فتاة طيبة
بقلم: آريا أبر
لم يكن النادي يُسمى "البنكر" حقًا، لكن هذا هو ما سأطلق عليه، لأننا عشناه هكذا: ملجأ من حرب حياتنا اليومية، مبنى حيث كانت تاريخ هذه المدينة وهذا البلد يتآكل تحت أقدامنا، حيث يمكن لأجسادنا أن تجول بحرية وتحلم. مكان مثل "البنكر" جذب مزيجًا متنوعًا من الشخصيات، وأعجبتني جميعهم. لكن ما أحببته أكثر كان الرجال الصلع الغريبون الذين لم يكن بإمكانك تصنيف انتماءاتهم السياسية أو أرصدة حساباتهم المصرفية أو تفضيلاتهم الجنسية. كانوا من ديترويت أو فرايبورغ أو دبلن؛ كانوا يتحدثون عن ريلكه ويشتركون معك في آخر قطرات الأمفيتامينات عند شروق الشمس. كانت عيونهم كبيرة ومليئة بالأسرار وملتهبة قليلاً مع نهاية الليل. كانوا أول من يصل وآخر من يغادر. كانوا دائمًا هنا، أولئك الذين يستخدمون الغرف المظلمة فعلاً. كنت تستطيع أن تميزهم من وجوههم المتجعدة، فهم محترفون في هذا المجال، في حياة مزدوجة تعيش في قلب المدينة المظلم، لأنهم ببساطة لم يهتموا بما يظنه الآخرون. لم يكن لديهم جمهور، ولا عرض: لا، هذه كانت حياتهم. ومع ذلك، كان هناك نوع من الرقة في تهورهم. لقد كانوا يحيون الحفلات منذ قبل ولادتي، منذ قبل أن يسقط الجدار. والأهم من ذلك، أنهم لم يحكموا عليك أبدًا، مهما كان نوع الأحمق الذي قد تكون قد أظهرت نفسك به.
لم يكن أي من أصدقائي هناك. ليس أنني كنت أملك الكثير منهم—لقد تركت فيليكس، صديقي الأول، بمجرد أن عدت من المدرسة، لأنني من الناحية التقنية لم يكن مسموحا بأن يكون لي صديق، وقد كان سيئًا في الفراش. وانتقلت ملاني إلى لندن لدراسة تصميم الأقمشة. الأشخاص الوحيدون الذين تبقوا هم آنا ورومي، اللتان درست معهما في المدرسة وانتقلتا إلى برلين من أجل الجامعة. في الآونة الأخيرة، كانتا تنصحانني بالتروي، لكنهما لم تفهما الشعور المتسارع في صدري، هذا القلب الذي يشبه سيارة سباق لا أستطيع إيقافه. وعدت آنا بأنها ستأتي إلى البانكر، لكن رسالتها النصية توقعت أن تصل بعد ساعة. لذا قمت بشم جرعة في الحمام مع هذه الفتاة الشقراء المبيضة، التي لن أراها مجددًا، ثم صعدت إلى الطابق العلوي إلى حلبة الرقص الأخرى، حيث كانت موسيقى الهاوس تنساب بسلاسة مع الإيقاعات الإلكترونية والعينات الصوتية العميقة. وقفت عند البار، آملاً أن لا تكشف وحدتي عن عدم أمنيتي. كنت ألعب بشعري، محاولًة أن أبدو متعجرفة وغير قابلة للوصول.
لقد لاحظت رائحته قبل أن أراه: الفلفل الوردي والدخان. كان يقف هناك، مارلو وودز، بطول ستة أقدام وثلاث بوصات، مرتديًا سترة جلدية متهالكة. كنت عادةً أحب من رجالي : الأشقر والصارم أو الداكن كالقطران، لكن مارلو لم يكن أيًا منهما، كان في مكان ما في المنتصف تمامًا، بفك مربع وذقن به غمازات، وأنف إمبراطور. شعر دهني يتساقط في موجات شبه أنثوية إلى ذقنه. حاولت أن أتمالك نفسي عندما وضع يده على كتفي، رغم أنني كنت على وشك الشعور بالغثيان من الافتتان. كان يمضغ العلكة، ولاحظت وشمًا صغيرًا لعنكبوت ينبض على جانب رقبته. وقف وظهره إلى الساقي، ومرفقيه متكئين على المنضدة. نظر إلي من الجانب بابتسامة ماكرة.
"مرحباً. أنا مارلو."
كان الجميع يعرف من هو: الكاتب الأمريكي الذي كان دائماً يحمل المخدرات. كان قد نشر كتاباً في أوائل العشرينات من عمره، وترجم إلى عدة لغات. كنت قد رأيت صورة له في تقرير بمجلة عن فناني برلين. رغم أنني لم أتذكر التفاصيل، إلا أنني لم أنس وجهه في تلك الصورة اللامعة. كان مفعماً بالرياح وجاداً، ويدخن سيجارة بين شفتيه. كانت الصورة وحدها قد سحرتني بطريقة غريبة؛ كانت عينيه الزرقاوتين تخترقان الصفحة بذكاء. كنت قد رأيته من قبل، في أحد النوادي على ضفاف الماء، حيث كانت الشمس تحول حلبة الرقص إلى شريط من الضوء وكان الصوت أكثر بهجة مما هو هنا. بالطبع، لم يلاحظني. كان أميراً يتحرك في الغرف وكأنها ملكه، محاطاً بمجموعة كبيرة من الأصدقاء، من بينهم صديقته الشقراء، التي على ما أذكر كانت دائماً ترتدي قميصاً من "سونك يوث".
"أنا نيلا."
صافحته، وكانت يده باردة ورطبة، وهو تصرف بدا لي رسميًا بشكل مفاجئ.
"بالمناسبة، فقدت هذه."
مدّ يده لي، وفي وميض الأضواء ، لاحظت ولاعة صغيرة رمادية.
"ليست لي."
"نعم، ربما سقطت من جيبك."
هززت رأسي، وضحك، وكانت ابتسامته كاشفة عن اسنان متباعدة وغمزات .
"حسنًا، أعتقد أنه يجب أن تحتفظي بها."
كانت أنفاسه دافئة على عنقي، وأدخل الولاعة في حقيبتي، شعرت بوخز صغير في قلبي.
"حسنًا،" قلت، غير قادرة على النظر إليه.
"هل لديك مخدرات؟
"هل يمكنني أن أشتري لك مشروبًا أولًا؟"
بعد عشرين دقيقة، دفعني بقوة داخل حجرة الحمام، وكل شيء مغطى بالقذارة والعرق. أطفأ سيجارته على الجدار بجانب وجهي، وكدت أميز رائحة الكبريت الخفيفة لشعر محترق.
قال: "معذرة، المكان ضيق جداً هنا".
وسط فوضى الملصقات والبطاقات، درست بقية ملامحه: ياقة قميصه الأخضر على شكل حرف V، والسلسلة الذهبية التي تحمل عملة تعكس الضوء. إذاً هذا هو، الرجل الجذاب من المجلة. مبتسمًا، نفخ في وجهي، وبدأت أحسب إلى أي مدى أنا مستعدة للذهاب مقابل جرعة، ولكن بعد أن أخرج علبة صغيرة من جيب سرواله، سألني فقط من أين أنا.
"برلين"، قلتها، وكانت الحقيقة. لكنه فعل الشيء الرهيب الذي كنت دائمًا أخشاه أن يفعله الناس – سأل مرة أخرى، سأل من أين أنا حقًا. ولأن رأسي كان كتلة مشوشة من السيروتونين، وفكي يتصرف كحصان دوار، أو ربما لأنني كنت خائفة حتى هنا، قلت: "والداي من اليونان"، وكانت كذبة، لكنها بدت كتفسير معقول لوجهي الداكن الملامح وأنفي المعقوف وخصلات شعري الجامحة. أحيانًا كنت أكذب وأقول إنني من كولومبيا؛ أحيانًا أخرى من إسبانيا أو إسرائيل. لم أكن أرغب في الحديث عما جلب والديّ من كابول، أو أن أخبره أنه ربما التقى عمي وهو يقود سيارة أجرة، جالسًا في المقعد الخلفي، يشعر بالأسى لذلك الرجل الأسمر المحطم أمامه بسبب كل ما اضطر لتركه خلفه. ولم أرد أن أقول إنني لم يكن مسموحًا لي حتى أن أكون هنا، وإن وجودي هنا كان سرًا قبيحًا وكبيرًا. الحقيقة لم يكن لي مكان هنا. وفي نهاية المطاف، كان من الأسهل في تسعة من أصل عشرة مواقف أن أكذب بدلاً من أن أشاهد الشفقة تشوه وجه أحد ما. لم أرد أن أكون موضع شفقة. بدا مهتمًا.
"اليونان"
قالها مرة أخرى، ثم مضيفا:
"مثير للاهتمام."
كان المسحوق رطبًا وقويًا، وعندما استنشقت الجرعة أحسست بحرقة حادة فتحت جيوب أنفي المسدودة، ونسيت الوخزة الخافتة التي خلفتها الكذبة.
"أفعل هذا فقط لأغراض البحث"
قلت ذلك وأنا أشهق بخفة، فضحك. كان إضحاك الرجال أمرًا في غاية السهولة، أسهل شيء يمكنني القيام به.أضفت:
"أكتب عنه ورقة بحثية للجامعة."
قال بصوت هادئ تتخلله رخوة لطيفة:
"أنا أمريكي. سأصدق أي شيء"
"أعرف."
"إذن، يجب أن أبتكر حقائق أخرى عن نفسي لأفاجئك."
قلت : "لماذا لغتك الألمانية جيدة هكذا؟"
"لأنني... كان لديّ صديقة. ووفوق ذلك درستها في المدرسة الثانوية."
"حقًا؟
احتفظت باللغة الألمانية التي تعلمتها في المدرسة الثانوية؟"
تجاهلت عمدًا الجزء المتعلق بالصديقة.
"وأمي كانت ألمانية، من الناحية الرسمية."
"من الناحية الرسمية."
حاولت أن أحسب في رأسي أن هذا الرجل لديه أم ألمانية — من أين كانت عائلتها، وأي نوع من الألمانية كانت تتحدث؟
"دوري الآن. لماذا لغتك الإنجليزية جيدة هكذا؟"
"مدرسة ثنائية اللغة," قلت، وتركته يصدق ما يشاء. كنت أعرف ماذا قد يظنني: شخص جاء من عائلة غنية. عندما أعدت له مخدره، بقيت يدي على يده لحظة أطول مما ينبغي. تبادلنا النظر، مشحونين بالإيقاع الفوضوي للهواء. أخذت النظارات الشمسية الحمراء المربعة من على رأسه ووضعتها على وجهي؛ كانت العدسات ملطخة ببقع غائمة. لمس التجويف بين عظام ترقوتي، فأغمضت عيني، مستسلمة لدفء اللحظة ولإيقاع موسيقى التكنو الخافتة القادمة من قاعة الرقص، تتخللها مقاطع من الإسبانية والألمانية في الأكشاك المجاورة.
قال:
"أنت جميلة جدًا"
بدأت أضحك وألقيت رأسي للخلف، لأنني لم أكن جميلة أبدًا. كان وجهي يبدو قويًا وملكيًا بسبب عظام وجنتي المرتفعة وعيني اللوزيتين، وربما كنت صغيرًة. لكنني كنت أعرف ما هو الجمال. لقد كنت أتمتع بصفات مختلفة، تلك التي أرادت أمي أن تنزعها مني وبصق عليها والدي. تلك الصفات التي يحبها الرجال. كان الجمال فضيلة مأساوية كثيراً ما يُساء استخدامها لأننا نخدع بها، لكنني كنت أتمتع بشيء أكثر قتامة، شيء أكثر قبحاً. مثل جوع متوتر للحياة، مثل صوت يقول لي إنني سأفعل أي شيء.
قال:
"في أمريكا نشكر المجاملات"
ثم انتزع النظارة الشمسية من وجهي.
ابتسمت قائلة :
"شكراً لك، سيدي".
* المقتطف التالي مقتبس من رواية "Good Girl" لأريا آبر. وُلدت آبر وترعرعت في ألمانيا وتعيش الآن في الولايات المتحدة. فازت مجموعتها الشعرية "Hard Damage" بجائزة "Prairie Schooner Book Prize" وجائزة "Whiting Award". كانت زميلة في برنامج "Wallace Stegner" في جامعة ستانفورد وطالبة دراسات عُليا في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، وظهرت كتاباتها في The New Yorker و New Republic و The Yale Review و Granta وغيرها من المنشورات. نشأت آبر وهي تتحدث الفارسية والألمانية، وتكتب باللغة الإنجليزية، وهي لغتها الثالثة.
الكاتبة : آريا آبر/ Aria Aber (مواليد 1991) هي شاعرة وكاتبة أمريكية من أصل أفغاني، نشأت آبر في ألمانيا، حيث ولدت لأبوين لاجئين أفغان. وتقيم الآن في لوس أنجلوس، كاليفورنيا. تشغل آبر حاليًا منصب أستاذة مساعدة في الكتابة الإبداعية بجامعة فيرمونت، وتقيم بين فيرمونت وبروكلين. لها كتابان : الأول ديوان شعر "أضرار جسيمة" عام 2019، والثاني روايتها التي صدرت هذا الشهر يناير 2025 تحت عنوان " فتاة طيبة / Good Girl" والتي ترجمنا هذا المقتطف .