الأربعاء ٨ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
اعترافاً بريادتها..

جائزة سنوية باسم نازك الملائكة

شيرين صبحي - عن محيط

أقام المجلس الأعلى الثقافى المصرى بأمانة الدكتور على أبو شادي، حفلٌ توديعيٌّ حاشد للشاعرة الكبيرة الراحلة نازك الملائكة ، وحضر الاحتفالية نجلُ الملائكة الوحيد الدكتور البرّاق محمد محبوبة الأستاذ بالجامعة الأمريكية الذى أشار إلى أن هذا التأبين رفيع المستوى قد خفف كثيرا من وجع الأسرة قبل أن يقرأ شيئا من سيرة الملائكة الإنسانية والأدبية.

أكد أحمد عبد المعطى حجازى فى كلمته التالية أن تقصيرَ مصرَ فى حـــق الملائكة لا يُمكن الاعتذار عنه أو محاولة البحث له عن تبرير.
ونقلت صحيفة "العرب" قول حجازي أن نازك عاشت فى مصر خمسة عشرة عاما دون أن تنال حقها الطبيعى المشروع كشاعرة رائدة رفيعة الشأن سامقة القامة، فهل كنا ننتظر موتها لكى نحتفل بها؟! وأكد على أن الملائكة لم تكن مجرد شاعرة كبيرة، فالشواعر الكبيرات كثيرات، لكن الشعر بالنسبة لها كان قضية حياة وليس فنًّا تمارسه. لم توغل الملائكة فى الحياة بقدر ما كانت تسعى إلى حياة أجمل وأرقى وأنبل، وكان ذلك بالشعر.

ثم أعلن أن وزير الثقافة المصري الفنان فاروق حسني، قد رحّب بالاقتراح الذى قدمته الروائية سلوى بكر بأن تنطلق من القاهرة جائزةٌ شعرية تحمل اسم نازك الملائكة وتُخصص للشاعرات العرب.

وقال فاروق شوشة الذي ترأس الأمسية إن فكرة الاحتفال بادر بها أحمد عبدالمعطي حجازي تأكيداً لمكانة نازك الملائكة ورد اعتبار لها بعدما عُقد مؤتمر دولي للشعر العربي وهي معنا وبيننا ولكن لم يذكر أحد اسمها سواء كمرشحة للجائزة أو ضمن الدراسات النقدية مع انها شاعرة رائدة ومجددة، وأضاف: "ليس أجدر من القاهرة بالاحتفال بالشاعرة المصرية الهوى والقاهرية الوجدان".

ميلادها

ولدت نازك صادق الملائكة في بغداد يوم 23أغسطس 1923م في أسرة تحتفي بالثقافة والشعر فكانت أمها تنشر الشعر في المجلات والصحف العراقية باسم أدبي هو " أم نزار الملائكة" أما أبوها صادق الملائكة فترك مؤلفات أهمها موسوعة (دائرة معارف الناس) في عشرين مجلدا.

درست الملائكة اللغة العربية في دار المعلمين العالية وتخرجت فيها عام 1944م كما درست الموسيقى بمعهد الفنون الجميلة، لم تتوقف في دراستها الأدبية والفنية إلى هذا الحد إذ درست اللغة اللاتينية في جامعة برستن في الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك درست اللغة الفرنسية والإنجليزية وأتقنت الأخيرة وترجمت بعض الأعمال الأدبية عنها، وفي عام 1959 عادت إلى بغداد بعد أن قضت عدة سنوات في أمريكا لتتجه إلى انشغالاتها الأدبية في مجالي الشعر والنقد، والتحقت عام 1954 بالبعثة العراقية إلى جامعة وسكونسن لدراسة الأدب المقارن، وقد ساعدتها دراستها هذه المرة للاطلاع على اخصب الآداب العالمية، فإضافة لتمرسها بالآداب الإنجليزية والفرنسية فقد اطلعت على الأدب الألماني والإيطالي والروسي والصيني والهندي.
عملت سنين طويلة في التدريس في جامعة بغداد ، وجامعة البصرة ثم جامعة الكويت ، وقضت سنواتها الاخيرة في القاهرة.

والملائكة لقب أطلقه على عائلة الشاعرة بعض الجيران بسبب ما كان يسود البيت من هدوء ثم انتشر اللقب وشاع وحملته الأجيال التالية.

رائدة الشعر الحر

تعد الملائكة من أبرز رواد الشعر العربي الحديث الذين تمردوا على الشعر العمودي التقليدي وجددوا في شكل القصيدة حيث كتبوا شعر التفعيلة متخلين عن القافية لأول مرة في تاريخ الشعر العربي.

ويعتقد الكثيرون أن نازك الملائكة هي أول من كتبت الشعر الحر في عام 1947 ويعتبر البعض قصيدتها المسماه "الكوليرا" من أوائل الشعر الحر في الأدب العربي حيث سجلت اسمها في مقدمة مجددي الشعر مع الشاعر العراقي الراحل شاكر السياب الذي نشر في العام نفسه قصيدته "هل كان حباً" واعتبر النقاد هاتين القصيدتين بداية ما عرف فيما بعد بالشعر الحر.

وسجلت نازك الملائكة في كتابها "قضايا الشعر الحديث" أن "بداية حركة الشعر الحر كانت سنة 1947م في العراق. ومن العراق بل من بغداد نفسها زحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله وكادت بسبب تطرف الذين استجابوا لها تجرف أساليب شعرنا العربي الأخرى جميعاً" .

"وكانت أول قصيدة حرة الوزن تنشر قصيدتي المعنونة (الكوليرا) وكنت قد نظمت تلك القصيدة 1947م أصور بها مشاعري نحو مصر الشقيقة خلال وباء الكوليرا الذي دهمها وقد حاولت فيها التعبير عن واقع أرجل الخيل التي تجر عربات الموتى من ضحايا الوباء في ريف مصر. وقد ساقتني ضرورة التعبير إلى اكتشاف الشعر الحر".

ولكن في الطبعة الخامسة من نفس الكتاب تراجعت عن كون العراق هو مصدر الشعر الحر، وأقرت بأن قصيدتها الكوليرا لم تكن الشعر الحر الأول بل هنالك من سبقها بذلك منذ عام 1932.

الليلُ يسألُ مَن أنا

أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ

أنا صمتُهُ المتمرِّدُ

قنّعتُ كنهي بالسكونْ

ولففتُ قلبي بالظنونْ

وبقيتُ ساهمةً هنا

أرنو وتسألني القرونْ

أنا من أكون ؟

الريحُ تسألُ مَنْ أنا

أنا روحُهَا الحيرانُ أنكرني الزمانْ

أنا مثلها في لا مكان

نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ

نبقى نمرُّ ولا بقاءْ

فإذا بلغنا المُنْحَنَى

خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ

فإذا فضاءْ !

شاعرة العراق الأولي

تعتبر نازك الملائكة شاعرة العراق الاولى في القرن العشرين ، وربما يمكن اعتبارها ايضاً اهم الشاعرات العربيات نظراً لتميز وجمال اعمالها الشعرية ونزعتها التجديدية. وقد اثار كتابها "قضايا الشعر المعاصر" ضجة نقدية كبيرة منذ صدوره عام 1960 اذ دعت فيه الى التجديد في اوزان وقوافي القصيدة العربية بحيث تصبح اكثر مرونة، وان بقت القصيدة موزونة ومقفاة.

صدر ديوانها الأول "عاشقة الليل" عام 1947م ببغداد ثم توالت دواوينها التالية ومنها "شظايا ورماد" عام 1949و" قرارة الموجة " عام 1957م و"شجرة القمر" عام 1968و"يغير ألوانه البحر" عام 1970، كما صدرت لها عام 1007م بالقاهرة مجموعة قصصية عنوانها "الشمس التي وراء القمة".

استمرت في كتاباتها الشعرية حتى مطلع السبعينات ولم تواصل الرحلة ، وانقطعت عن الكتابة الشعرية ، وبدأت تكتب في قضايا سياسية واتهمت أنها تراجعت عن آرائها السابقة في ضرورة الحداثة ووجوب التطوير.
ومن بين دراساتها الأدبية "قضايا الشعر الحديث" عام 1962م و"سايكولوجية الشعر" عام 1992 فضلاً عن دراسة في علم الاجتماع عنوانها "التجزيئية في المجتمع العربي" عام 1947م.

بعيدا عن ضجيج الناس

منحتها جامعة الكويت عام 1985م إجازة تفرغ للعلاج بعدما أصيبت بمرض عضال ثم عادت إلى العراق ومنها إلى القاهرة لتكمل علاجها الطبي بسبب نقص الأدوية في العراق بسبب الحصار الأمريكي، واتخذت نازك وزوجها وابنها الوحيد الدكتور "براق" القاهرة سكنا ومستقرا دائما.

وبعد وفاة زوجها الدكتور عبدالهادي محبوة سنة 2001م عاشت في عزلة بعيدا عن ضجيج الحياة، وقررت ان تسدل على حياتها الخاصة ستارا من الهدوء ومن السكينة فرضتها عليها ظروفها الصحية الصعبة وخيارها بالابتعاد عن الحياة العامة ، مما حدا ببعض الصحف أن تنشر أخبارا عن وفاتها رغم أنها ما زالت على قيد الحياة.

ورغم غيابها عن المنتديات الثقافية الا إنها ظلت في دائرة الضوء حيث حصلت على جائزة البابطين عام 1996وجاء في قرار منحها الجائزة أنها "شقت منذ الأربعينيات للشعر العربي مسارات جديدة مبتكرة وفتحت للأجيال من بعدها باباً واسعاً للإبداع دفع بأجيال الشعراء إلى كتابة ديوان من الشعر جديد يضاف إلى ديوان العرب، نازك استحقت الجائزة للريادة في الكتابة والتنظير والشجاعة في فتح مغاليق النص الشعري".

كما أقامت دار الأوبرا المصرية يوم 26مايو أيار 1999م احتفالاً لتكريمها بمناسبة مرور نصف قرن على انطلاقة الشعر الحر في الوطن العربي وشارك في الاحتفال الذي لم تشهده نازك الملائكة لمرضها شعراء ونقاد مصريون وعرب

شيرين صبحي - عن محيط

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى