الثلاثاء ٢٢ حزيران (يونيو) ٢٠٢١
بقلم أمينة شرادي

زينــــــــــة

كانت زينة تبهج الغرفة بلعبها وحركاتها التي لا تنتهي. ترمي دميتها الى أعلى حتى تكاد تلامس سقف الغرفة وتعود تسقط فوق رأسها وهي في غاية الفرح والسعادة.

كان أخوها الصغير يشاركها في اللعب. يرفع بدوره لعبا أخرى ويرميها أيضا الى أعلى ولما تسقط بسرعة يختبئ وراء أخته خوفا منها. فجأة سمع انفجار غير بعيد من البيت، تزعزعت أركان الغرفة الصغيرة ورمى الطفل الصغير بجسمه الطري بين أحضان أخته وهو يصرخ: أنا خائف. أنا خائف.

احتضنته أخته زينة واختبآ تحت السرير، وهمست له:

 لا تخف. ماما تقول لي دائما، لما تسمعي صوت الانفجار، اختبئي تحت السرير ولن يصيبك مكروه.

توشحت السماء باللون الأبيض من كثرة الانفجارات، أخذت زينة تسرق النظر من تحت السرير وتحاول أن ترمي بنظراتها المليئة بالخوف والانزعاج والفضول خارج النافذة التي ظلت مفتوحة، هل اختفى الانفجار أم مازال يستوطن سماءهم وأرضهم. بعد فترة من القصف المدمر عادت السماء الى لونها الطبيعي. كانت زينة ترغب في اللعب من جديد. والضحك من جديد. لان الحياة التي بداخلها كانت أقوى من كل الانفجارات. وقد تعودت عليها منذ كانت في المهد. حكت لها أمها، أنها يوم ولادتها، نزلت قرب البيت قنبلة وأحدث ثقبا كبيرا في الأرض حتى ظنت انها النهاية وستفتح الأرض وندفن تحتها.

عاد هدوء الليل الطبيعي، سكتت القنابل. صمت موشوم بالحذر والخوف. دخلت الغرفة امرأة، تلهث وتنادي على زينة وأخيها. سقطت ارضا من الفرح المنزوع من القنابل والانفجارات، لما رأتهما تحت السرير وبدون إصابات. لحظة احتضان توقف عندها الزمن، وأخرست كل القنابل التي كانت تستهدف حيهم. وعادت أدراجها وأخطأت الهدف.

عادت زينة للعبها، تنتصر للحياة وللطفولة. ترمي بدميتها، ولا تتركها تلامس الأرض.

وكان أخوها الصغير يدك أرض الغرفة دكا من كثرة الفرح بالنجاة وعودة الحياة للعبهم. بالقرب من بيتهم، بيوت أخرى تلتهب بالهرج والمرج وصياح الأطفال. طلت زينة من النافذة، رحلت تلك الظلمة الحالكة، كان صباحا ليس كل الصباحات. مشرقا بشمس ذهبية ترمي خيوطها بدون بخل وتلامس أجساد الصغار والكبار. دبت الحياة من جديد في حيهم. استيقظ كل الأطفال، فرحت زينة لما رأت صديقة لها تشاور لها من النافذة المقابلة لبيتهم. ٍأظهرت لها دميتها هي الأخرى، وبدأتا في رمي الدمى من جديد مع ضحك وابتهاج سيطر على كل الحي. بالجانب الآخر، امتلأت السطوح بأطفال آخرين، كأنهم ينتقمون لسنوات الحرب التي حرمتهم من طفولتهم. احتضنتهم أشعة الشمس وناموا بين نورها الوهاج واعتقدوا ككل أطفال العالم المعلقين بين السماء والأرض، أن الشمس أتت لتكون جدارا عاليا وشامخا يمنع عنهم كل انفجار وكل تدخل غاشم في حيهم.

في لحظة من الزمن، غبار كثيف استوطن المكان واستحالت معه الرؤيا. حل صمت رهيب وثقيل أثقل من ظلم الزمن والعباد والحكام. اختفت صديقة زينة من النافذة، اختفى صوت كل الأطفال الآخرين عم غبار قاتل احتل المكان. انهارت كل السطوح في ثانية. اختلط النور الوهاج بظلمة حالكة ولا ظلمة الكهوف. المرأة تنادي: زينة، زينة؟ أين ما وجدت زينة، يكون معها أخوها الصغير. كانت زينة تحت الأنقاض. ظهرت يدها تتحرك بصعوبة وتحاول أن تسمع صوتها لأمها. يدها مرفوعة فوق التراب المتراكم، اشرأبت بعنقها، تزيل كل الشوائب المتراكمة على وجهها، نظرت زينة الى يدها والابتسامة تزين ملامحها الطفولية، وكأنها شاشة كبيرة، رأت من خلالها لعب كل أطفال الحي، ورأت صديقتها تنادي عليها من النافذة. رأت أخوها الصغير يرمي بلعبه الى أعلى وتسقط فوق رأسه ويهرول وينادي عليها. ورأت مساحات شاسعة من الخضرة وشجر الزيتون ولعب الأطفال هنا وهناك بلعبهم المختلفة. ابتسمت زينة ونامت بين أحضان أمها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى