السبت ٨ شباط (فبراير) ٢٠٢٥
التحليل النفسي كأداة للسرد: كشف المستور في
بقلم حسن لمين

«على فراش فرويد» لنهلة كرم

تُعدُّ رواية "على فراش فرويد" للكاتبة المصرية نهلة كرم واحدة من الأعمال الجريئة التي تتناول موضوعات حساسة بأسلوب نفسي عميق. تطرح الرواية تساؤلات جوهرية حول الهوية الجنسية، والعلاقات الأسرية، والأثر النفسي للطفولة، مع توظيف جلسات التحليل النفسي كمحور سردي لفهم دوافع الشخصيات وصراعاتها الداخلية.

السرد والتحليل النفسي

تعتمد الكاتبة على تقنية السرد الذاتي من خلال شخصية نورا، التي تمتثل أمام محلل نفسي وتسرد ذكرياتها عن طفولتها وعلاقتها بأسرتها، مما يسمح للراوي بكشف الأعماق النفسية للشخصية عبر الاستبطان والتداعي الحر، وهو أسلوب يرتبط بوضوح بممارسات التحليل النفسي الفرويدي.

تتقاطع قصة نورا مع صديقتها مريم، التي تعيش تجربة حب مع رجل يكبرها بخمسة عشر عامًا وتمارس معه الجنس عبر الهاتف. تفتح هذه العلاقة بابًا لسؤال أعمق حول الحدود الفاصلة بين الرغبة والحب، وبين الحاجة العاطفية والانجذاب الجسدي، وهو ما يسلط الضوء على الأثر النفسي لعلاقات الطفولة والأسرة في تشكيل هذه الرغبات.

إحدى الرسائل النصية التي تلقتها نورا من مريم تعكس هذه العلاقة المتشابكة: "أوصلني حديثي معه إلى فراشه. وصلتني تلك الرسالة من مريم في وقت كانت يدي اليمنى لا تتوقف عن الكتابة" (صفحة 5)، وهنا يتضح جليا ذلك التداخل بين الفكر والجسد، وبين الرغبة والندم.

الجنس في الرواية: بين الجرأة والتوظيف الدرامي

تتناول الرواية الجنس ليس بوصفه مجرد تيمة مثيرة، وإنما كعنصر تحليلي لتفكيك العلاقات الإنسانية وتعقيداتها النفسية. تصف الكاتبة المشاهد الجنسية بلغة مباشرة، وهو ما قد يُعدُّ تجاوزًا للمألوف في السرد العربي التقليدي، لكن هذه الجرأة تخدم السياق السردي وتدفع القارئ للتأمل في الدوافع النفسية للشخصيات بدلًا من مجرد استهلاك النص كإثارة سطحية.

في أحد المشاهد الصادمة، تصف نورا تجربتها مع سماعها لأول مرة عن الختان: "حين حكت لي إحدى الفتيات عن الختان وضعت يدي على مكمني وأنا أصرخ" (صفحة 13). وهنا يتجلى الخوف العميق الذي يزرعه المجتمع في الفتيات منذ الصغر تجاه أجسادهن.

البنية السردية والتقنية الأسلوبية

يتخذ السرد طابعًا متقطعًا، حيث يتنقل بين الماضي والحاضر من خلال جلسات العلاج النفسي، مما يعكس طبيعة الذكريات المتشابكة والمضطربة في وعي الشخصيات. هذا الأسلوب يجعل النص أقرب إلى السرد السيكولوجي الذي يحاكي تداعي الأفكار كما يحدث في جلسات التحليل النفسي.

اللغة المستخدمة تتسم بالبساطة والوضوح، لكنها تحمل في طياتها شحنة عاطفية عالية تعكس التوتر النفسي العميق للشخصيات. كما أن توظيف الحوارات الداخلية يُضفي على النص بعدًا تأمليًا يعزز من فهم القارئ للمنظور النفسي للأحداث.

إحدى العبارات التي تعكس الصراع الداخلي للشخصيات تقولها نورا عن تربيتها المحافظة: "كنت مطالبة بـ 16 عامًا من التعامل الحذر مع الجنس الآخر واعتبار الكلام معه طابو" (صفحة 17). هذا الاعتراف يبرز الكبت الاجتماعي المفروض على النساء في المجتمعات المحافظة، وكيف ينعكس على وعيهن ونموهن العاطفي.
الرسالة النقدية والفكرية للرواية

تحاول نهلة كرم من خلال منجزها الروائي "على فراش فرويد" كسر الطابوهات المتعلقة بالجنس والتحليل النفسي، وتقديم قراءة جديدة لعلاقة الإنسان بماضيه، وتأثير الطفولة على قراراته العاطفية والجسدية. تسائل الرواية الموروثات الاجتماعية التي تكبح التعبير العاطفي والجنسي، وتبرز الحاجة لفهم أكثر انفتاحًا للعلاقات الإنسانية بعيدًا عن الأحكام الأخلاقية الجامدة.

أحد المشاهد التي تجسد هذا التمرد النفسي على القيود الاجتماعية يظهر في شخصية مريم، حيث يقول السرد عنها: "رغبت مريم في الانتقام من كل شيء، من إلهامي الذي تركها بعد أن علمها كيف تكون عاهرته" (صفحة 29). هذا الكلام يعكس الصراع النفسي الذي تعيشه الشخصية بين الحب والاستغلال، وبين الرغبة في الانتقام والرغبة في التحرر.
في سبيل الختام

تمثل رواية "على فراش فرويد" عملًا أدبيًا جريئًا يجمع بين الأدب النفسي والنقد الاجتماعي. وقد نجحت الكاتبة في تقديم رواية تتحدى المألوف وتفتح باب النقاش حول قضايا مسكوت عنها في المجتمعات العربية. ورغم أن جرأة الطرح قد تُقابل بالرفض من بعض القراء، إلا أن القيمة الحقيقية للرواية تكمن في قدرتها على تعرية النفس البشرية بواقعية وصراحة نادرتين في السرد العربي الحديث.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى