دماء الرقعة
في متاهات التشظي مثل بلورة مكسورة ، أسافر بين البيادق، كل منها عبارة عن قطعة من فكرة تائهة، حيث الهمسات جوفاء، والفرسان قطعان من الذكريات، والدروع صدى الرغبات غير المعلنة.
الزمن، ثعبان يلتف حول نفسه، يزحف عبر المربعات، أسود وأبيض، لكنه في الحقيقة ليس أياً منهما، فهنا اللون هو وهم محموم، والسماء المسائية مخيطة من أحلام المهندسين الذين لا ينامون.
الكلمات التي رقصت ذات وليمة على شفاه الشعراء العرب البرجوازيين الذين قبلوا بالفراغ، والذين تجرأوا على غمس أقلامهم في محبرة الظلام، ليجدوا أنفسهم مبتلعين بنظرة الهاوية السحيقة.
ينتصب الحصن القديم شامخًا، كقلعة من اليقينيات ، أحجاره حفنة من رميم عظام ضائعة، وملاطه غبار الإيمان المنهار.
ومع ذلك، فإن ظل الزعيم العربي هو الذي يلوح في الأفق، ليس كحاكم بل كدمية، دمية في يدي القدر، وقلادته هالة من الأشواك والدموع، ونياشينه وعود مكسورة.
عند الحد الفاصل، يتدفق نهر من الحبر، تحمل تياراته حطام الفكر - جمل غير مكتملة، واستعارات محطمة، ورماد أفكار كانت رائعة ذات تاريخ.
وهناك، طاف على هذا النهر، بيدق واحد لا يتحرك، يحدق في الهاوية الممتدة إلى ما وراء الحواف، نظرته سؤال، وصمته صرخة. ولكن لا جواب يتردد، فقط ضحكة الفراغ القاسي واللانهائي.
تتحرك البيادق، ولكن ليس بأيدي الرجال، ولا بأهواء الآلهة، ولكن بنسمة الأحلام - تلك الهبَّات الروحانية التي ترفع غبار الأفكار وتنشرها عبر الرقعة الوجودية.
تتم الحركة - يقفز الفارس في دوامة من الجنون، ويهبط في زاوية يتقارب فيها الزمان والمكان،
وحيث يركع المنطق، ويصبح الهواء مذاقه صدأً.
في الخلفية، القمر، العين التي ترى كل شيء، تراقب اللعبة تتكشف، ضوءه يلقي بظلال طويلة حادة،
تقسم الرقعة إلى مليون شظية، كل منها واقع مواز، وكل منها جزء من كل محطم.
اللعبة لا نهاية لها، واللاعبون غير مرئيين، وتحركاتهم خلف الخريطة تحددها نزوات الكون الذي لا يبالي بالعقل، الكون الذي يسخر من فكرة البداية أو النهاية، الذي يسخر من مفهوم النصر، لأنه في هذه اللعبة لا يوجد فائزون، فقط كراكيز تتحرك حتى تجبر على التوقف عن الحركة.
وهكذا يظل المشهد أفقا من الشفق الأرجواني الدائم، حيث تغرب الشمس في الشرق، وتشرق من قلب الهاوية، وحيث النجوم ليست بقع ضوء، بل دموع الآلهة المنسيّة، وحيث تحمل الريح همسات أولئك الذين تجرأوا على الحلم فاستهلكتهم أحلامهم.
يسقط الزعيم العربي، لكن سقوطه هو البداية وليس النهاية، ففي هذا العالم الدورة أبدية، والقطع التي تنهار الواحدة تلو الأخرى تولد من جديد فقط، وتخرج من رماد تدميرها الذاتي.
منتصب القامة.. أقف في بطن الحافة، متفرجًا على هذا الرقص الكوني، وشاهدًا على القدر والفوضى، وأتساءل - أين أجد نفسي في هذا التصميم المجنون؟ هل أنا عقل اللاعب، أم مجرد كراكوز؟ أو ربما أنا المشهد نفسه، المسرح الذي تتكشف فيه هذه الدراما الدموية، والذي يرسم عليه جنون الكون.
لكن هذه أفكار عابرة، ضائعة في دوامة الدم والدم والدم، في مد وجزر اللعبة، في الرقص الذي لا نهاية له للكراكيز، ولم يتبق لي سوى صدى كلمة بعيدة، وصوت حلم ينكسر على ضفة الحياة اليقظة.
هكذا أبتعد، لكن المشهد يبقى، لغزًا ملفوفًا بالظلال، لغزًا بلا حل، لغزًا همست به الرياح -منذ أن جاء الهمج.. رقعة من الأحلام المشوهة، حيث اللعبة أبدية، والنتيجة لا تزال غير معروفة إلى الأبد.