الجمعة ٦ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧

خالد تاجا.. رجل الأدوار المركبة

دمشق: هشام عدرة - عن الشرق الأوسط

انطلق كأبناء جيله في خمسينيات وستينيات القرن الماضي من المسرح ليستقر في التلفزيون مع نشاط لا بأس به في السينما، وذلك بما ينسجم مع حركة الأفلام السينمائية في سوريا، حيث ينحصر الانتاج في المؤسسة العامة للسينما. وحسب العديد من المهتمين والمتابعين لمسيرته الفنية فإنهم يعتبرونه فنانا شاملا باتجاهين، فهو يجيد تأدية جميع الأدوار الصعبة والمركبة وكذلك العادية، فنجح في تقديم الشخصيات الكوميدية والاجتماعية المعاصرة في مسلسلات كثيرة، كان فيها الرجل القوي والأب القاسي والمسؤول الكبير الذي رغم نظافة يده تتغلب عاطفة الأبوة على شخصيته العملية ليفسد ابنه عليه المسؤولية والحياة، كما شاهده المتفرج العربي في آخر مسلسل له وهو «غزلان في غابة الذئاب»، كما لا يزال المشاهد يتذكره في يوميات مدير عام، حيث الدور الكوميدي الساخر، وفي مسلسلات أخرى أدى بإتقان إلى حد الدهشة الكوميديا السوداء.. إنه فنان سورية الشامل خالد تاجا.

وعلى الرغم من أنه يعشق تقديم الأدوار السوداوية فهو كما قال لـ«الشرق الأوسط» يحب الأعمال الكوميدية ولكن (الكوميدية السوداء) كما هو حال دوره في مسلسل (أيام الولدنة) والذي كان اسمه أثناء تصويره قبل سنتين (بين الأرض والسماء) ولكن بسبب خلاف بين المخرج مأمون البني من جهة والكاتب حكم البابا والجهة المنتجة من جانب آخر تم تغيير الاسم مع إجراء (عمليات قيصرية) له كما قال تاجا، فجاء مشوها، ولذلك لم يرض عنه بعد عرضه قبل أشهر قليلة على بعض الفضائيات العربية، في حين أنه كان راضيا عن دوره والذي قال عنه انه دور دونكيشوتي كما أنه راض عن أداء الشاب (الرائع) الذي عمل معه ويقصد الفنان أندريه سكاف، الذي يقول عنه انه ممثل موهوب وقد سعدت بالعمل معه، «المهم هنا أنني راض عن دوري ولكن لم أرض عن العمل بعد تقزيمه، وكان يمكن أن يكون أفضل لو أعطي فرصة أفضل ولكن بشكل عام فمسلسل أيام الولدنة يحمل أفكارا مهمة».

وكما أجاد تاجا في الأدوار الكوميدية والاجتماعية أجاد بتقديم الشخصيات التاريخية، حتى أن الشاعر الفلسطيني المعروف محمود درويش عندما شاهده يؤدي دوره في مسلسل الزير سالم لقب خالد تاجا بـ«أنطوني كوين العرب» وعندما سئل عن رأيه بهذا اللقب وهل أعجبه، قال: هذا شرف كبير أن أحمل تشبيها بأنطوني كوين على الرغم من أن أنطوني كوين لا يشبهه أحد، وأنا لا أحد يشبهني، فكل واحد له عالمه.

وما زال المشاهد العربي أيضا يتذكر عشرات الأدوار التاريخية التي قدمها تاجا وكان آخرها دوره المميز في «ملوك الطوائف»، حيث قدم شخصية مبتكرة كشبيه للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.

وكذلك في رصيد تاجا أدوار تاريخية تعود للعصر الحديث تفوق في أدائها ونالت إعجاب الكثيرين وخاصة دوره في مسلسل التغريبة الفلسطينية، الذي تحدث عنه المتابعون بأنه جسد فيه تاريخ القضية الفلسطينية، وكذلك دوره في مسلسل أخوة التراب ونهاية رجل شجاع وأيام الغضب وهجرة القلوب إلى القلوب وشام شريف وغيرها الكثير الكثير. وحول الجديد لديه الذي يصوره للموسم الحالي قال خالد تاجا لـ«الشرق الأوسط» أصور حاليا دوري في مسلسل وصمة عار، وهو من التاريخ المعاصر للمخرج ناجي طعمة، حيث أقدم فيه شخصية (يعرب) رجل لديه تاريخ نضالي طويل ضد الاستعمار والأفكار التي تشوش على عالمنا العربي، وبعد أن ينهي يعرب خدمته العسكرية يدرس الحقوق ويحصل على شهادة الدكتوراه في المحاماة ويذهب إلى فرنسا ليدافع أمام المحاكم الفرنسية عن مسيرة (الطاهر الزواوي) وبالفعل يكسب الدعوة على الفرنسيين ولكنه في النتيجة يتعرض لحملة مغرضة وتهم باطلة تتابعه حتى آخر لحظة من حياته حيث يحاولون التشهير به وبسمعته فالشخصية لديها خط من المعاناة وخط من الدفاع عن النفس الطاهرة الشريفة. وهي من المفروض أن لا تكون بموقع الدفاع عن النفس ولكن تحاك لها التهم الباطلة. كذلك في التلفزيون لدي مسلسل مع المخرج المثنى صبح وهو (على حافة الهاوية) دور لطيف جدا، حيث أقدم فيه شخصية متفائلة وغير سوداوية رغم أن حالة الشخصية الصحية سيئة جدا وقريبة من الموت ولكنها تتغلب على الموت بشجاعة وبالفكر النظيف واسم الشخصية (وسيم) حيث هو رجل لديه الكثير من الأحلام ولكن لم تتحقق ومع ذلك يبقى متفائلا. كذلك من الأدوار الهامة والرئيسية التي صورتها أخيرا ـ يضيف تاجا ـ هناك مسلسل (حصرم شامي) للمخرج سيف الدين سبيعي، وهو دور ينتمي للكوميديا السوداء حيث أقدم شخصية إنسان مسحوق يعيش تحت الصفر، شخصية مهزوزة عرضة للسخرية ولكن فجأة يتحول إلى بطل ولسخريات القدر أنه عندما يصبح بطلا يموت بسبب بطولته. وعن السر وراء تميز خالد تاجا في الأدوار التلفزيونية بمختلف أشكالها وتهافت المخرجين على التعاقد معه في مسلسلات كثيرة، حيث نشاهده في الموسم الواحد في ستة أو سبعة مسلسلات تلفزيونية فيجيب ضاحكا: أنا لا أرشي أحدا. وليس كل المخرجين أصدقائي فهناك 2 ـ 3 فقط منهم أصدقاء لي، ولكن يبدو السبب يعود لخبرة السنين وما تركت السنوات على وجهي من آثار والإمكانات هنا. أنا أفهم أن الممثل إما أن يكون ممثلا أو لا، فأنا لا أحب أبدا (الممثل النمطي) باستثناء (شارلي شابلن) فهو كان لديه مشروع، وكذلك دريد لحام (غوار) فهو لديه مشروع أيضا، فهاتان الشخصيتان الفنيتان قدمتا مشاريع لشخصيات مسحوقة واستطاعتا أن يحققوا إنجازات كبيرة وأشياء مهمة، فأنا مؤمن بنمطيتيهما لانهما أصحاب مشاريع فنية. أما من أراد أن يقدم شخصية نمطية فقد فشل، وأنا أحاول بكل ما أوتيت من تجربة من الحياة ومن التمثيل أن أكون صادقا وأحاول أن أبحث بين سطور الشخصية في وصفها السيكولوجي، فالشخصية ليس لها بعد واحد إنما عدة أبعاد، وأنا من الممثلين المؤمنين دائما بالنظرة الأولى، والقراءة الأولى أقرأ الشخصية وأعمل عليها كثيرا حتى أقدمها بصدق ـ وهذا قد يكون سببا رئيسيا لإجادتي تقديم جميع الأدوار.

وكما تألق خالد تاجا بالتلفزيون فهو تألق في السينما وقدم أكثر من عشرين فيلما سينمائيا، منها: «سائق الشاحنة» و«أيام في لندن» و«الفهد» و«اللقاء الأخير» وغيرها. وحول جديده في السينما قال «صورت أخيرا فيلما سينمائيا جديدا وهو «المهد» للمخرج محمد ملص وهو من إنتاج شركة الريف في دبي، والفيلم تاريخي يتحدث عن مملكة كندة التي كانت على تخوم الحبشة، حيث أقدم في الفيلم شخصية «ملك كندة» الذي يوقع معاهدة تفرض عليه. لكن الجيش القوي القادر الذي ابتلع كل القبائل العربية والمطبوع بالغزو لا يؤمن بالمعاهدات والصداقات، فبعد أن ينتهي من غزو القبائل العربية حاول غزو من كانت معه معاهدات «وهذا الفيلم له إسقاطات معاصرة». وكذلك في السينما صورت دور البطولة أخيرا في فيلم اسمه «نصف ميليغرام من النيكوتين» وهو من تأليف وإخراج شاب جديد اعتبر أننا اكتشفناه كمخرج موهوب وهو «محمد عبد العزيز». والفيلم روائي طويل دوري فيه ينتمي إلى أسلوب الكوميديا السوداء الذي أحبه، حيث أقدم شخصية سائق تاكسي عمومي متزوج ولم يحصل له إنجاب وبعد معركة طويلة مع الإنجاب يتضح له أن السبب منه، حيث لديه عقم ولكن يفاجأ أن زوجته حامل وتنجب له ولدا، فيعتبر أنها خائنة مع صديق له فيرتكب جريمة قتل ويقتلها ويدخل السجن وبعد فترة طويلة في السجن يخرج ويحاول أن يقتل نفسه وأن ينتحر، حيث يتحمل معاناة كبيرة.

وعلى صعيد المسرح الذي انطلق منه تاجا، كما يقول «كان المسرح سيد الفنون في دمشق ولم ينطلق منه ممثل فقط بل وكاتب، فهو انطلق في عام 1957 مع فرقة المسرح الحر الدمشقي لمؤسسها توفيق العطري ومن ثم تعاقد مع المسرح العسكري لخمس سنوات ومن المسرح قدم عشرات الأعمال المسرحية منها: «مرتي قمر صناعي»، «آه من حماتي»، «حرامي عقب عنه»، «بيت للإيجار»، «حتى آخر الليل»، «الطلقة الأخيرة»، «في انتظار عبد الفتاح» وغيرها الكثير، كما ألف للمسرح نصوصا مسرحية منها الطفر «كنز لا يفنى»، «بالناقص زلمه»، وغيرها.

وعن سبب ابتعاده عن المسرح وهل يمكن أن يعود إليه إذا عرض عليه نص مسرحي يلبي شروطه قال: أنا بدأت بالمسرح قبل أن يكون التلفزيون وكان عمري 17 سنة، ولكن عندما ظهر التلفزيون حصل للمسرح كما حصل له عندما ظهرت السينما، فالتلفزيون أجهز على كثير من عناصر المسرح، وحاليا المسرح يسير بالإعانات في كل دول العالم، حيث يتلقى مساعدات، والجمهور لا يستطيع أن يدفع ثمن التذكرة المرتفعة (إلا في أوروبا، فالتذكرة ليست مشكلة)، وبغض النظر، سواء كانت مرتفعة الثمن أو رخيصة فمشكلتنا في سورية بشكل خاص، أنه منذ أن بدأ يكون لدينا (تقليد مسرحي) بحيث تذهب العائلة لتحضر المسرح بشكل عائلي، ظهر التلفزيون وانسلخ الممثلون والمخرجون الموهوبون عن المسرح وغادروا إلى التلفزيون، حيث أعطاهم التلفزيون مالا وحقق لهم انتشارا أوسع فاضطروا للحاق بمصلحتهم الخاصة. واضاف: أنا أؤمن أن المكان الطبيعي للمثل هو المسرح فما يفعله الفنان على المسرح لا يستطيع فعله أمام التلفزيون أو السينما، فالمسرح يحقق اتصالا وجدانيا مباشرا بين المتلقي والفنان بعكس التلفزيون والسينما. وبالنسبة لي أتمنى أن أقدم عملا مسرحيا، فالجمهور الحالي لم يشاهدني ويعرفني على المسرح، وأؤكد أن ما قدمته في التلفزيون أو السينما هو جزء بسيط من إمكانات خالد تاجا الفنية، وأتمنى لو أستطيع حاليا أن أصعد إلى المسرح بالشكل اللائق الذي أطمح إليه وأقدم للجمهور إمكاناتي الكامنة بداخلي التي لم أخرجها جميعها حتى الآن. وتابع «أنا مثلا أحب أن أقدم شخصية الملك لير على المسرح أو أن أقدم (مينودراما) لوحدي أو مع شخص آخر، مثلا أحد الشباب الموهوبين من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية الذين أفتخر بهم، حيث قدم هذا المعهد نماذج من الفنانين الرائعين الذين يمكن أن نقول للعالم وللجميع ان أصبح لدينا في هذه الأيام ممثلون مهمون، (قصي خولي) فهو شاب رائع موهوب جدا.

ويؤكد خالد تاجا أنه طالما لا يزال حي فهو سيظل يعمل ويتمنى أن تبقى صحته جيدة ليظل عمله يسير بوتيرة مرتفعة، خاصة أنه ما زال لديه الكثير الكثير ليقدمه في التلفزيون أو السينما، وهو برأيه أن الإنسان لا يقاس بعمره أو بسنه، بل بانفتاحه وتجاربه ولذلك فهو يشعر أن عقله وقلبه منفتحان على كل التجارب وأن لديه استعدادا لاستقبال ما بعد 200 عام من العام الذي يعيشه.

دمشق: هشام عدرة - عن الشرق الأوسط

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى