الأربعاء ٣ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم
لا للأوطانْ نعم للوحلْ
الليلُ حارْكحقدِ الزوجةِ الأولى في عرس ِ ضرتهاوغبارُ حارتنا الأمينْيطوفُ على النوافذِ و المُقلْليطمئنَّ على رعيتهِ كالأميرْو كنا يا ليلى لفيفاً من الشبابِ و الذبابِ و الأسلاكِ الشائكةْنسيرُ بلا خُطىًحيثُ غمغماتُ الليلِ تخترقُ السكونَ كاللحنِ الرتيبْو كانوا يتحدثونَ عن أردافِ المطرباتْو عن حقِ العودةِ للاجئينْو كنتُ غارقاً في وحلِ هواجسي أفكرُ دون رحمهْ:(هل أصبغُ حذائيَ البنيَّ بالأسودْ ؟بعد أن تورطتُ في بنطالٍ جديدٍيحتاجُ نعلاً أسوداً كجبينِ الشرقْأم أتريثُ قليلاً للراتبِ القادمْ ؟)...ماذا أفعلُ يا ليلى... ؟!نصري محالْو حاضري مُستحيلْ... ...وكانوا يتسألونَ عن الرحيلِ عن أرضنا العاقرْ(وأيُّ أرضٍ ستلدُ تحت أقدامنا ؟كلُ أرضٍ سندوسها نحن الركامُ الإنسانيُّ الذي ما دُفنَ بعدستصيرُ تحت نعالنا عاقرْلكنْ ... هل أصبغُ حذائيَ البنيَّ بالأسودْ ؟أم أتريثُ قليلاً للراتبِ القادمْ ؟)..* * *الليلُ حارْحيثُ الضجرُ و العرقُ يرشحان من أجسادنا كالماءِ من الِجرارْو الحزنُ يعصرني كالبرتقالهْوحيثُ خرائبُ السوقِ تنضحُ برائحة الخضارِ المتعفنةْوحواراتُ البائعينِ السكارى و هم يسرقونَ الشهيقَ من مهجةِ الليلْتصنعُ تاريخَ الإنسانيّةِ المهجورهْأحبهم يا ليلى...ذوي الوجوهِ التي تحتاجينَ معها لخريطةٍكي تهتدينَ بها إلى الرموشِِ أو العيونْأو الأنفِ أو الأبتسامهْ..و حديثهمُ الذي يحتاجُ مصابيحَ عملاقهللخروجِِ منه من حبكةٍ إلى جملةٍ إلى مجةِ تبْغ ٍ إلى زقاقْو كنا لفيفاً من حطامِ الجرائدِ و التذاكرِ و الذكرياتْكانوا يتحدثونَ عن رشحِ الحمائمِ و الدجاجْو عن جمعِ المالِ للمحاصرينَ في أرضنا المحتلهْو كنتُ منهمكاً كالخياطْأقيسُ طولَ محبتي لؤلئك المدججينَ بالبؤسِ و الحقدِ و العنفوانْذوي العيون التي يمكن أن ترى و تبكي و تندهشو الشفاه التي يمكن أن تغني و تُقبّلْو الأرجل التي يمكنُ أن تسيرَ و ترقصْو الأيدي التي يمكنُ أن تُربِتَ و تصافحْأيذكر العالمُ الفاجرُ أننا لا زلنا هنا ؟و أننا ننتمي للجلدِ و الأمعاءِ و الخلايا ؟و اشتهيتُ يا ليلى أن أرى أمي قبل أن تصرعني الكآبةو تذبحني الدموعْاشتهيتُ موالاً من مواويلِ جدتييسرعُ معه قلبي كالرمح إلى صدرِ الحياةاشتهيتُ أن أشربَ برميلاً من الحبرْو أن آكلَ مدينةً من ورقْكي أموتْ... و القصائد المجنونة تفر من صدريكالطيور الفزعة* * *الليلُ لا يرحمْو أنا يا ليلى قطارٌ من الخردهْعناوينُ أحبتي أضعتها في أسفاري البائسهْو لم يبقى لديّْألاّ عناوين اللصوص و السفلهْو من الفرحِ و البهجهْألاّ ما يضللُ الأطفالَ في الأعيادْفماذا أفعلُ بالنبضِ الزائدِ في ضلوعي؟ثم هل أصبغُ حذائيَ البنيَّ بالأسودْ ؟أم أتركهُ علامةً فارقةً في عصري الأسودْ؟- (سيقاتلون أيضاً لإخراجِ رجالنا و نساءنا من معتقلاتهم)- (بماذا تفكرْ ؟)أفكر بالمومساتْ..و باحترامي للغجرْإذ ينامون و أرجلهم خارج الخرائطِ و الأفكارْذوي العيون التي لا تستحمْو المخيلات التي لا تغتسلُ و لا تستحيأفكرُ كم كانوا رديئين في معاملتيفي صغري و في كبريفي حبي و في كرهيفي وطني و مدرستي و في عمليأفكر كيف ملئوا دفاتري بالصريرْو جواريري بالوجعْو خزانتي بالصقيعْو خيالي بالوحولْو إطراقتي بالانكسارْو حنيني بالمحارقْو مراكبي بالثقوبْو شطآني بالسرابْو ذاكرتي بالظلامْو شبابي بالعقاقيرْ...أفكرُ كم عمراً أحتاجُ مع عمريكي أتعلم أبجديةَ الأشياءِ من جديد ؟كي أؤمنَ بشيءٍ من جديد؟أفكرُ بالمستحيلْإذ كلما دعاني حزبيّ لمقهىأو صافحني محارب قديمأو معارض أو مواليداهمني المغص و الشجن و النعاس!و كأنني منذ أسابيع ضآلٌ فوق الجليدْ... ...فترحل الأوطانُ من محابري و ذاكرتي و أشجانيأريدُ فقط أن لا أموتَ قهراًكما يموتُ الجملُ إذا فشلَ في أخذ ثأره..