قراءة سريعة في كتاب لمحمود ممداني
قراءة سريعة في كتاب: «المسلم الصالح والمسلم الطالح.. أمريكا وصناعة الحرب الباردة وجذور الإرهاب»
المؤلف: الدكتور محمود ممداني.
الناشر: المركز القومي للترجمة/القاهرة ط1 2009
ترجمة: فخري لبيب
تقديم: حلمي شعراوي
فكرة الكتاب:
قدّم محمود ممداني* فكرة قوية مفادها: أن التمييز الشائع بين «المسلم الصالح» و«المسلم الطالح» ليس تمييزًا دينيًا أو ثقافيًا، بل تمييز سياسي صُنِع داخل سياقات الاستعمار والحرب الباردة. «المسلم الصالح» هو من يقبل بالهيمنة الغربية ويخضع لسياساتها، و«المسلم الطالح» هو من يُقاومها، وهذا التصنيف جرّد المسلمين من تاريخهم، وربطهم بالعنف، وشرّع بذلك الحروب الحديثة تحت شعار «الحرب على الإرهاب»..
ولا شك أن هذه الطروحات شاعت بكثرة بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2011
ينتقد الكاتب الأطروحات الغربية التي تتهم الإسلام بالعنف والتي تُرجع سلوك الشعوب إلى "ثقافتهم" بدل تاريخهم السياسي كقولهم: "العنف الإسلامي سببه الإسلام".. بينما يرى المؤلف أن العنف سببه الاستعمار الذي ولّد العنف، ومن حق الشعوب مقاومة المستعمر الذي احتلَّ بلده، ويتعرض في كتابه إلى الكثير من القضايا التي مورست ضد الشعوب في إفريقيا عندما استرقّتها أمريكا، وفي كثير من بؤر الصراع في العالم ولعله يكشف حقيقة جريئة بقوله: «لقد بُنيتْ أمريكا على حركتين بارزتين الأولى: إبادة السكان الأصليين، والثانية: استعباد واسترقاق البشر من إفريقيا»..
الكتاب طويل في أكثر من 350 صفحة، يستعرض المؤلف من خلاله سياسة أمريكا في القارة الإفريقية وهو الخبير بها، ثم يستعرض هيمنتها على أفغانستان والعراق ودعمها اللامحدود لدولة الكيان الصهيوني..
ممداني ونظرته للقضية الفلسطينية:
لم يخصص ممداني فصلًا خاصًا عن فلسطين كما فعل في أفغانستان والعراق، ولكن لم تغب فلسطين عن فكره في كل الفصول فهي الحاضرة دون عنوان..
وأهمَّ ما أبرزه في جميع فصول كتابه دور اللوبي الصهيوني في تخطيط السياسة الأمريكية وانحيازها بشكل دائم لدولة الاحتلال، وكثيرًا ما يفضح سياسة الكيل بمكيالين من قبل متنفذين أمريكيين مؤثرين في السياسة الأمريكية.. ولعله انتبه إلى دور اللوبي اليهودي في أمريكا، فأمريكا لا مالك لها إلا القوة المتنفذة التي تفرزها صناديق الانتخابات..
يقول: «إنَّ اللوبي الإسرائيلي عبارة عن شبكة فضفاضة لأفراد ومنظمات أشهرها إيباك»..
«وهذا اللوبي أكثر من كونه آلة تصويت أثنية تقليدية، إنه يهيمن على صانعي القرار وفي التعينات ولا سيما المراكز الحساسة والتي تخدم إسرائيل»..
«وعن تأثير هذا اللوبي الذي عيَّن في وزارة الدفاع ريتشارد بيرل ودوجلاس فيت وكيل وزارة الدفاع اللذان كتبا ورقة مشتركة قدماها لنتياهو ينصحانه أن يفسخ بطريقة محكمة عملية السلام»..
«وكتب فيت عام 1977 مقالًا دعا فيه إسرائيل إلى إعادة احتلال مناطق السلطة وحتى إن كان الثمن غاليًا»..
«ويبدو أنَّ نتنياهو مازال يستمع إلى نصائح صديقه فيت بل أصدقائه! فما زال يقوض السلطة الفلسطينية حتى يومنا هذا بالاستيلاء على الأراضي وحرق المزارع وإنشاء آلاف الحواجز!»..
ويفضح في كتابه بعض عناصر اللوبي من الأكاديميين الجامعيين وانحيازهم إلى القوة الغاشمة لإسرائيل يقول عن أحد عناصر اللوبي الصهيوني: «كتب ألان م دير شويتين أستاذ القانون في جامعة هارفاد في الجيروسالم بوست يقترح تدمير أي قرية فلسطينية انتقاماً لكل عمل فلسطيني من أعمال المقاومة»..
وإن كان ممداني قد كتب هذا الكتاب عام 2003، ففي عام 2024 و2025 تمَّ تدمير معظم قطاع غزة بالإضافة إلى عشرات القرى المخيمات في الضفة الغربية..
ويتابع ممداني في كشف حقيقة أمريكا وإسرائيل وداعميها في أكثر من موضع في جرأة قلَّ من يفعلها في ديارهم يقول: «إن إسرائيل تتحدى المجتمع الدولي باستمرار، ليس لأنها القوة العظمى الوحيدة، ولكن لأن القوة العظمى الدولية الوحيدة تدعمها، وفي الوقت نفسه فإنه من السهل داخل أمريكا أن تنتقد الحكومة من أن تنتقد إسرائيل»..
«إنَّ اليبراليين الأمريكيين يدعمون حقك في نقد أي دولة، ولكنهم يعتبرون نقدك لإسرائيل معاديًا للسامية»..
«إنَّ إسرائيل يجب أن تخضع للتدقيق نفسه الذي تخضع له أي دولة أخرى، إنَّ مدى الفظائع الإسرائيلية قد ازداد بعد الحادي عشر من سبتمبر وتمَّ تبرير ذلك في الإعلام الأمريكي كردِّ فعل لا بدَّ منه، وكمثال على ذلك جدار العزل الذي بنته إسرائيل بعد سبتمبر على نمط الأبارتهيد ومعتقلات النمط النازي»..
كثيرة هي الشواهد التي ذكرها ممداني في كتابه وقد دلت على أنَّ الرجل حرُّ وجريءٌ ويعرف تفاصيل الحياة الأمريكية وطرق الوصول إلى مواقع التأثير، كما يقف القارئ مبهورًا من دقة المعلومات الموثقة التي يذكرها، ومن الحوادث والشخصيات التي يتطرق لذكرها ولأدق التفاصيل في أفريقيا والعراق، وأفغانستان وفلسطين وغيرها..
ولعل وصول ابنه إلى منصب عمدة نيويورك ما هو إلا من مخرجات التربية والفكر التي آمن بها د. محمود ممداني الذي عرف كيف تُبنى السياسة في أمريكا؛ التي تقوم على قوة اللوبيات، ولولا اللوبي اليهودي لما طغت دولة الاحتلال ولا تجبرت، وربما لما كانت..
