الخميس ٣١ آب (أغسطس) ٢٠٢٣
بقلم الحسان عشاق

كتيبة الإعدام

تردد صدى الطلقات قبيل الفجر في أطراف المدينة المسيجة بالأزبال والأتربة المتخلفة عن البناءات القديمة، الجدران تحاور صدى الأعيرة النارية المتفرقة زمانيا، السماء تسح دموعا مدرارة، فصل الصيف يغادر مهزوما، الفصول تهزم الفصول وتسقط في بركة الحكايات في الجلسات الليلية، الدنيا لا تستقر على حال، ووجع الخلود يسكن الرؤوس الفارغة المتجهة بابتهال إلى مقصلة الحقيقة، الإنسان والحيوان والحضارات عابرين في مطحنة الزمن، أضواء الأعمدة الكهربائية تختلس النظرات الباهتة من تحت الظلمة، البرد القارس يلسع الأشلاء، الرياح والغيمات السوداء إنذار عن تساقطات قوية تلوح في الأفق ،الأسلاك الكهربائية تصفر، أعمدة كهربائية شاهدة على مرور الاستعمار من المنطقة، البرق يلعلع، يكشر عن الأنياب، سرت في الجماجم رزمة بسملات بين ثنايا الابتهالات، بسملات تنثر في مهب الخوف على وقع قصف قادم من السماء، الموظف الواقي مندس في معطف مطاطي اصفر يمتد إلى ما تحت الركب، خطوات متأنية خوفا من الانزلاق والسقوط في البرك المائية الموحلة، الحذاء المطاطي الأسود يصل إلى الركبتين يمنع تسرب قطرات المطر، الرأس محشو في قبعة بلاستيكية محدودبة، على الكتف ترتاح بندقية ذات مسورتين تعبأ بخمسة رصاصات، يتحسس بالأصابع الباردة المقبض الخشبي الأملس، عامل متوتر يدخن بشراهة، رائحة السيجارة تغتال رائحة النتانة، هكذا أجاب حين انفجرت لحظات تراشق بالوعظ المستفز عن مساوئ التدخين، المدخن دائم السجود أمام نار السيجارة، ترتسم ملامح غير مبالية وتتداخل الكلمات التائهة في سرداب اللامبالاة، ترتفع الأكتاف معبرة عن جواب ملغز، أنا لا أبالي إذن أنا حر، اقبح شيئ يعطل التفكير هزيمة الذات، ولا احد ينصت لخبايا الذات العطشى للحقيقة لابتلاع جرعات السعادة، والواقع المعاش لا يخلو من منغصات، الحوار يرتفع ويخبو، المفردات أشبه بالغمغمات، يسحب بقوة الدخان من السيجارة، يضغط على العقب برجله، ينفث كومة الدخان المحتبسة في الصدر في زهو ظاهر، الساعة تخترق الخامسة صباحا، العواء ينتشر في الفضاء اللامحدود، الأزقة تلتهم الأطراف وتنتهي إلى ما لانهاية.

الخطوات والحركات الحذرة تبتلعها قعقعات الرعد، الواقي يمضمض التكبيرات في خشوع ، يجوب الأزقة والشوارع بالسيارة متبوعا بالشاحنة المهترئة بحثا عن الكلاب الضالة، مكبات القمامة المنتشرة في المدينة تضمن القنص الوفير، كلما كثرت الكلاب المهددة لحياة الساكنة نظمت حملات للإعدام العشوائي، حملات الإبادة تمتد لشهر أو اكثر حتى تخف تظلمات وشكاوى الساكنة، استغرب الواقي كيف تباد المئات في اقل من شهر وتزداد أضعافا، معادلة صعبة لم يستطع الإجابة عنها، ولا احد بإمكانه جمع قطع اللغز المحير والمبهم، تتوقف السيارة البيضاء التي تحمل ترقيما ينتهي بعلامة(ج) مضمخة بالأحمر، ثمة كلاب دفنت الخياشيم في هيكل عظمي ضخم لحيوان نافق، بغل، حمار، بقرة، القفص الصدري عريض جدا، كلاب آخرون يتمددون على رصيف الانتظار، عملية الافتراس تستقطب القطعان الجائعة من الدواوير المجاورة، الرائحة النتنة للجيف تسافر إلى مسافات بعيدة، يركض الجوعى إلى الوليمة الساحرة والمغرية، الجيف ترسم آثارا للشبع، من لحم الجيف تخرج الشراسة والأمراض، حين ينفق حيوان أليف يتم جره إلى المزبلة بدل طمره أو إحراقه تجنبا للأمراض، بين الفينة والأخرى ينشب العراك وترتفع الهوهوات، تزدحم القمامة المفتوحة والواسعة بالعواء والإنذارات، تكشر الخياشيم و تلمع الأنياب الحادة، القوي يفتك بالضعيف هي سنة الحياة، كلب اسود قوي البنية، يتحرك مختالا، يشم مؤخرات الإناث، فاحم مرقط بالأبيض، ضخم، ينبح في الجموع، تتراجع الكلاب الضعيفة إلى الوراء تلعب بذيولها وأخرى خائفة حشرت الذيل بين القوائم، تلكم علامات الإذعان للقوي، أنياب تمزق اللحم وتكسر العظم بوحشية، الجيف المتحللة طوع الأنياب الحادة، اللحم يتحول إلى قطع، الكلاب تقدم خدمة جليلة للساكنة بالتهام الجيف المغثية لمنع انتشار الأوبئة، يقال أن السعار يضرب الكلاب بسبب إصابة الأسنان بالثقوب والكسر نتيجة تكسير عظام الجيفة خاصة في فصل الصيف، الثقوب تتقيح و تصدر آلاما قوية، الأطباء يؤكدون أن السعار يصيب الكلاب بسبب فيروس يهاجم الجهاز العصبي ويؤدي إلى تلف في الدماغ، الداء ينتقل إلى الإنسان بالعض، عضة واحدة تكفي لانتشار العدوى ، سحب البندقية من على الكتف، هدهدها بنعومة، البندقية أشبه برضيع في حضن الأم، صوب بدقة متناهية، أربعة كلاب أو خمسة على مشرحة النفوق، سقط الأول والثاني والثالث… شقلبات متتالية، القوائم الأربع تركل الأرض والفراغ، تصارع الهواء تكتب الوصية في زوبعة الزوال، في رحلة السفر الأخيرة نحو المجهول، ركلات كالنقش المبعثر تقتفي خروج الروح ، لا مهرب من الموت المحقق، لا احد ينتشل المقنوص من السفر الغامض إلى العالم الآخر، كفت عن الحركة في الركلة الأخيرة من عواء العمر، خمدت وساد صمت متقطع مشوب بالانتظار، الكلاب التي أفلتت من الموت لم تبتعد كثيرا، ظلت تنبح بلا توقف تراقب بقايا الجيفة، لقم البندقية وسدد ضربات متتالية ،زمجرة الرعد طمس جميع الأصوات، تندمج كلمات التنويه والتعليقات في تركيبات لا معقولة، بخار يتصاعد من الأجسام المنسية فوق الوحل، يندثر في مخاض الصباح، الطلقات دونت على الكتف اهتزازات ودفع إلى الوراء، تردد الصدى في الأرجاء القريبة والبعيدة، أطلقت بقية الكلاب المذعورة سيقانها للريح،فرت من حفلة شحن البطن درءا للخطر، بعضها ظل واقفا متسمرا ينتظر زوال الخطر المبهم، النباح يتلاشى رويدا رويدا في عتمة الظلام، تقدمت شاحنة الجماعة المهترئة، شاحنة عاصرت أجيالا من العمال، أصبحت إرثا تاريخا يتوارث مجلسا بعد مجلس، نزل عمال يرتدون ملابس تقي من المطر وقفازات سميكة، حملت الجثث الواحدة تلو الأخرى من الأربع وألقيت في صندوق الشاحنة، الرائحة النتنة تزكم الأنوف، عامل تنتابه نوبات قيئ شديد، افرغ الجوف في صوت مسموع، يكاد يتقيأ المصارين، الحفلة الدامية والرائحة الكريهة خنقا التنفس، قهقهات عالية تشد الأنظار على شفاه الوقت، ضحك بقية العمال على هشاشة العامل، انهالت عليه القفاشات ، الرجل ألف العطور والجلوس في الحدائق المزهرة بالرياحين والياسمين، علق عامل ضالع في التنمر، الشاحنة المتهالكة تنفث الدخان المر، تحركت في اتجاه مزبلة أخرى بصعوبة، العجلات تكاد تعلق في الوحل، في السنة الماضية علقت الشاحنة المتهالكة في الوحل، زاد السائق من السرعة لتخليص العجلات وازدادت غرقا، أخاديد عميقة تكبس على العجلات، اغلب المحاولات باءت بالفشل، تطلب الأمر إحضار جرار والاستعانة باليد العاملة للدفع، ملئ الأخاديد بالأحجار، نجحت العملية صفق العمال واطلق السائق البوق فرحا بالخلاص.

لم يبق سوى بقع الدم الأحمر القاني تبتلعه الأرض المبللة، انتظر المسؤول اشتداد البرد القارس والمطر لإعطاء انطلاقة إعدام الكلاب، الحركة تقل وتجنب المفاجآت غير السارة من طلقة طائشة، فلا احد يغامر بالخروج في الصباح الباكر إلا للضرورة القصوى، لا احد يهرب من الدفئ والأغطية حبا في برد قارس يرعد الفرائص، يرسل القشعريرات إلى كامل الجسم، الملابس الجلدية تحمي من المطر لكنها تزداد برودة، كل يمضغ في عياء خيالات هاربة من الصمت المطبق، في انتظار رائحة الدم والبارود الشاهد على تساقط أوراق الميلاد لحظة التصويب والضغط على الزناد في الخلاء،
في الماضي البعيد كانت تستعمل الشباك للقبض على الكلاب الضالة المنتشرة في الأحياء، طريقة لم تكن ناجعة وتحتاج إلى عداء متخصص في المسافات الطويلة للركض وراء الفريسة المستهدفة وإلقاء الشباك ،تسميم قطع لحم تقتل القطط أيضا سلوك خلق رجة بالمدينة، الأمور تبدلت مند سنوات،السلاح الناري الوسيلة الأنجع لقتل الكلاب الخطرة والشرسة المتناسلة بكثرة،

 كل مرة تجينا شكاية ديال مواطن عضو كلب

 الناس خايفة من سعر

 اللهم سعر لكلاب ولا سعر البشر

 كاينة اسي الواقي

يحمل البندقية في وداعة، يضمها بحنان إلى الكتف تجنبا للارتداد، يتنفس تنفسا عميقا، يسحب الهواء إلى الرئة، يركز النظر عبر فتحة التصويب، يضع الأصبع على الزناد... طاخ … طاخ، دوت على الكتف دزينة اهتزازات مألوفة، اقترب بخطو وئيد، شاهد الفصل الأخير من رحلة الشهيق والزفير والنفوق، الصمت يحاور صدى الطلقات وامتزجت بالظلام الخفيف، الشاحنة محملة بالمئات الكلاب النافقة، قنص اليوم وفير، القناص منشرح الأسارير، في خلاء خارج المدينة تم تفريغ الحمولة في حفرة عميقة، الكاسحة تهيل التراب على القبر الجماعي المعد سلفا، آلهة الأرض تتسلم القرابين،قبل ساعة كانت الكلاب تقتات على بقايا الطعام والجيفة، الراقي المتمرس في الرماية يراقب عن كثب عملية طمر الجثث، عملية الطمر لم تستغرق طويلا، الربوة استوت، العجلات الضخمة تسوي الأرض، يمضغ في صمت حبات الأسى والأسف، يستعيد في المخيلة اللقطة الأخيرة من مشهد الاحتضار، أدار مؤشر الساعة نحو الفضاء البعيد، مسح بنظرات ثاقبة الدور السكنية التي نبتت في جنح الظلام، الأزقة ضيقة يستحيل مرور سيارة، خلف الدور العشوائية ثمة مطارح للنفايات، ففي كل حي مطرح للنفايات، شاحنات جمع الأزبال تظهر وتختفي حسب الظروف، الساكنة تتعايش مع الأزبال التي تعد جزءا من المشهد العام، محرومة من الهواء النقي، القمامة هبة من الله تقوي المناعة وتزيد من معدلات الخصوبة، حشرجات بين نيران الكلمات وأجوبة لا تضاجع تجاويف الحقيقة وتكشف عن قافلة المهزومين ،فتيات يمشطن الشعر بفرشاة الأوساخ، أطفال يركلون صفائح معدنية بأرجل هشة، شيخ طاعن في السن يتأبط عكازه يمزق بطن كيس بلاستيكي اسود، أخر يدفع قطيعا من الغنم وسط النفايات، صور الجوع والفقر في الأحياء الشعبية متناسقة ومتناغمة ومتشابهة حد الجنون، صور الخراب والفوضى واللامبالاة تزحف نحو الأحياء المجهزة، المدينة مزبلة كبيرة.

أعاد تلقيم البندقية بحركات مدربة، يضع ركبة على الأرض وأخرى منتصبة، يدون على شهادة الطلقات نفوق الكلاب وتزايد أعدادها كل سنة، الشمس تطل من بين الهضاب في خجل، المآذن تصدح بابتهالات تدعو إلى الصلاة والتضرع إلى الله، أعطى الإشارة بانتهاء رحلة القنص، تنفس العمال الصعداء، تخلصوا من المعاطف البلاستيكية الفراء والقبعات المحدودبة والقفازات السميكة، الأزقة بدأت تعرف حركة رغم الجو الماطر، قعقعات عجلات العربات المجرورة تكسر السكون، الصور القاتمة تمشي أمامه، كلبة سوداء مزق أحشاؤها طلق مركز، تراكضت الجراء ووضعت خياشيمها في الحملات، سبعة جراء محكوم عليهم بالنفوق بسبب الجوع، قدرها ممدد على الأرض بدون حراك، ملامح الوجه تركها تتساقط في النفايات.

 يا الله اشنو غادي نديرو بهاد اليتامى

 خليهم في الزبالة حتى يموتو… ووفروا علينا القرطاس

يتمدد على السرير في عياء، الحمام الدافئ أعاد إليه شيئا من الحيوية لكن ذلك غير كافي، انغمس في عالم الأحلام السمج، في الدماغ تركض صور الدماء والنباح ،الطلقات تطن في الآذان بخشونة في ظلام الليل والبرودة، تدفق الصور في الجمجمة يشعره بالهلع، الهذيان الميتافيزيقي يكتسحه في مواجهة الضغط النفسي، يستحضر في المخيلة عشرات الآيات من الكتاب المقدس لتخفيف التوتر وإيجاد المبرر ، قتل الكلاب أشبه بعقد صفقة مع شيطان متعطش لافتراس ما هو جميل ، يتملكه رعب داخلي يتخطى حدود الزمان والمكان، مشاعر متضاربة من الاستياء والتأفف تأرجحه، يغوص في أسارير الندم و تصدح الآهات فوق الهضاب العابسة، ورحلة الخيال تقود إلى جحيم التأنيب والغضب المهيض والمر، تغزو السحب الداكنة المخيلة ، لكنه عبد مأمور والتعويضات سخية، تسحب من أكوام القمامات مئات الكلاب الضالة إلى غرف الإعدام بدون عاطفة، رفض عشرات المرات القيام بالمهمة الوقحة، الرئيس اختاره ليقوم بتطهير المدينة من الخطر الداهم، المصلحة العليا للمدينة تنادي لا يمكن أن تتخلف وتتخاذل، الراتب الشهري هزيل، التعويضات السخية تسيل اللعاب وتذيب التردد، يشعر بالأسى والأسف لانتزاع الأرواح من مخلوقات الله العاجزة، يسيئ إلى سر الخالق دون إدراك حقيقي لكنه الوجود والكائنات، في كل غزوة يمضغ نفس السؤال ولم يتوصل إلى جواب مقنع وشافي، لماذا الحكم بالإعدام على اضعف خلق الله من أعطاه هذا الحق….؟ ترتخي العضلات ويستسلم للنوم المضطرب، النوم والموت يعدان المشترك الجماعي بين الإنسان في جميع القارات، في النوم والموت تكمن أقصى درجات الغموض، انهما اللغز المحير مند الأزل.

لا جديد على مثن عربات قنص الأحلام، كل شيئ يدور حول الكلاب الضالة، الطلقات ترقص فوق أجساد النافقين، يغوص عميقا في حلم مضطرب محمولا فوق جحافل التنهدات، يتقلب يمنة ويسرة، يركل الغطاء بكلتا رجليه، الطلقة تخترق جسد الكلبة ذات دزينة جراء، تروي الأرض بالدماء حين انطفأت فجأة لحظات الولادة، الجراء ترضع الشهقات الأخيرة، الطفل يصرخ بكل قوة، كلب مسعور غرس الأنياب في الفخذ النضو، الدم يسيل بغزارة، رمى بالمحفظة جانبا وراح يصرخ، عشرات العيون تتفرج على التلميذ المضرج بالدماء، حملته سيارة الإسعاف إلى المستشفى، جاء الأب وناوله الطبيب وصفة دواء،أمره بالتوجه إلى مصلحة حفظ الصحة، فلا دواء للسعار في المستشفى ، مصلحة حفظ الصحة خالية من أمصال داء الكلب، لويس باستور أوجد لقاحا لوقف انتشار الفيروس المنتقل عبر عضات الكلاب لكن كان عليه إيجاد لقاح للإنسان الكلب الذي يتاجر في الأمصال، هكذا صرخ فرد من العائلة، الطفل المعضوض يتضور ألما، شاحب الوجه عيناه تسح دموعا، مرعوب، يرتجف، ارتفعت الصرخات واللعنات، الأب يلتقط البكاء المفجوع ويرسله إلى السماء بدون طابع بريدي طلبا للرحمة من قسوة الانتظار، مكاتب الإدارة تفرغ، الفرجة المجانية تستقطب الجماهير الغفيرة، نحن شعوب فرجوية تستلذ بأوجاع الآخرين وترسل القهقهات وكلمات الامتعاض على وضع من صنيعهم، رؤوس تتدلى من النوافذ تتابع فصول مشاهد متكررة، الطفل يصرخ في الدماغ والأب يسب ويشتم الموظفين المرتشين والإدارة الفاسدة، الشتائم تطفو فوق السحنات, الأب يرغي ويزبد يهدد ويتوعد، يرفع يداه راسما عملية الخنق في الهواء، موظف يوصد الباب والنوافذ، في وقت الغضب يتوقع كل شيئ، مرة احضر شاب والده المريض ليلا إلى المستشفى لتلقي العلاج، ظل يطوف على الحجرات ولا طبيب ولا ممرض، مئات المرضى يفترشون الأرض ينتظرون ملاك الرحمة، عاد الشاب غاضبا ووجد والده ميتا، حاول إيقاظه بدون نتيجة رفع السر إلى الخالق في رمشة عين، اجتاحه غضب مهيض ومر، رفع الكرسي وخبطه على الأرض بقوة تناثرت الأجزاء، هشم الزجاج ، خرب خزانات الأدوية والطاولات، فر المرضى إلى مناطق آمنة، المستشفى ساحة حرب حقيقية، حضرت السيارة الموشومة، بصعوبة تم تصفيد الشاب الغاضب، حين علموا السبب اخلي سبيله، بعد لحظة تقاطر المسؤولون على المرفق الصحي، الطبيب المداوم نائم في حجرة غير بعيد، بدل أن يحتج المرضى التزموا الصمت، الخوف يكبل الجماجم ينتظرون من يرفع العصا للدفاع عنهم أفصى درجات السلبية والانتهازية.

 شي عشرة بحال هاد الشاب... كون سبيطار ولا خدام

 فين هما هاد العشرة... كاين غير دجاج والفيران المرعوبين

تحضر سيارة الإسعاف ينقل الطفل إلى المستشفى من حي شعبي، انهال الشباب على الكلب بالحجارة، استمر الرشق بكثافة،سقط الحيوان المسعور على الأرض بدون حراك، امرأة طاعنة في إسداء النصائح، حملت سطلا مليئا بالماء وأفرغته على الجثة، تضاعف عدد الشباب المتفرج الذين أخرجتهم عاصفة المشاعر الغاضبة، صب شاب صفيحة بنزين على الجثة واضرم النار وراقبوها تحترق في شكل دائري، لم يبق من الكلب سوى كومة رماد، النار تقتل الفيروس وتقي من انتشار العدوى، أنياب الكلب تظهر في الفخذ غائرة، يخربش الطبيب على ورقة بيضاء، يوقع ويأمره بإحضار الدواء من مكتب حفظ الصحة، استفسر عن المكتب، دله حراس الأمن الخاص، هؤلاء الغرباء يتحكمون في مخارج ومداخل المرفق الصحي، كل شيئ يتم بمشورتهم وكله بثمن طبعا، لأول مرة في حياته يعرف أن دواء الكلاب يتواجد في مصلحة أخرى غير المستشفى والصيدليات، استقل طاكسي في توتر ظاهر وشديد، السائق يحاول التهدئة من روعه، يفرك كفا بكف ويستغفر الله في حنق شديد، فلذة الكبد في الخطر، لا احد يدري كيف سمي الأبناء فلذات الكبد، هل الأبناء فعلا قطعة من كبد الآباء أم أن الوصف اطلقه شاعر مرهف الإحساس عميق التفكير، فحين يكبر الأولاد يتغير المعنى ويصبح مرافقا للتذمر والنفور والتقريع اليومي، ترجل بعصبية واضحة، صفق الباب من ورائه، ركض إلى حيث المصلحة، اظهر الوصفة الطبية للموظف الكالح، تأسف، واردف قائلا ، المصل نفذ مند مدة والمجلس تقاعس في الشراء بسبب الصراعات السياسية، تتعالى الصرخات والشتائم.

 سير قلب على دوا شوف صحة ولدك أما هاد المؤسسة ماتت
 فين غادي نمشي
 سير لمدينة أخرى ولا جماعة قريبة تما دوا موجود

مستشار راقب المشهد عن كثب، تقدم نحوه وأخده في السيارة الخاصة إلى جماعة قريبة، العلاقات الاجتماعية لها مفعول خاص ،دفع ثمن المصل راضيا ، قبل راس المستشار الذي تعامل معه برقي وامطره بوابل من الدعوات، أوقف السيارة أمام باب المستشفى وودعه متمنيا الشفاء للطفل، المستشفى بناية فارغة من الداخل، العلاج معدوم والطب الخصوصي يفتح ذراعيه بقوة، والسماسرة يتقنون فن استدراج الضحايا.

تكررت مشاهد الاحتجاج على اختفاء دواء السعار، سجلت حالات في أحياء متفرقة، الساكنة مرعوبة، الشباب يتحركون متمنطقين بالعصي والهراوات، الضغط يزداد قوة وصلابة، جمعيات تدخل على الخط تطالب بقتل الكلاب الضالة التي تغزو المدينة النائحة من كثرة الخصاص، سلامة الصغار والكبار مهددة، اجتماعات مسترسلة في المكاتب المغلقة، لا دخان يتصاعد في الهواء، تراشقت الأغلبية والمعارضة بالتهم والخطابات النارية، الاجتماع على مرمى من النسف، هدأ الصراخ في الهزيع الأخير من الضربات على الطاولة، مصلحة المدينة في المقام الأول بدون مزايدات، تحويل الاعتماد المالي لم يمر بالسرعة المطلوبة في سماء مشحونة بالتنابز والضرب تحت الحزام، الديمقراطية العددية حسمت الأمر.

 المتضررين من عضات الكلاب رفعوا بالمجلس دعوى قضائية
 عندهم الحق... واش لمدينة كلها ولات كلاب
 لكلاب فيهم وفيهم
 بلا معاني

إيجاد الرصاص أسرع من إيجاد اللقاح، أسندت المهمة الخطيرة إلى الواقي، وحده يجيد التصويب وقطف الأهداف بدقة متناهية كما انه مصدر ثقة، ولن يتاجر في الرصاص ولا بونات البنزين، لا شيئ يبتسم على ضفاف الخلاص، انتقى الراقي كتيبة الإعدام، سائق شاحنة تطوع تلقائيا، أسالت اللعاب التعويضات السخية المقترحة من المكتب المسير لمؤسسة الشعب، اقتل اكبر عدد من الكلاب الضالة تنال أجرا مضاعفا، عمال حديثي العهد بالعمل سيعملون تحت عامل طاعن في العسف والشطط، في الصباح الباكر التقت الكتيبة، السماء تذرف دموعا مدرارة، ترجل الواقي من السيارة السوداء، السلاح يرتاح فوق الكتف، الطريق موحل وكومة القمامة محاصرة بسرب من الكلاب من مختلف الأحجام والأعمار والألوان، كلاب مرقطة، سوداء، بيضاء، تحشر خياشيمها في كومات القمامة، في انتظار نوبتها لخطف نصيب من الجيفة.

بدأ في العد واحد… اربعه… سبعة… احد عشر… لقم وأعاد التقليم، نباح وهوهات متشابكة ومتداخلة، تساقطت الأهداف الواحد تلو الأخر، ولا رصاصة أخطأت الهدف، ركضت الكلاب الخائفة تسابق الريح، شيع القطيع الهارب، المنظار يتساوى والهدف، كلب مرقط بالأسود والأبيض، ضغط على الزناد، ارتطم الخيشوم بالأرض، تدحرج عشرات المرات تحت زخات المطر، القوائم تركل الأرض الموحلة، عاد الهدوء ولا عواء في الجوار، الحفلة لم تنته، المدينة محج للكلاب الضالة والنفايات البشرية، على مقربة من المسلخ الجماعي، مخلفات الذبائح المرمية بدون اكتراث تملأ الجو برائحة كريهة، سرب من الكلاب يلتهم البقايا، ترتفع بين الفينة والأخرى الزمجرات، الهدر، تعلن عن صراع شرس على الجيفة، طاخ...طاخ...طاخ تساقطت عشرات الأهداف، كتيبة الإعدام تشعر بالسعادة والحبور يتسلق الجماجم، الشاحنة تمتلئ بالجثث، علق احد العمال مازحا، اغلب الكلاب سمينة وقوية لو سقطت في ايدي أولاد الحرام لبيعت في الشارع لأصحاب عربات المأكولات الجاهزة، أسياخ لحم متبل و حار بالفلفل السوداني يفتح الشهية ،نقانق ومرق لذيذ يقطر من الخبز، تعلو الضحكات بين العمال، الواقي ساهم يفكر في الجراء السبعة الذين يتيتموا، حكم عليهم بالنفوق،

يغيب عن العالم المحسوس جاثيا فوق أرخبيل التقزز، تسافر الذاكرة إلى الأعماق، عواء كثير يتناهى إلى المسامع يقترب شيئا فشيئا، ألقى نظرة خاطفة إلى الوراء، آلاف الكلاب تصدر أصواتا مخيفة، تفتر عن الخياشيم، تلمع أسنان حادة قادرة على قطع الحديد، يركض بكل قواه في اتجاه الفراغ، تسلق أول شجرة بصعوبة، نبضات القلب ترتفع، العرق يغسل الجسم، تنفس بعمق شديد، الشجرة محاصرة بأشرس الكلاب، ذات الأنياب الحادة، يشعر بالعياء والتعب، الغصن يطقطق، الكلاب تقفز تحاول الإمساك به، زمجرات، هدير، الغصن يطقطق، الأيدي تعرق، ترتجف، يسري التنمل في كامل الجسد، الشجرة تميد ذات المين وذات اليسار، الأعين اللامعة مشدودة إلى الجسم البشري المعلق في الشجرة الميتة واقفة في تحدي، تطقطق، تتفتت، تنشدخ إلى نصفين، تندفع إلى الأرض كركام الأحجار، قعقعة عالية تترد في الأرجاء، تهرب الكلاب مرعوبة، تنتشر في المساحات الكبيرة، فرت من نعش الانتظار، تستفيق مذعورا، نبضات القلب تتسارع، العرق يغسل الجسم رغم الجو البارد، تمتد اليد المرتعشة إلى قنينة الماء تفرغ نصفها في الجوف، انزلق إلى الدماغ في لحظة هلع قول احد المدافعين عن الحيوانات، حين تموت ستمشي الكلاب القتيلة في جنازتك وبدل قراءة الآيات القرانية، ستنبح، وتهر، ستلوي الذيول وتمشي في طوابير طويلة، ضحكت كثيرا على الخيال الجامح لحامي الكلاب الضالة من الانقراض والقتل العمد مع سبق الإصرار والتربص والاحتفال بإزهاق الأرواح.

تمتد اليد المدربة إلى البندقية ، تحشو الرصاصات بخفة ونشاط، تضغط على الزناد، البندقية لا تستجيب، تعيد الكرة عشرات المرات، تسحب الرصاصات من الماسورة خوفا من المفاجآت غير السارة، تسحب قارورة زيت خاص، تصب قطرات على مفاصل السلاح، الزناد يستجيب بسرعة، التشحيم ضروري لتسهيل عملية الانزلاق، تحشو البندقية بالرصاصات ، تلاحق قبرة في السماء، تستوي في مجال الرؤية، تتلاحم، تتمازج، تضغط على الزناد، طاخ , تسقط الرصاصة الفارغة على بعد متر ونصف المتر، القبرة تطوي جناحيها، تهوى بسرعة جنونية إلى الأرض أشبه بكرة.

 السلاح ضروري خصو يتزيت
 نسيتيه واقيلا
 يا ودي راه نسينا راسنا ما بقا غير سلاح

السيارة البيضاء تنهب الطريق المحرك يصدر صوتا أشبه بطيران النحلة علق احد العمال، الشاحنة المهترئة تنفث الدخان المر والكثيف كما العادة، شاحنة متهالكة تصاب بالأعطاب كل مرة، إصلاحها المتواصل يلتهم سنويا ملايين، كفيلة بشراء شاحنة جديدة، لكن المجلس المسير والمؤتمن على مصالح الناس يحتفظ بالمركبة المتقادمة ليفتح ثقبا في أموال الشعب المستباحة، السياسة في الوطن استثمار في شراء الذمم، كم فقير دخل معدما للحقل السياسي واصبح من أصحاب الملايين ، الكل يتهافت على تمثيل الشعب في المؤسسات الدستورية ليس حبا في الإصلاح والتغيير وخدمة الناس بل في نهب الخيرات وتحويلها إلى أرصدة بنكية وعقارات... غياب المراقبة القبلية والبعدية شجع على المزيد من الطامعين واللاهثين على المال القذر والوسخ.

كلب يعوي غير بعيد، يرقص على أطراف الجيفة، سكن محرك الشاحنة، نزلت كتيبة الإعدام، الواقي يلقم البندقية المطوية، يدس في الثقب الرصاصات الواحدة تلو الأخري، يفرد له مكانا متسويا،يلقي نظرة ثاقبة كما العادة على المحيط القريب والبعيد، ينطلق العيار الناري، تفتح القعقعة العالية في أنفاس النائمين والحالمين رجفات، حين مرت الطلقة من تحت الكتف ارتفعت الهمهمات، النظرات تلاحق الكلاب المهرولة من الموت إلى الموت، عمليات التناسل أثمرت دما وموتا سريعا، ألقى نظرة خاطفة على القتلى لا زالا ملتحمين، حين بقرت الرصاصة بطن الأنثى وتمرغت على الأرض حاول الذكر الهرب لكنه فشل، العضو ظل ملتصقا بمستودع الأسرار، الرصاصة الثانية أصابته في الرأس عوى مرة واحدة وخر هامدا بدون حراك، انتهت نزهة التناسل في رمشة عين.

 اللعنة ما خليتيهم حتى اكملو التناسل
 جا فيهم لبلان… كون خليناهم غادي افرخو

في الليل ينتفض رعبا، نفس الحلم الذي يشدخ المخيلة مند أسابيع، كلاب بالمئات تركض خلفه، اطلق أعيرة نارية في الهواء لإخافة القطيع الذي ازداد شراسة وإصرارا على افتراسه، تسلق الشجرة الميتة واقفة، يتصبب عرقا الأنفاس تكاد تقطع، ألقى نظرة من على الشجرة، آلاف الأعين الجاحظة والأنياب اللامعة، انزلقت فردة حذاء، التقفتها الأسنان الحادة، تمزقت إربا إربا، البندقية سقطت في الطريق لحظة الهرب الجنوني، ارتفع النباح والعواء استفاق متعرقا رغ الجو البارد.
مصاب بفوبيا الكلاب قال الطبيب النفساني الذي دفعته إليه الهلوسات والكوابيس الليلية، لم تسمع قط برهاب الكلاب، رهاب المرتفعات والقذارة ،الضجيج، الماء… النار، ابتلع عشرات المسكنات والمهدئات، الكابوس عالق في المخيلة يرفض الانزياح، طرق باب الدجالين والمشعوذين، امتلأت الرئة بالأبخرة والجيوب بالأحجبة المطلسمة، قراءة الآيات من الكتاب المقدس يهدئ من روعه، الكابوس المرعب حاضر في الدماغ، في الشارع، في المكاتب الذبقة ، نظرات الكلاب الشزراء تذكرة الموت المسافر على متن الرياح، سماع العواء يعيده إلى لجة ارتطام الرصاص، الجلوس في المقهى يفتح الجرح من جديد، القفاشات ترفع من درجات الرهاب، النوم لم يعد يزحف على حافة السرير، انقلب النشاط إلى تكاسل، البندقية المعلقة على الحائط تستدرجه بعنف إلى رحلة القتل، ترتعش الأوصال وتسري في الدماء قشعريرات، تأسف في الحوباء لكن ما نفع الأسف، أزهقت مئات الأرواح، تمر وجوه كتيبة الإعدام في الذاكرة يتثاقل غريب، تطلق الأحكام الاعتباطية في الجلسات المغلقة، ينشط التلفيق والإفك، التملق عملة مطلوبة في الإدارات، تملقوه كي يضمهم إلى كتيبة الإعدام، ليس حبا في تنظيف المدينة من الكلاب الضالة لكن حبا في التعويضات الدسمة،

 انت احسن قناص عرفناه
 خصك تشارك في مسابقة نتاع الرماية
 والله حتى تدي الجائزة
 واش انت كتقنص إبرة بعيدة بمائة متر ومتديش المسابقات

ثمة طعنات في الكلام المبرنق، المنافقون يتقنون مزج الألوان لقطف ثمار المصالح، المصلحة المحرك لكل شيئ في المدينة المغتصبة، يكفي أن تكون متملقا بارعا نبيها لتنال الرضا من حكام الزمان، الرجولة ماتت بموت عنترة بن شداد، لم يبق في الساحة سوى أشباه الرجال، كلنا يتلقى النفاق بصدر رحب، كلنا سلبيون وبدون قيمة، نتملق المرتزقة والشواذ وقطاع الطرق، هكذا صرخ احد العمال رفضته الكتيبة، لأنه صعب المراس كثير الخصام والتشكي والتقاعس في العمل.
الطبيب منعه من الخروج والاحتكاك بالناس، أسبوع من الراحة وبلع الأدوية، يمتنع عن سماع الراديو ومشاهدة التلفاز، ينهض من النوم إلى النوم الهلوسات تمطرق الدماغ تغزو المخيلة كتيبة أشباح تطوف على الجمجمة ، أحسام أدمية ورؤوس كلاب، الخوف يكبل الكلمات، يفرغ المتانة ويشعر بإحساس غريب، كمن يرسم خريطة جديده لعمره، كلمات الدجال المخترقة أربكت جميع الحسابات، انت مسكون بجني الكلاب، أخرس ضحكة مجلجلة وما لبث أن ضحك بصوت عالي، ارتبك الدجال امتدت يداه إلى كيس مليء بالبخور ، ألقى بحفنة في المجمر المزدهر بالنار، بدأ القراءة في كتاب مهلهل، الجمل والمفردات المتشدق بها الممزوجة بالغمغمات والهمهمات صعبة وملغزة، ليكون مقنعا وتنطلي اللعبة على الزبون الصعب الإرضاء والإقناع، حين فشل في بلوغ المراد، أمره بالعودة إلى جلسة أخرى بمطالب مستعصية، من أين سيحضر ريش الدجاجة اليتيمة، وكيف سيعرف أنها يتيمة حتى و إن وجدت، ضرورة إحضار دم السنونو الغريب، لتكون التعويذة فعالة، تقي من العيون الخبيثة والقوى الشريرة، ضحك من الدواخل وابتسم بمكر،في الطريق نحو البيت نظرات تدلق عليه حسرات الشفقة وتقضم الأدمغة،يرسلون إلى الله رسائل الاستغفار و مطالب الستر.

 لي ما خرج من الدنيا ما خرج من عقايبها

لم يخرج من الدنيا بعد يقترب من العقد الرابع، لا زال في ريعان التمني والحلم بالثروة والجاه والترقي الإداري ،موظفو الإدارة ينظرون إليه نظرات ارتياب، اصبح مجنونا في رمشة عين ، الوشوشات تضعه مع المرفوع عليهم القلم إلى يوم الدين، عامل الأمس الذي رفض الحاقة بكتيبة الإعدام يزيد الحطب لنار التشكيك، الفرصة مواتية لإلحاق الضرر بالآخر العاجز دمغيا عن صد الضربات والطلقات الطائشة، الكراهية الدفينة تستيقظ من تحت الجلد، الأحكام المسبقة تنام فوق الأعين والكلمات المكسورة تلقى عبر الأثير، مليئة بالتقريع الانشطاري، تتسلل قاسية إلى دهاليز الذات، صعب جدا ترويض الوحوش الداخلية للإنسان الحاقد والناقم المفعم بالعقد والمطبات النفسية، والمعاناة في الدنيا أمر لا مفر منه والكفاح من اجل حياة افضل

 بانت فيه العلامة بالزربة ... الله كبير

هناك الكثير من الوجوه العابسة، حين يسقط المسؤول يعري الناقمون عورته، ينهشون لحمه، توارى الأوفياء و حفنة المتملقين والطبالين ونهازي الفرص، زميلة العمل ارتجفت حين التقت النظرات، هي خائفة من الرجل الكلب أو الكلب الرجل الواقف أمامها جاحظ العيون، تخيلته يفغر فاه تظهر الأنياب الحادة، يأخذ وضع الانقضاض، تنغرز الأسنان في الجسم المتنمل، الشائعات المغرضة تخرج من قمقم التشفي تحلق في الفضاءات المغلقة والمفتوحة تنثر الهلع، وحده صديق العمر انفجر في الشامتين، شتم ولعن، اخرس تكشيرة الابتسامات الماكرة، اطفأ نيران الخبث المتوهجة، يجر الأرجل في الممرات مدثرا بالألم والوجع المزمن، للخروج من دوامة الرشق الصامت، اركب حصان اللامبالاة، للقبض على لحظات الهدوء الداخلي، نصيحة للضالعين في الارتباك لتبدد غيوم الضغط النفسي، يمشي بغير اتجاه بدون بوصلة، غريب في مدينة غريبة.

في الضريح المضاء ببعض الشموع، تمدد على الأرض المبلطة بالزليج الأخضر، احس بالراحة والطمأنينة، المقابر دائما هادئة، التفكير في الموت والحياة، يدفع الإنسان إلى التفكير بشكل مختلف، يرى بوضوح الحقيقة العارية، الحقيقة تحرر الآخر من أغلال متاهات العالم الغريب، شيئ جميل أن نرمق بتبصر وإدراك إلى حدودنا، افرد يديه فوق الأرض الباردة، السقف تطرزه شبكات العناكب، اجتاحته في لحظات السكون رغبة في حدوث أمر عظيم، التفاتة كاملة من الرعاية الالاهية، تمدد على الظهر، اغلق العيون، تنفس عميقا ، عبر جدران الصمت المطبق، حاول الإبحار بعيدا إلى جزر الصفاء، رسم في المخيلة مقدارا هائلا من العزم.

 وقت الشدة كتعرف قيمة الناس ومعندهم الاصلي

البندقية ترتاح على الحائط، سحبها وبدا في احتضانها بحنان، يشعر بالقوة و الطمأنينة، الحديد البارد يعيده إلى أيام النشاط، رأى سربا من الكلاب تنهش جثة حمار، الوليمة دسمة بمقاييس الهوهوات، سحب الرصاصات من جراب صغير معلق في الحزام ، تم حشو البندقية بسرعة، طقطقة مفصل السلاح له وقع خاص في الأذن،ضغط على الزناد وتساقطت الجثث، رائحة البارود تملا الفضاء، عم الهدوء ولاذ الكلام المبرنق إلى أعشاش الصمت، خمن أن البندقية زاد وزنها ليس طبيعيا بالمرة، فككها قطعة قطعة وأعاد تركيبها، يداه تعملان بحرفية وعقله يشغل بحماس، يتذكر التفاصيل الصغيرة والكبيرة، نفس الكابوس يعيده إلى نقطة الصفر، عشرات الكلاب الشرسة تطارده، تنزلق البندقية من على الكتف في الخلاء ، يركض بكل ما أوتي من قوة، يتسلق الشجرة الميتة وقوفا، الأغصان والجذور تطقطق بقوة، تخيل الشجر تنهار وتذروها الرياح، يندفع من الأعلى أشبه بكيس من الإسمنت إلى الأرض، يرتطم الرأس بجسد صلب، يستفيق مرعوبا، لأول مرة يسقط من السرير، الكابوس اللعين ارهق الدماغ، تأوه بشدة واطلق صافرة من الحنجرة, الزوجة ما تزال تغط في نوم عميق.

الأنفاس الدافئة تقترب منها و يقترب منها، ولا لقاء على مائدة الإفطار مند عشرة أيام، في مقهى شعبي يلتقي بأفراد الكتيبة، صحون البيصر المزيت بالزيت البلدي والمزدهر بالكمون والفلفل السوداني وكؤوس الشاي المنعنع تطير، يرمقهم يدخلون الأيدي في الصحون وتخرج محملة بلقم في حجم رؤوس القطط، صاحب المقهى الغليظ والمتورم الخدود، ينثر على المسامع قصصا عن ضحايا البيصر والتدافع على دورة المياه، وإطلاق الغازات المسيلة للضحك، المقهى الشعبي تستقبل مئات الزبناء من محبي وجبات البيصر خاصة في فصل الشتاء، البيصر يدفئ الجسم ويقوي الدماغ قال صاحب المقهى بل يصنع الدكاترة والنوابغ في جميع التخصصات كما هو الحال في مصر الشقيقة.

العمال يمضغون الطعام والقفاشات دفعة واحدة، يلتهمون البيصر بشهية بعيدا عن طاولات المنغصات، يتجشؤون بصوت مرتفع بلا تحفظات، لطفاء وحسنو المعشر، لا يتصنعون الاحترام، بل هم الاحترام، صرحاء حد الجرح، لا احد يغار من الأخر ولا يزاحمه بورد التزلف، الله حاضر في سمائهم الرحبة.

اغتسل بالماء البارد واحس بالانتعاش والرشاقة تدب في الأشلاء، رمق البندقية نظرة خاطفة، لا تزال هناك معلقة في الحائط تنتظر خبير القنص الذي يشارك سنويا في رياضة مطاردة الضباع، قنص للمتعة والتريض والالتقاء بالأصدقاء والاستمتاع بالهواء النقي، حين تبدأ مطاردة الضباع البرية من طرف الكلاب المدربة في تعقب الآثار بشم الروائح والمخلفات، يرتفع النباح يكسر هدوء الغابة، يمتزج صراخ البشر بنباح الكلاب، كشر في المرآة، ابتسم،الكوابيس اختفت دفعة واحدة من الدماغ، العقل الباطن افرغ مخزون التوتر والضغط اليومي أثناء النوم، ضمخ الوجه الحليق بعطر نفاذ، ارتدى ملابس العمل، المعطف الأصفر البارد، قفازات جلدية، حذاء يصل إلى الركبة، البندقية تتدلى على الكتف، ألقى نظرة على السرير الدافئ، الزوجة ما تزال تغط في النوم العميق، التمدد على السرير الناعم والتدثر بالأغطية تناديه، الساعة تشير إلى الرابعة صباحا وقت العمل يصرخ في المخيلة، صفق الباب ورائه، شيع السماء الملبدة بالغيوم الداكنة، غمغم بكلمات غير مفهومة وغاب في الظلمة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى