الثلاثاء ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٩
بقلم نوميديا جروفي

كتابات الأب يوسف جزراوي

الكتب التي لفتت نظري في اصدارات 2018 كانت مختلفة نوعا ما عن كلّ الكتب التي قرأتها سابقا، تعمّقت هذه المرّة في كتب تاريخية و إنسانية للأديب الأب يوسف جزراوي و استفدت منها كثيرا.

فمن خلال كتابه (ملحمة كلكامش) بالقراءة الجديدة للمعاني الإنسانية في الملحمة،يكتشف القارئ أنّ البطل الحقيقي هو إنكيدو و ليس كلكامش، إذ أنّ موت إنكيدو كشف الوجه الآخر لكلكامش في سعيه للبحث عن الخلود، فاكتشف لغز الحياة و حكمتها، و هو لم يُعن بالموت بل في ديمومة البقاء و هذا ما فعله في الأخير بعد عودته من غربته و سعيه و بحثه، فجاء بالدليل القاطع صانعا المحبة و السلام بين أبناء شعبه فمجّدته كلّ الأجيال.

و نتعمّق في مقالات الأب يوسف فنجد أنها مقالات تُعالج قضايا هامّة من الواقع المعاش و جوهرية في حياة الإنسان، فيها قضايا إنسانية نابعة من تفاصيل حياتنا اليومية، إذ هي تجليات لتساؤلات الذات و إشكاليات المجتمع، و تلك الأحاديث هي مرايا.

ففي كتاب (أحاديث قلم في مرايا الذات و المجتمع) يتحدث الأب يوسف عن مأساة عالمنا المادي المعاصر، إذ أنّ هناك نسبة من البشر باتت تنظر و لا ترى و قد تسمع و لا تُصغي. مشيرا إلى أنّنا في زمن ضيّع فيه الإنسان إنسانيته بسبب الدمار و الخراب الذي نراه يوميا ناهيك عن دماء قتل الإنسان أخاه الإنسان باسم الله. و هو كتاب يُجسّد أفكار عامة و عميقة و مرشدة لأبناء هذا الجيل و الأجيال القادمة.

و في كتاب (عروس الشرق.. بغداد) مناجاة و مكابدات و لواعج و حنين للوطن، يتحدث فيها عن الغربة من مستويات عديدة: غربة الجسد،غربة الروح،غربة الفكر،غربة الكلمة، فيُفجّر في القارئ أحاسيس عميقة مكنونة دون الإفصاح عنها. إنه السندباد المهاجر و النورس المغترب الباحث عن شمس تُشبه شمس بلده، فينزف قلمه شوقا بمناجاة تحمل في طياتها أوجاعا و آلاما و أنينا لا يسمعه إلا من يفهم تلك السيمفونية الحزينة.

و أخيرا رواية (أنين الوردة الجريحة) فيها معنى الوفاء و العهد، فعندما يصبح الصمت الموجع لغة، تنطق لغات كثيرة.إنها حكاية عهد لم تنته بموت أحد الأبطال.

قصة أو رواية جسّدت معنى المحبة الروحية و الصداقة الأبدية الخالدة و كيف استطاعت الانتصار على الحبّ الجسدي.

رواية فيها ثيّمة إنسانية تلمس العقل و الوجدان من درس يلمس الصميم عن المحبة و العهد و الوفاء الأبدي.

الأب يوسف جزراوي يخاطب قارئيه بقصص و حكايات روحية و اجتماعية و حياتية، البعض منها ثمرة تأمّله و فكره الشخصي و البعض الآخر قام بترجمتها من الإنكليزية.

كتابات لها عمقها الإنساني و التأملي و الإرشادي بمضمون يُعطي كلّ ما هو جوهري و سامي في حياة البشر، ساعيا لترسيخ بذرة المحبة و السلام في الحياة، تُشبه نوتة محبة تنير درب الكثير من شبان العصر، فالتأمل هو رفيق قلمه و الموسيقى رفيقة أفكاره.

علينا في الأخير أن ننشر الوعي بالكتب بشتى أنواعها و مواضيعها بين أبناء هذا الجيل، فتسود المحبة بينهم بدل الكراهية و الحقد و الطائفية بمختلف أنواعها، أن تعمّ البسمة و الفرحة بدل الدموع و الآلام، أن يسمعوا موسيقى البهجة بدل موسيقى الحزن و الفرا و الموت و أن نُغيّر نظرتهم للعالم بألوانه الزاهية بدل سواد الحداد الذي نشر عباءته في الكثير من بلداننا العربية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى