طريق سفر
كانت منهمكة كعادتها... لا تعير بالا لما يجري حولها و كل تركيزها بأمر ما .... هناك الكثير من الدوامات في رأسها، كل هذا ما كانت عليه حالها عندما عاجلها بالدخول إلى غرفتها قائلا: لقد حان الوقت .. استعدي لم يعد أمامنا الكثير بقي على موعد إقلاع الطائرة أربع ساعات و يجب أن نكون بالمطار...
فأجابت و علامات التعجب ترتسم على وجهها حتى أصبحت تحملق مشدوهة كالبلهاء.. الان؟؟؟ هل سنرحل الان؟ هكذا و بدون إنذار... مهلا.. هناك الكثير الذي يجب أن أفعله قبل الرحيل... لماذا لم تخبرني مسبقا؟
كل هذه التساؤلات لم تجد جوابا سوى الإغراق في الصمت واستدارة نحو الباب تلتها خطوات واثقة....
لقد عبثت هذه الكلمات بكيانها فعلا.. و عاشت حالة من الغوغائية في لحظات... لم تعرف ما الذي يجري من حولها و حتى أنها لم تع بحق ما الذي جرى... لقد كان أشبه بكابوس فهو يعني أنها فقدت كل شيء هكذا بمنتهى البساطة... فقدت كيانها بمجرد خروج هذه الكلمات من فمه.... تمنت في لحظات لو أن لعنة السماء كلها تنزل فوقه و تحرقه حرقا... لكنها لم تنبس ببنت شفة... هي الأن تحاول من جديد أن تجد طريقة ما لتعلم احدا ما هناك أنها راحلة .. هكذا دون كلمة وداع ... دون ترتيب ... دون وجهة محددة...
في لحظات صارذلك الشخص بعيدا جدا... قاصيا جدا.... و بدا غريبا أيضا..... كانت في تشرين وكانت حمامتها البيضاء الجميلة تقف على نافذتها الصغيرة .. تلك الحمامة الجميلة رسولها الأول فقد كانت مغرمة ببعث الحمائم و إطلاقها في البعيد... تحملها كل الشوق و الحنين إلى حبيب بعيد... و على الرغم من أنها لم تتلق رسائلا بالمقابل إلا أن حمامتها كانت دوما تعود... عودتها تشعرها بالسعادة و كأن ذلك الحبيب يطلب منها المزيد...
مرهفة هي... و هكذا كانت تحس... لم تغضب يوما على حمامتها الجميلة و لم تتوان لحظة عن تحميلها رسائلها العبقة التي تنشقت الحمامة رائحتها الشذية ......
لكن في ذلك اليوم بدت تلك الحمامة على غير عادتها المتحفزة... بدت متعبة و مريضة... رمقتها بعينيها اللامعتين فما كان من ذلك المخلوق اللطيف إلا ان استعد للطيران من جديد... و لم يكن بوسعها هي في تلك اللحظة إلا أن تكتب رسالتها الأخيرة في محاولة أخيرة قبل السفر بعيدا....
طارت الحمامة المتعبة و حلفتها هي أن تعود سريعا..... و مضت و مضى الوقت سكاكين تقطعها....
باتت خطواتها ثقيلة و هي تجر نفسها جرا في محاولتها لمغادرة المنزل ولم تعد حمامتها بعد... هذه المرة لم تعد مطلقا حتى من دون رد فهي لم تعد....
جلست في الحافلة... و انطلقت إلى المطار.. تائهة خائفة و منتظرة.... تنتظر حمامتها الصغيرة لتعود لها من جديد محملة بأمل جديد.... وغابت هي و غابت تلك....
و منذ ذلك الوقت قطع الاتصال فما عدنا ندري هل وصلت الطائرة إلى وجهتها و هل رجعت الحمامة ؟ أم مازالا كليهما في طريق سفر...