الثلاثاء ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
الروائية الجزائرية ياسمينة صالح تطلق النار على الساسة الجزائريين في رواية: وطن من زجاج!
بقلم حازم إلياس

ثورة جزائرية على ديكتاتورية السلطة و إدانة للقتلة الرسميين!

عندما قرأت ـ قبل عامين تقريبا ـ روايتها الأولى "بحر الصمت"، تفاجأت كثيرا بتلك اللغة الغارقة في الشعر و الثورة و الإدانة الصريحة و بذلك النفس الأدبي الذي فتحني مرة أخرى على عالم الأدب الجزائري الحديث المكتوب باللغة العربية. ياسمينة صالح من جيل الاستقلال. جيل لا "يعرف الاعتذار" كما تقول على لسان بطلها السابق في رواية بحر الصمت.. جيل يتيم جدا في وطن ينهار و يتكسر أمام أعين أبنائه، كما تقول على لسان بطلها الثاني في روايتها الجديدة وطن من زجاج. ياسمينة صالح لا تعترف بالمقدمات أيضا، و تعتبر التاريخ قالبا جاهزا للتزوير و التشويه إذ ليس هنالك حقيقة مجردة داخل تاريخ يكتبه أولئك الذين يزيفون الوطن أساسا، و يضحكون على الشعوب و يقتلون أحلامهم بالجملة أو بالتقسيط. و التاريخ الذي يكتبه الشهداء لا يمكن قراءته خارج الشهادة التي يختارونها. بهذه التلميحات الثورية، و بلغة شاعرية و ثائرة تفتح لنا الأديبة الروائية الجزائرية ياسمينة صالح باب الدخول إلى الأدب الجزائري الراهن بعبارة: وطن من زجاج!

لعل القارئ في المشرق العربي تحديدا التقى عبر الانترنت بنصوص متفرقة للكاتبة الجزائرية ياسمينة صالح، و لا أنكر شخصيا أنني توقفت كثيرا ذات مرة أما نصها الذي احترت أين أضعه ضمن التصنيف الأدبي بين الشعر و النثر، و هي التي أسمته لوحة أدبية كي لا تتورط في الدخول إلى معارك أدبية مجانية، و لكن نصها "رسالة اعتذار إلى الرئيس بوش" كان لوحة أدبية مدهشة، يعكس حالة الثورة و الصراع الداخلي بين ما هو كائن و بين ما هو مفروض، بحيث أنها صرخة امرأة في واقع سلبي و مستسلم و انهزامي أيضا.. كان ذلك النص الأدبي نافذة دخولي إلى عوالم ياسمينة صالح الأدبية قبل أن أقرأ روايتها بحر الصمت التي سمعت أنها ترجمت إلى اللغتين الفرنسية و الاسبانية. ما يجب التوقف عنده هو أن لياسمينة صالح حضور أدبي ملفت ومدهش، و غير صاخب في نفس الوقت. هي الأديبة الجزائرية التي تعي أنها تكتب في وطن استثنائي في انكساراته منذ الاستقلال السياسي إلى يومنا هذا. وطن يأكل مبدعيه بكل الأشكال و مع ذلك تصر على "لعنة الكتابة" و تعتبر أن البقاء داخل الوطن جزء من تلك اللعنة التي تشبه القدر و التي لا يمكن التخلص منها إلا بالموت! لهذا تبدو عناوين ياسمينة صالح مرادفة لكل تلك التناقضات التي تحاول أن تطرحها أمامنا. فبحر الصمت كان حالة صراع بين جيلين، جيل الثورة و جيل الاستقلال الجزائري. صراع نكتشف متعته في تفاصيل الرواية بحيث أننا لا نملك غير الانتباه إلى تلك اللعبة الخطيرة التي تمارسها أمامنا الأديبة حين تعلن أن لا مكان لغير الوطن، و أن الوطن سرقوه منا أيضا. فهي صورة تعكس الإسقاطات التي تحرق أصابع الكاتبة و تحرق أنفاس القارئ معا و تصر في كل رواية على عبارة "نحن أيتام هذا الزمن الكئيب". إنها العبارة التي تكررت في الكثير من النصوص التي كتبتها ياسمينة صالح. بحر الصمت مثلا صورة جميلة و حزينة لواقع الجزائر بعد الاستقلال، لصراع بين جيلين، جيل الثورة و جيل الاستقلال،و بين حلم وسلطة قمعية لا تعترف سوى بالقوة و بالإرهاب السياسي و ديكتاتورية البقاء في السلطة على جثث البسطاء و الفقراء. و لهذا لا أحد ينتصر في النهاية، بل يتحول المشهد إلى واقع بعينه ضمن خارطة مرادفة للجرح المزمن. هذه التراكيب التراجيدية في عالم الرواية لدى ياسمينة صالح نكتشفها بشكل مغاير اليوم في روايتها الجديدة: وطن من زجاج الصادرة عن الدار العربية للعلوم ببيروت. فالعنوان يبدو مركبا. الوطن و الزجاج. و لأن الراهن يميل إلى الاعتقاد أن العنوان واقعي إلى أبعد الحدود، نجد أنفسنا ندخل إلى ذلك الوطن الزجاجي لنكتشف ملامح جيل آخر أكثر تعبا و فقدانا للهوية و الأمان.. جيل تقول عنه ياسمينة صالح انه جيل المجزرة و القتل اليومي و سرقة الأحلام و الإهانة الرسمية التي تمارسها الدولة صد البسطاء و الفقراء. فكيف نطلب من العالم أن يحترمنا حين لا يحترمنا حكامنا، و حين لا يحترمنا جيراننا، و حين لا نحترم أنفسنا أساسا. تقولها بلغتها المدهشة. إنها المقاربة الجميلة بين الواقع و الموت، بين الخير و الشر أمام أعين هذا الجيل الذي تعتبره السلطة" غاشي" ـ و هو مصطلح يستعمله الجزائريون ليعنون به "قطيع الأغنام" ـ و لأن الضغوطات الداخلية كبيرة، حدث الصدام بين الحياة في قمة عريها من جهة و من جهة أخرى بين الوطن/ في قضية سياسية معقدة يثيرها بطل الرواية و هو صحفي يعايش موت زملائه و أصدقائه و كل أحبابه. لأول مرة تبدو الرواية بعيدة عن إدانة الإسلاميين، فياسمين لا تتهم ما يصفون أنفسهم بالإسلاميين، بل تذهب إلى حد إدانة السلطة نفسها بأنها تقف وراء ذلك الجحيم لإبادة هذا الشعب تحت تسمية الأرض المحروقة، لأجل ألا يكون ثمة من يطالب بحقوقه، و من يطلب بالمساواة على أرضه و لتذهب إيرادات البترول إلى القتلة الرسميين دون أن يحاسبهم أحد! فالإرهابي في منظور الرواية هو السلطة، بكل ما تعنيه الكلمة من مؤسسات هشة و من سياسة قمعية و ديكتاتورية تحاسب الفقير على بقائه حيا و تسعى إلى نشر الموت بين البسطاء! الرواية تطرح الكثير من الأسئلة و لكنها ترد على بعضها، و تعتبر الحرب على الإرهاب حربا على الفقراء لأن أسباب الإرهاب تظل قائمة ببقاء الفقر و الجهل و التسيب السياسي الذي أسس إيديولوجية "حاميها حراميها" كما تقول الروائية.

هذه قراءة أولية لرواية غارقة في الحزن و الدموع و الرحيل و الغياب و اليتم الذي يجمع بين جيلين. جيل الثورة (عمي العربي) و جيل الاستقلال (النذير).. رواية تفوح منها رائحة الوطن المغتال، و نزيف الجرح الجزائري طوال سنوات الموت المجاني. هي رواية تستحق التوقف أكثر و تستحق القراءة من جديد، لأنها ترسم بأنامل كاتبة جزائرية مرحلة سوداء من مراحل الجزائر الحديثة، و لأنها ـ و هذا الأهم ـ تؤكد أن ياسمينة صالح روائية مبدعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى