نفاوض نحن الجنوبيين أوروبا كلها، وكأننا نتعاون هنا مع أوروبا الجنوبية والشمالية، والشرقية والغربية، أي أوروبا الموحدة إنه منطق العلاقات الدولية اليوم القائمة على التحالفات الدولية والجهوية والإقليمية
10-يجرد المصطلح بصيغته هذه المفاوض العربي –الجنوبي المتوسطي- من عمقه العربي الإفريقي الإسلامي فيزداد موقفه التفاوضي ضعفا وهو ما نراه يدخل في الحالة التشتيتية التي عليها الدول العربية مغاربيا أو مشرقيا
11نقرأ من المصطلح أيضا عدم احترام الطرف الشمالي لهويتنا حينما تجرأ على محاولة تغيير الملامح الهوياتية الثوابتية الأخرى كالجنس، والعرق، واللغة والديانة، واحتفظ بملمح واحد من ملامح هوياتنا، وهو الجغرافية المتوسطية، فهذا اعتداء صارخ على هويتنا
12-من المخاطر التي يجسدها المصطلح أيضا التبعية للآخر في كل شيء، تبعية ثقافية فكرية لغوية، مصطلحية، وإلا لماذا قبلنا به، ووظفناه على الرغم من عدم تضمنه، ولو إشارة واحدة لهويتنا ماعدا السمة الجغرافية الناقصة وهي المتوسطية
13-نقرأ من المصطلح أيضا السيطرة المطلقة للغرب، فهو ما زال يتصرف كما كان يتصرف بصفته قوة استعمارية
14-ومن المخاطر أيضا أن المصطلح يعمل على تحقيق غايات آنية دبلوماسية، تجارية، وغايات بعيدة الأمد، وهي تغيير ملامح شخصيتنا العربية وتعويمها وتهويمها.
15-يجسد المصطلح بهذه الصيغة فكرة كون الهوية الأوروبية متفوقة بالمقارنة مع جميع الشعوب، والثقافات غير الأوروبية، كما يجسد تسلط الأفكار الأوروبية على الشرق بتعبير الباحث ادوارد سعيد(22)
16-يدل المصطلح على وعي غربي ذي سيادة تزيد من مركزيته
17-إن المصطلح كفكرة ومضمون مشبع بمذاهب التفوق الأوروبي وشتى أنواع العنصرية العرقية (23)
18-إن المصطلح ينكرنا كأمة قائمة على وحدة جغرافية ولغوية وعرقية اسمها المغرب العربي.
19-يجسد المصطلح أيضا مقولة أن الغرب يمثل المركز وما بقي يمثل الهامش فأوروبا هي المركز ونحن الحافة، أو الهامش، أو الأطراف وهنا تصلح المقولة التي تقال عندنا إذا أمطرت السماء في باريس وضع الناس عندنا مطرياتهم خشية تبللهم
20-تحييد البعد الإفريقي للهوية الجنوبية للمتوسط، يعد احتقارا للقارة الإفريقية من القارة الأوروبية، إذ التعاون يكون بين خمس دول أوروبية وخمس دول افريقية فلماذا هذا التحييد و التغليب، هل أوروبا مذكر وإفريقيا مؤنث حتى يتم تطبيق قاعدة التغليب المنصوص عليها قواعديا في لغتنا العربية؟
21-من مخاطره أيضا أنه يدخل في إطار تكييف المواطن العربي المغاربي على تقبل الكيان الصهيوني المعتدي في النهاية، على غرار ما حدث للمواطن العربي المشرقي حين فرض عليه مصطلح الشرق الأوسط وقبل به، هذا المصطلح الذي أوجد للكيان الصهيوني مساحة إعلامية دبلوماسية بعد أن حقق هذا الكيان مساحة جغرافية، هذه المساحات أكسبته حق الوجود والجوار وما يتبع ذلك من حقوق.
المقترحات:
لقد بينا من خلال ماسبق مدى الأضرار التي تلحق بنا إن نحن استعملنا هذا المصطلح الذي غيب هويتنا، وقزم دورنا وجعلنا نشعر بالدونية، وعدم الندية في علاقتنا بالآخر، في تعاوننا معه، وحكم علينا بالتبعية بمنحه للطرف الآخر حق الوضع، صيغة ومفهوما، حق الوجود شكلا ومضمونا، وحرمنا من حقنا في الندية والوضعية والصيغية الأمر الذي جعلنا نشعر بالتهميش والإقصاء حين نقرأ المصطلح، بل ويتجدد عندنا هذا الشعور بتجدد القراءة، خاصة وأن المصطلح وظف بكثرة إعلاميا، إضافة إلى ما يمكن أن يترتب عنه من نتائج وخيمة على هويتنا وعلاقتنا بالطرف الشمالي، ذلك أن العلاقات بين الدول والمجتمعات لا تثمر إلا إذا شعرت الدول المعنية أن مصالحها متوازنة، ومتساوية وألا تكون مصلحة دولة ما متغلبة على مصلحة دولة أخرى، فهذا النوع من العلاقات لا يدوم وإن عاش من السنين مددا فإنه لايعمر طويلا، فهو مآله إلى حين، حين يستجمع هذا الطرف الضعيف قوته، حين يشعر أنه بوسعه دفع الظلم حينذاك يطالب بحقوقه متخذا شتى الوسائل المتاحة، وهنا يحدث الصدام من أجل ذلك وأمام هذه المخاطر الجسام التي تحدق بهوياتنا، وبكياناتنا، بل بوجودنا نقترح نحن مايلي:
أولا-نقترح مصطلحا بديلا نراه يتوافر على قدر من المقبولية شكلا ومضمونا، ونراه يحقق التوازن العلائقي بين الضفتين، ويجعلها علاقة الند للند، فلا يغلب ضفة على أخرى، كما هو حاصل في المصطلح الحالي لا على مستوى الصيغة، ولا على مستوى المضمون، كما نرى أن هذا المصطلح يتوافر أيضا على الشروط التي يرتضيها المصطلحيون في وضع المصطلح والتي هي الدقة في الدلالة والقصر والوضوح، والمصطلح الذي نقترحه كنا قد أفصحنا عنه سابقا ونعني به(التعاون العربي الأوروبي) لأنه أكثر خفة فيما نزعم، وفيما تزعم حاستنا أليس تركيب(العربي الأوروبي) أخف من تركيب (الأوروبي العربي) ومن ثم لما تسبق كلمة العربي في الترتيب يكون المصطلح أكثر خفة، فقولنا التعاون العربي الأوروبي أخف من قولنا التعاون الأوروبي العربي، والمصطلح بهاتين الصيغتين يحقق قدرا كبيرا من التوازن بين الهويتين المتعاونتين، والمفهومين على المستوى الصيغي، وعلى المستوى المضموني، ثم أن هذا المصطلح المقترح بإحدى الصيغتين السابقتين نتوقع أن يحظى بالقبول من الضفتين، فلا تشعر إحدى الضفتين بالتفوق والهيمنة، ولا الأخرى بالدونية والتبعية، كما كان في المصطلح السابق الذي رفضناه، وليس في الصيغة المصطلحية التي نقترحها أي تغليب لطرف على آخر وهي تشعر أن هويتي الضفتين متوازيتان فإذا رفض مقترحنا بهذه الصيغة من شركائنا الشماليين، حينذاك نتأكد من عنجهية الطرف الشمالي وعنتريته فيكون لنا موقف لايقل عنترية
ثانيا:الممانعة، أو الامتناع، أول خطوة-كان يجب القيام بها- أمام هذه الحرب المصطلحية المفهومية الاستباقية التمهيدية هي الممانعة، يجب علينا أن نمتلك مناعة فكرية، ثقافية، إعلامية، فهذه المناعة ضرورية، وهي خط الدفاع الأول، والأساس في كسب المعركة المصيرية، فإن قمنا بها نكون قد كسبنا وسائل النصر، وأعني بها الامتناع، أو الرفض رفضا مطلقا توظيف المصطلح كما وضعه واضعوه، وأن نصنع مصطلحا بديلا، موازيا، يحمل مضمونا للمنطقة، كما هي في الواقع الجغرافي، لا كما يريد أن يضعها عليه هؤلاء، وأنا أعلم أن أمرا كهذا قد يدخلنا في حرب مفهومية تكون بين المتقاتلين الأوائل، وهم المثقفون، والمفكرون، والسياسيون، والإعلاميون وأعلم أنها ستكون حربا طويلة تطلب منا طول النفس، لكنها حرب غير مكلفة مجتمعيا، وماليا إلا قليلا حرب لاتزهق أرواحا، ولا تتلف أموالا، ولا تدمر بنيانا، أو منشأ وأن نتائجها ستكون ذات فعالية لا محالة. كيف ذلك؟إن امتنا عنا عن قبول المصطلح، كما فرضوه، يجعلنا في دائرة غير دائرة المتواطئين على وضع المصطلح، أي غير متفقين، وهذا أمر يجعلهم يراجعون المصطلح أو على الأقل يدخلون معنا في مفاوضات وحوارات حول إعادة مواضعة المصطلح، وصياغته فإن حدث هذا- وهو ما نأمله- فإنه سيكون دليلا على أن المصطلح لم تقبله الضفتان، أو على الأقل الضفة الجنوبية، فنعمل معا على إعادة الصياغة، والمواضعة، و من ثم -إعادة تشكيل العلاقات بيننا على الندية- وإن لم يكن ذلك – وهو مالا نأمله- فإن ذلك على الأقل يجعلنا نطيل الحرب المفهومية هذه التي نتوقع أنها حرب تمهيدية للحرب العسكرية المحتملة علينا، لأنه كلما سرعت أوروبا حربها المفهومية علينا سرعت حربها العسكرية المنتظرة، وعلى ذلك فنحن نهيب بالمفكرين العرب، والمسلمين والإعلاميين، وخاصة مفكري المغرب العربي أن يرفضوا توظيف المصطلح الأورومتوسطي في أدبياتهم، وكتاباتهم نهائيا، فإذا كانت القطيعة المصطلحية، كانت شهادة وفاة المصطلح، ولا نعتقد أنه سيكتب له الحياة، وهو يستعمل من جانب واحد، لان ذلك سيجعل أحد الطرفين يصم آذانه عن الطرف الآخر، فيكون توظيف المصطلح من جانب واحد فاقدا للشرعية المصطلحية، لأنه لم يحظ بالمقبولية لدى الأوساط المعنية.وأن تشمل الممانعة هذه مختلف القطاعات التي سأشير إليها لاحقا وهي.
ثالثا: سياسيا:إذا كنا قد عنينا بالممانعة سابقا، الممانعة الشاملة فإن الممانعة المطلوبة هنا، هي الممانعة السياسية، فالمطلوب من سياسيينا الامتناع عن توظيف المصطلح كما هو، ونهيب بهم العمل على توظيف المصطلح البديل الذي اقترحناه على المستوى الرسمي، حينذاك سنجبر الطرف الآخر على الدخول في حوارات حول تحديد مصطلح ذي مضمون منصف يعبر عن الحقيقة المتوسطية كما هي تاريخيا، وحضاريا، وجغرافيا، وهذا أمر ممكن رغم المتاعب التي نتوقع أن يسببها سياسيا، .ولا نعتقد أن هناك مصطلحا منصفا، يحظى بالمقبولية، ويحقق قدرا من العدلية بين الضفتين مثل ما اقترحناه.
رابعا: أكاديميا:أوالممانعة الأكاديمية: نقترح على أكاديميينا أن يبتكروا مصطلحا جديدا ذا محتوى منصف يستخدمونه في كتاباتهم وأبحاثهم السياسية والاجتماعية، إن هم رأوا في مصطلحنا الذي اقترحناه قصورا يمنعه من أن يكون بديلا للمصطلح المجحف، أو يوظفون مصطلحنا الذي نقترحه، على أن تترجم تلك الأبحاث إلى اللغات الأوروبية، أو قد تكتب أصلا بتلك اللغات، خاصة أننا نتخذ من اللغة الفرنسية أداة للبحث العلمي، فلماذا لانستغل توظيفنا لتلك اللغة تمرير فكرتنا المشروعة هذه؟.
خامسا: دبلوماسيا:الممانعة الدبلوماسية:دبلوماسيا العمل نفسه مطلوب من دبلوماسيينا فنقترح عليهم، أو نلتمس منهم الالتزام بعدم توظيف المصطلح المجحف، وتوظيف بدله المصطلح الجديد الذي اقترحناه، والذي يتميز بالإنصاف للضفتين، فالعمل الدبلوماسي هنا له دور قوي يمكنه أن يؤثر بشكل إيجابي على الطرف الأوروبي، إن تساهل دبلوماسيينا في هذا الشأن، وقبولهم للمصطلح المجحف يعني ببساطة سقوط لبنة من الخط الدفاعي الأول للأمة، لان العمل الدبلوماسي سفير الأمة ودليل رغبتها، والتزامهم بتوظيف المصطلح البديل يقدم للطرف الشمالي رغبتنا في تغييره، ورفضنا له.
سادسا: عسكريا:الممانعة العسكرية، وأقصد بها التعاون العسكري الأمني القائم بيننا وبينهم، من المعروف أن التعاون العسكري بين ضفتي المتوسط أمر مطلوب، وهو واقع، خاصة بعد ازدياد مخاطر اللاأمن في المتوسط، ومن ثم فالمطلوب أن يسمى هذا التعاون عربي أوروبي آو أوروبي عربي لا أورومتوسطي، وهذه الممانعة تابعة للممانعات السابقة، سياسيا، ودبلوماسيا
سابعا:إعلاميا:ليس خفيا على أحد أن الصحافة ساهمت بدور فعال في نشر المصطلح الغربي قبل غيرها من الوسائل الإعلامية الأخرى، كالتلفزة، والسنما والإذاعة، فالمتتبع للصحافة المكتوبة بمختلف أنواعها يجدها تقوم بدور المروج الأساس للمصطلح الوافد، سواء كان مصطلحا فكريا أم فلسفيا، أم سياسيا، أم اجتماعيا..وخاصة المصطلحات ذات الطابع الاجتماعي، السياسي والفلسفي، على أساس أن الصحافة قريبة جدا من المجتمع الذي تتبنى أفكاره الاجتماعية والسياسية، والفلسفية، لأنه هو الذي أنتجها، وهي لهذا وجدت ألم توجد الصحف للتعبير عن آراء المواطنين وأفكارهم بمختلف مشاربهم، بل ألم تؤسس الصحف لتوجيه الرأي العام وجهة معينة مقصودة، بل الكثير من الصحف لهذا أسست، ومن هنا تعددت الصحف، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن المفاهيم الاجتماعية، والسياسية نراها تفرض نفسها أكثر من غيرها على وسائل الإعلام المختلفة، لأنها مفاهيم تعبر عن المشكلات اليومية للمواطنين، ومعلوم أن تلك المشكلات تشكل مادة دسمة لوسائل الإعلام المختلفة، ومن ثم فنحن ندعو الصحافة الوطنية والمغاربية والعربية إلى الامتناع عن الترويج لمصطلح الأورومتوسطي والتسويق له في كتاباتها ونلتمس منها توظيف مصطلحنا الذي اقترحناه لما يحققه من ندية و مقبولية ودقة مفهومية، و نهيب بها الترويج له فعليها تقع هذه المسؤولية، فهي إن تبنته، واستخدمته ذاع وانتشر، وإن هي أهملته تلاشى واندثر، ولأن مسؤولية التسويق الإعلامي للفكرة المراد نشرها نراها مسؤولية وطنية وقومية لصحافتنا.
ثامنا:اقتصاديا:الطلب نفسه نتقدم به إلى متعاملينا الاقتصاديين، إذ منتظر منهم الامتناع عن توظيف مصطلح التعاون الأورومتوسطي، أو مصطلح الشراكة الأورومتوسطية كما يحلو للبعض تسميته في تعاملاتهم، وأن يوظفوا بدله مصطلح التعاون العربي الأوروبي، أو التعاون الأورو مغاربي، نقول هذا مع علمنا أنه ليس هناك مؤسسات اقتصادية مغاربية موحدة يمكنها أن تدخل في شراكة مع مؤسسات اقتصادية في الضفة الشمالية للمتوسط، إنما هناك شراكة ثنائية، شراكة مؤسسة تابعة لدولة أو أكثر من الضفة الشمالية مع مؤسسة تابعة لدولة في الضفة الجنوبية، لأن الدول الجنوبية للمتوسط وهي الدول المغاربية لم تتمكن من الاتحاد، فلم تكن لها مؤسسات اقتصادية موحدة قادرة على الدخول في شراكة مع نظيراتها في الضفة الشمالية، ومن ثم فليس هناك ما يبرر لمتعاملينا الاقتصاديين توظيف المصطلح المذكورعلى مستوى ممارساتهم التشاركية، غير أن القدرة الكبيرة للعلاقات الاقتصادية والتجارية على التأثير، والترويج للمصطلح، وتسويقه-جعلتنا نشير إلى ضرورة تنبه متعاملينا إلى مخاطر المصطلح المذكور، وضرورة الامتناع عن توظيفه، لأن نجاح فكرتنا المصطلحية هذه التي ندعو إليها نراه يتوقف على تضافر جهود جميع القطاعات التي أشرنا إليها سابقا، والتي لها علاقة بالآخر، فأي قطاع يمكنه التأثير سلبا أو إيجابا على الفكرة آملين أن تحظى فكرتنا هذه بعنايتها خدمة للهوية الوطنية والقومية لدولنا المغاربية.
تاسعا:العمل بشتى الوسائل على غرس المصطلح الموازي الذي اقترحناه لدى الأوساط الفكرية والثقافية، والاجتماعية، والإعلامية كلها حتى نشعر هذه الأوساط بأن لها شخصية، وكيانا يميزها عن الآخر في الضفة الشمالية، فإذا شعرت بذلك صارت لديها مناعة، غير أننا نتوقع من بعض مثقفينا، وإعلاميينا ممن شرب فكره الصيغة المصطلحية السابقة التي تمت مواضعتها كما ذكرنا من الطرف الشمالي وحده قولهم إن الصيغة قد وضعت، ووظفت، وتقبلت، ومن ثم فإنه يصعب علينا تغييرها، وقد يتفنون في الإتيان بالحجج، والبراهين على أن ما ذكرناه من مخاطر لهذا المصطلح لا أساس لها من الصحة، وقد يقولون عنها إنها مجرد أوهام، وجوابنا عن هذا أن المصطلح عمره مازال قصيرا، بدليل أن التعاون بيننا وبينهم مازال في بدايته متعثرا، فلم يحصل أي تقدم بين مسؤولينا ومسؤوليهم في هذا الشأن إلا قليلا، بسبب رؤية الطرف الشمالي لنوع التعاون، ومجالاته ودليلنا على ذلك–وإن كان هذا الأمر لا يستحق التدليل-إن الطرف الشمالي الفاعل مافتئت قياداته تطرح صيغا أخرى لهذا التعاون، فكان هنا ما سمي(بمسار برشلونة) وما عرف ب(5+5)وأخيرا (الاتحاد المتوسطي) الذي جاءت فكرته على لسان الرئيس الفرنسي السيد نيكولا ساركوزي، فلو اهتدت الأطراف المعنية بالتعاون في الضفتين إلى مضمون تعاوني، واتفقت عليه ما تواصلت هذه الاقتراحات، وعليه فعلينا أن ننشط كطرف شريك، وفاعل يستطيع أن يقترح مصطلحا بديلا منصفا للضفتين، فإذا استطعنا أن نفعل ذلك سنجبر محاورنا الشمالي على تغيير نظرته إلينا مضمونيا بعد أن يغيرها صيغيا، وبذلك نكون قد نجحنا في بناء خط الدفاع الأول الذي إن صمد نصمد طويلا، وإن تضعضع وانهزم ننهزم..
وخلاصة القول في المسالة هي أن مصطلح (الأورومتوسطي) مرفوض من قبلنا شكلا ومضمونا، صيغة ومفهوما، ولا يشفع لواضعيه، عندنا، ومن يتبنى طرحهم ما يقدمونه من حجج كتحججهم بخفته، وقصره، وكثرة المصطلحات المصاغة على شاكلته، كمصطلح (الأوروأمريكي)أو (الأوروأسياوي) وردنا على تلك التحججات هي أننا نرفضه، لأنه من وجهة نظرنا لا يعبر بشكل واضح، و مباشر عن المضمون(التعاون) والوضوح شرط في تكوين المصطلح على ما يذكر المصطلحيون، إنه يفتقد إلى الدلالة الواضحة سواء كان داخل السياق أو خارجه، فالذي يسمع المصطلح أو يقرأه (التعاون الأورومتوسطي) لا تتحدد عنده أطراف التعاون زيادة على مجالاته، وهو الشرط الذي يشترطه المصطلحيون في المصطلح، ومن ثم فجوابنا على من يحتج علينا بقصر المصطلح، وخفته في صيغته الحالية، وبكثرة المصطلحات المصاغة على شاكلته مردود بما ذكرناه، وبما نذكره الآن، إن مصطلحات من مثل (الأوروأمريكي) و(الأوروأسياوي) تتأسس على مبدأ الندية في الصيغة، والمضمون، ذلك أن الهويتين المتعاونتين مذكورتان، أما مصطلحنا فإنه تأسس على تغليب هوية على أخرى، ولو صيغ المصطلح على صيغة (التعاون الأورو عربي) لقبلنا به، أما القصر، أو الخفة، أو المقبولية التي حظي بها المصطلح بعد شيوعه، واستعماله، فإننا نرفضها لغموض دلالته، فإذا كانت الخفة والقصر مطلوبين في المصطلح، فإن الدلالة الواضحة، والمباشرة أكثر مطلوبية، ومن ثم وجدنا الوفود المتفاوضة في الاجتماعات، والقمم تشكل لجانا تقنية توكل إليها مهمة صياغة البيانات الختامية أو التوصيات، وقد تقضي هذه اللجان أوقاتا مطولة في الصياغة حتى لا تصطدم صياغتها بالرفض من قبل وفد ما، وكثيرا ما يقع الخلاف بين أعضاء هذه اللجان على الصياغة، وكثيرا أيضا ما شاهدنا ممثل دولة ما يشترط شطب عبارة ما حتى توافق بلاده على تلك اللائحة أو ذلك البيان، إذا الضبابية في الدلالة لهذا المصطلح، والغموض الذي يلفه، والتفسيرات والتأويلات التي يحتملها مضمونه، والتي ذكرنا ها مفصلة في مقالتنا هذه، هي التي جعلتنا نرفض المصطلح، ونقرأ من مضامينه المخاطر التي أشرنا إليها سابقا، والتي تجعلنا نقرأ منه أننا أمة مستهدفة في أرضها، في دينها، في لغتها، في هويتها، في إنسانها، في تاريخها، في جغرافيتها، ومن ثم فنحن نعتقد أن هذا المصطلح يندرج في سياق الاستهداف، ولكن الاستهداف الهادئ لا الصاخب، وقد يتحول إلى استهداف هائج حينما يحين وقت الهيجان، استهداف هادئ لأنه مغلف بغلاف التعاون
إذا فرفضنا للمصطلح مبني على أسس علمية تتأسس عليها النظرية المصطلحية، وتتعلق بفقدان المصطلح المرفوض للشروط المصطلحية على مستوى الصيغة والمضمون.ثم مالنا نقبل مصطلحا تعمد واضعوه تجريدنا من ملامح هويتنا التي نصت عليها مراجعهم؟فقد حدد المعجم الموسوعي الفرنسي الموقع الجغرافي للجزائر مثلا بأنها تقع في الشمال الشرقي لإفريقيا جنوب البحر الأبيض المتوسط، وهكذا فعل مع كل دولة من الدول الخمس المشكلة للهوية المغاربية، والمعنية بالتعاون، فبالنسبة للجزائر وبعد أن ذكر موقعها ومساحتها الجغرافية، وسكانها، وعاصمتها، وأهم المدن فيها، ونظام الحكم المتبع، يذكر اللغة الرسمية وهي العربية، والديانة، وهي الإسلام، والشيء نفسه نجده يفعله مع المغرب الذي يحدد مساحته الجغرافية، ثم عدد سكانه، وعاصمته وأهم المدن، ونظام الحكم المتبع، ثم يذكر اللغة الرسمية التي هي العربية، ثم الديانة التي هي الإسلام، والشيء نفسه متبعا مع موريتانيا الشقيقة وتونس وليبيا الشقيقتين، كما وجدناه يتطرق إلى جغرافية كل بلد وتاريخه فيذكر أن الشعوب المكونة لدول المغرب العربي هي من أصول بربرية، وعربية، وطوارقية وأن الغالبية العظمى من السكان عرب، (24) ومن ثم فالمصطلح- وكما ذكرنا- فضفاض، مائع، ضبابي، قابل للاحتمالات والتأويلات والتفسيرات المختلفة، الأمر الذي يجعله في نظرنا فاقدا للشرعية، والمقبولية بعد أن فقد الأسس النظرية التي يتأسس عليها علم المصطلح، كما يحددها علماؤهم، فلقد نص السيد ويستر كما ينقل عنه الأستاذ القحطاني أن هناك سبعة أسس يجب أن تقوم عليها عملية وضع المصطلح وهي: (25)
أولا:يجب أن يعبر المصطلح عن المفهوم بشكل واضح ومباشر
ثانيا:يجب أن نضع في الحسبان البناء الصوتي والصرفي للغة المنقول إليها المصطلح
ثالثا:يجب أن يكون المصطلح قابلا للاشتقاق ما أمكن ذلك
رابعا:يجب تجنب التكرار قدر الإمكان، أي لايجب التعبير بمفهوم واحد بأكثر من مصطلح
خامسا:يجب أن يعبر المصطلح عن معنى واحد فقط
سادسا:يجب أن تكون دلالة المصطلح واضحة حتى وإن كان خارج السياق
سابعا:يجب أن يكون المصطلح قصيرا ما أمكن ذلك دون إخلال بالمعنى
فأين هذه الأسس من المصطلح المذكور؟وأين هو منها؟
على أنه يجب الإشارة هنا بالقول الوجيز إلى أن مقالنا هذا مأمول منه، ومنتظر أن يوقظ أفهاما، ويحرك أقلاما، فإن كان له ذلك-وهو ما نأمله- تحققت الغاية التي من أجلها حرر، وإن لم يكن له ذلك، فلا نأسف لتأليفه، إذ سيكون له حظ آخر لا نراه يخطئه، ولا يعدمه، إذ هو حظ لايفقده أي مكتوب مهما كان متواضعا، كمقالنا هذا، ذلك أنه سيكون منصبا في إطار ما نسميه الفعل الفكري الأدبي التراكمي الذي يزيد في ذخيرة الأمة وأدبياتها، فهو وإن لم يكن له اليوم قوة التأثير في أجيالنا الحاضرة، فإنه سيكون له قوة التأثير في الأجيال اللاحقة التي ستجد فيه مرجعية فكرية وأدبية تلوذ بها عند الاستنفار، وتتحجج بها على أهل الأفكار، إذ علمنا التاريخ أن الشعوب تلجأ إلى مخزونها الأدبي، والفكري المتراكم عند الحاجة للاستلهام منه المقومات الطاقوية التي تتقوى بها على الآخر عند الشدائد، فمن هذا الباب نأمل أن يكون مقالنا هذا لبنة في الأدبيات الوطنية والقومية لشعوبنا المغاربية والعربية والإفريقية.
فنحن وبكل تواضع نرى أن ما قمنا به في هذا المقال هو تقويم للمصطلح في ضوء النظرية المصطلحية أولا، وفي ضوء المنظور الإسلامي المعتدل-لا إفراط ولا تفريط- ثانيا، لأننا لا نريد لأنفسنا أن نكون مجرد متلقين سلبيين للمصطلح الغربي الوافد، لا نناقش، ولا نحاجج.
كانت هذه وجهة نظر فيما أسميناه بالحرب المفهومية المصطلحية، وكانت أيضا هذه هي المقترحات التي لا نرى بديلا عنها، فإن نحن وفقنا في رؤيتنا، فذاك أملنا، وإن نحن جانبنا الصواب، فنلتمس العذر من القارئ الكريم، ونلتمس من غيرنا تنويرنا بالمسألة، ويكفينا أننا
نملك صدق النية وخلوصها لوجه الله والأمة.
[1]