الأحد ٦ أيار (مايو) ٢٠١٢
وخزة ضمير «16»
بقلم فراس حج محمد

المهرجانات التربوية وأحلام التعبير عن الواقع

تعقد سنويا مديريات التربية والتعليم التابعة لوزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية مهرجانات ختامية في نهاية العام الدراسي، وتختار تلك المديريات لهذا الغرض المدارس المنشأة حديثا أو صالات الاجتماعات العامة أو المدارس القريبة من موقع المديريات، وكل ذلك حسب ما يمليه عليها الواقع ومستجدات كل عام.

وتعد هذه المهرجانات التربوية تعبيرا احتفاليا عن إنجازات المديريات سواء في ذلك إنجاز المديرية ضمن مدارسها أو إنجازات المديريات على مستوى الوزارة، ويشارك في حضور هذه المهرجانات ممثلو عن وزارة التربية والتعليم والمؤسسات المختلفة الشعبية والرسمية، ويمثل وزارة التربية والتعليم في أغلب الأحيان الدكتور محمد أبو زيد، فيلقي كلمة الوزارة، مبينا واقع التعليم وما تطمح له الوزارة من إنجازات، وما تقوم به فعليا من أعمال من أجل تقدم العملية التعليمية، ويدور أغلب المتحدثين نحو هذا المحور ممجدين المعلم بكلام إنشائي مفبرك يظل عبارات تهويمية لا يلامس الواقع بشي لا من قريب ولا من بعيد.

ويشرف على إعداد فقرات هذه المهرجانات وفعالياتها قسم النشاطات الثقافية بالتعاون أحيانا مع قسم الإشراف التربوي أو أقسام أخرى كقسم التقنيات، ولعل مثل هذا التعاون هو تعاون محمود ميمون، ولكن أسجل في هذه الوخزة بعض الملحوظات لعلها موجودة هنا أو هناك في هذه المهرجانات التربوية:

أولا: يبدو أحيانا في بعض المديريات تهميش لدور قسم الإشراف التربوي وعدم التنسيق مع مشرفي اللغة العربية مثلا في انتقاء الكلمات في العرافة والتدريب عليها، فقد لوحظ في أحيان كثيرة أخطاء فادحة من عرفاء تلك المهرجانات، وتعدت هذه الأخطاء أحيانا كثيرة الضبط النحوي إلى الضبط الصرفي، وتحريف الكلام عن مواضعه، ويزداد الأمر سوءا عندما تلاحظ أخطاء الطلبة في قراءتهم للآيات القرآنية المنتقاة بعجالة، وتشعر بأنه لم يكن في وعي من يشرف وينفذ أن تكون دالة وفي صميم الأهداف التربوية، وهذا كله يثلم جمالية تلك المهرجانات، ويجب ألا يكون ألبتة في مهرجان هو مضمار لعرض الإبداعات والإنجازات ولا عذر لأحد في كل ذلك، فالوقت كاف للتدريب والإعداد، وإخراج الأمور بأبهى حلة وأفضل صورة.

ثانيا: بدت بعض هذه المهرجانات فئوية حزبية تدعو لحزب واحد، ونسي القائمون على هذه المهرجانات أننا شعب متعدد في رؤاه السياسية والفكرية والثقافية، واعتماد الفئوية الحزبية في مثل هذه المهرجانات يفقدها طابعها التربوي لتكون عبارة عن مهرجانات حزبية أو دعاية انتخابية لسين أو صاد من الشخصيات والأحزاب، ونسي هؤلاء أنهم مسئولون في بيت يضم أخوة مختلفين، فلا داعي لزيادة الشرخ، فالمهرجان التربوي يجب أن يظل تربويا، ويبتعد عن عرض واستعراض الحزبيات المقيتة التي لم تجلب للشعب والأمة إلا كل ويل وتمزق وقتل ودمار، ففي كل الدول التي تحترم مواطنيها وتقدر انتماءاتهم الفكرية والحزبية والسياسية لا مكان لمثل هذه الأسقام في الفعاليات الحكومية، فهم معنيون فقط بأهداف تلك الفعاليات، فلا تتحول احتفالاتهم بوقا ودعاية للحزب الحاكم، على الرغم من أن حياتهم مبنية على الحزبية وتعددها، فتتنوع اتجاهاتهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبينهما أفكار مختلفات في تدرجاتها الحزبية والفكرية، ولكن عند الرسميات يلتزمون بما يفرضه عليهم موقع مسؤولياتهم بأنهم معنيون بالكل وليس بطرف دون الآخر، فيا ليت قومي يعلمون.

ثالثا: تبدو أحيانا بعض الفعاليات غير متقنة أو غير مناسبة، وتبتعد عن الأهداف التربوية إلى أهداف أخرى، فالتربية والتعليم لا تعني بحال من الأحوال أنها موئل للغناء والطرب والرقص، وإن عرض فيها شيء من الفعاليات الفنية فلتكن فعاليات فنية تربي الذائقة وتعبر عن شعور الجمال الحقيقي في الإنسان، وتعبر عن مدى إحساس الطالب بنفسه وبذكائه الفني والموسيقي، أما أن تكون تلك الفعاليات خلطة من جنون الواقع الفني فهذا ما لا يجب أن يكون.

رابعا: تتضاءل في هذه المهرجانات التربوية الأبعاد التربوية والتعليمية، ويكون التركيز فيها على الحضور البهي للشخصيات الاعتبارية، والتسابق في عرض الكلام المنمق الذي يصور الواقع وكأننا في عالم مختلف؛ عالم من السحر والخيال، فتُنسى قضايا الوطن والأمة، وإن عرضت تعرض للتسويق الإعلامي وليست في صلب الإعداد والتنفيذ، والكل معني فقط بالتقاط الصور والظهور الإعلامي والجماهيري، وبعدها نتفاخر ونقول: تم بحمد الله اختتام أعمال المهرجان الختامي الذي ركز على إبداعات الطلبة ومنجزاتهم، وإلى الأمام ومزيدا من التقدم، نقول كل ذلك وواقعنا التعليمي في انحدار ومن سيء إلى أسوأ.

فمتى تكون فعلا مهرجاناتنا تربوية وذات معنى وقيمة، وأن لا ينفق فيها الوقت سدى، نركض لحضورها فقط من أجل ما أعد من ضيافة ووجبات طعام، هي بكل تأكيد في غير موقعها الإعرابي الصحيح، فسياقها نشاز، وطعمها مر، ويظل الواقع أسود، ولكن تظل أحلامنا وردية، نضحك على أنفسنا، فمتى سنفوق من غفلتنا، ونقتنع بأننا نحن من نصنع مشاكل واقعنا، فلا ندعي أننا نبحث عن حل لها ونحن فعلا جزء منها؟؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى