المشبوح والصحراوي والملتحي
الحجرة مؤثثة بالأثاث الفاخر، سرير مريح،ناعم الملمس، وسائد مرقطة، خزانة للملابس مكتظة ببدلات في ألوان قوس قزح، تلفاز من الحجم الكبير، كنبات رمادية،نوافذ بستائر فضية تطل على زقاقين، تراقب قدوم الذين تضرب لهم مواعيد لحفلات التعبئة السرجية، تخال نصفك السفلي عجلة نائمة تحتاج إلى ضخ الريح لتستقيم، تنتظر بلوعة وحرقة المنفاخ لتنطلق من الأسر، في الوطن العربي كل إنسان يعيش قهرا وعسفا وسجنا داخليا ينضاف إلى السجن الكبير حيث تنتفي الحرية والكرامة وحقوق الإنسان، العربي خلق ليقاسي ويعاني عاطفيا وروحيا، الوقت يمر بسرعة جنونية، في الانتظار الأجرب تحس بالضيق والاختناق والتيهان وقلة الحيلة تبدو أشبه بمن ينتظر معجزة على وشك الظهور من النافذة المشرعة، معجزة تقيك من عتمة الأيام المجحفة التي تنخر العظام، تطالع اغلفه المجلات والجرائد الوطنية الموضوعة فوق مائدة زجاجية، القراءة لا تتعدى سطر أو سطرين، حتى انك لا تفهم ما بين السطور و معاني الكلمات، المجلات والجرائد تسوق بها صورة شخصية تتمتع برفاهية التفكير وشغوف بـأخبار وطن منهوب، والأحلام المؤجلة لأغلبية الشعب المتمنطق بالخوف والصمت، لكنك في العمق على النقيض من ذلك تغرق في الجهل و بالكاد تفك شيفرة الحروف وتتهجى بضع اسطر معلوفة تعيد ترديدها على المسامع في المجالس والمقاهي وتتخذ وضع العارف والفاهم والضليع في العلم والمعرفة، الكل يعرف انك منفوخ بالعي و التفاهة، قريبا ستحمل مشعل سيد التافهين عن جدارة واستخفاف ليحل محل لقب المشبوح كما نبهك لذلك احد الشباب الملتحي الذي قمت باستفزازه من خلال الدخول في نقاش حول الإلحاد والكفر والزندقة وزوجات الرسول، فطن بسرعة انك فارغ تبحث عمن تعلق له الجرس وتحشره في خانة المغضوب عليهم والضالين، انفض الجمع على وقع الكلمات القاسية والصريحة، الشاب الملتحي هدم مواسم التبجح والعنتريات الفارغة، التهديد المبطن يسكن الجمل والتعابير، لا مكان لمن يخدش الطقوس بالضجيج والهراء والمواعظ الفجة، ليس كل من حفظ بضعة آيات قرآنية وأحاديث نبوية بالضرورة فقيه وعلامة يعتد بمواقفه، ليس كل من رفع اكف الضراعة في الجنازات وحفلات التأبين وازدرد الأطعمة المجانية يفهم في أصول الدين، من الصعوبة إضاءة غرفة الدماغ بالتفاهات والترهات والأراجيز، افلت الزمام من بين يديك دفعة واحدة، تبدو صغيرا أمام الأذكياء والمتعلمين، الأنفة والأبهة تحترق عن بكرة أبيها في معابد الكلمات الحرة الواثقة،(إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ۚ بل انتم قوم مسرفون) مضيفا في شكل تهديد صريح وواضح جاحظ العيون (ولقد انذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر)، رأيت نفسك،مصفدا، معلقا عاريا في ساحة عمومية
يا الله أسي أحماد المشبوح جاوب هاد شي لي بغيتي-
لا اله إلا الله محمد رسول الله-
مرادشي نظر إليك بحميمية احس بالتهديد يصفع الوجه المكلل بالتجاعيد، لم يقل شيئا خوفا من سلاطة اللسان والسقوط في فخ التقريع، رائحة الاحتراق مدفونة في النظرات العابسة والمنكسرة، فقيه تافه فقد في لحظات مزدحمة شيفرة الفهم، لم تنفع الفرقعات والصرخات للتغطية على العجز في مجاراة إيقاع الشروحات الوافية والمستفيضة عن المذاهب الأربعة، تلملم في صمت حطام الأحاديث النبوية والآيات القرانية التي رميت بها في لجة النقاش خارج السياق،الحوار الجدي والمستوى الراقي للمعلومات دك أسوار السخافة والعنجهية المتنطعة، حين تتعرض للفضح والتنمر تفجر الغضب في المقربين، دورك ليس الدفاع وصد الهجمات على المعيل بل تشحيم الأماكن التي لا تراها الشمس،بنظرة واحدة فهم المقصود، حمل الحقيبة الثقيلة المعلق عليها عشرات كاميرات التصوير من إحجام مختلفة، حمل الرائحة النتنة، رحل متأبطا لسانه المزموم، متمايلا في المشية كمن يحمل اثقالا، ترفع النظر نحو الأفق البعيد، السماء صافية الأديم، صوت السيارات والدراجات يكسر السكون،مقر نقابة العمال فارغ عن عروشه، لم تعد هناك وقفات ولا واعتصامات، اختفت الشعارات والحركة الدؤوبة، كل شيئ في الوطن اصبح ممسوخا ومبتذلا، التجارة في القوة الجماهيرية وباء يفتك بجميع الإطارات الوطنية، كل نقابة لديها قانون خاص وميلشيات للدفاع عن الزعيم التاريخي المتخشب فوق الكرسي و لا يشيخ،لا يطاله الخرف ولا التعب، صامد في وجه الزمن وتقلباته، قادر على هزم الأعداء والمناوئين والمندسين، لا تهم رغبات التجديد وضخ دماء جديدة، ولا الانشقاقات والانسحابات، الكرسي محفظ سيرثه أخبث المقربين وأعداء الديمقراطية الداخلية.
تبحث عن شمس تدفئ الخرائط في الدم وتروي الصور العطشى العالقة في الحلق، الجرح ينزف والوقت صعب، تجتر تخاريف الصمت لتبيد ضجيج الفراغ في ثقوب العزلة، تصلي على عجل أمام صلاة مرآتك بدون وضوء متواطئا بقبح مع أنا ذاتك لتخرج من شرنقة التيه وترسو على موانئ اللذة، اللذة في محراب الجنس عبادة تغني عن الطقوس الأخرى، الرعشات والآهات ترنيمات خشوع أمام القوة الخفية، هكذا أفتى السالبة في لقاء حميمي مضيفا أن الاعتراف بالخطيئة كفر في عالم فاسد، تدور في المنزل كمن يبحث عن شيء مفقود يشعل المصابيح المنطفئة في المخيلة، تخشى الوحدة وعتمة الظلام، تعود إلى النافذة وتطيل النظر في الأزقة، النافذة ستحمل أخبارا تروي تلابيب القلب المعذب، تمسح الوجوه العابرة جيئة وذهابا، لعنت الصحراوي في الدماغ لأنه لا يمتلك هاتفا نقالا حتى تستعجل حضوره إلى المشرحة، اللعين لا يعرف استعمال الآلة.
واش عندك البورتابل اسي الصحراوي-
لا اسي المشبوح-
علاش-
معنديش مع هدوك لمسامر-
ترمقه من بعيد يمشي الهوينى، انفرجت الأسارير، ارتسم الفرح الطفولي على الوجه الشاحب، يتسلل الضوء تحت الجلد المتنمل، طقوس كرنفال الأسى اندحر إلى حين،المصل السرجي الأخير يعود لأكثر من يومين، تحتاط بشدة من اللقاءات العابرة، عشرات المنحرفين تعرضوا للتشهير والابتزاز، التقطت لهم في لحظة سهو وانتشاء مشاهد عري خادشة للحياء ومستفزة للمشاعر، مشاهد تستدعي الرجم والجلد في ساحة عمومية، شبكات التواصل الاجتماعي محاكم الشعب الخاصة، غسيل الشخصيات العمومية، مرتشون، قوادون، شواذ ينشر في وقاحة، ضحايا بالعشرات يدفعون لعصابات مدربة مبالغ مالية مهمة طمعا في اتقاء الشر، ركوب موجة التحدي والتعنت تأتي الفضيحة فاتحة الحضن، الفضح اصبح عملية تجارية في الأوطان العربية بسبب الفهم الخاطئ لاستعمال حرية التعبير.
الصحراوي أشبه بفزاعة حقل بأسماله البالية، اسود فاحم، ضخم، فارع الطول، جامح وهادر وقوي كالطوفان، في الحمام الشعبي استدرجته ليقوم بعملية تحميمك، سمعت الكثير عن مزاياه من المجربين الطاعنين في الانحراف، المعلومة الشقية تنتقل بين ورثة مملكة سدوم، أخبرك احد المعارف القديمة أن الصحراوي الكسال يجيد ترميم خرائب الروح، وإيلاج يحرك البرك الرابضة ويمسد بنعومة التجاعيد ويفك عقد التبرم والحزن في الدماء، لم تكن من محبي الحمامات الشعبية لكثرة الازدحام والأوساخ المرمية والشعر المحلوق عن الأماكن التي لا تراها الشمس المحلوق من العانات والإبطين على عجل، الضرورات تبيح المحظورات، التمدد عاريا على البطن فوق زليج مرتفع الحرارة تنهش اللحظات، اليد المدربة تمسد اللحم طلوعا وهبوطا بتناغم وتناسق، تشعر بالارتخاء وتستبد بك موجات تثاؤب، ترتخي الأجفان وتسافر بالمخيلة إلى عوالم فيروزية، رأيت فيما يشبه النائم تلميذا يحمل على الظهر حقيبة ممزقة محشوة ببضعة كراسات، يلقي بها في ركن في المنزل يسحب دفترا يقلب أوراقه، يقطع ورقة بحذر شديد حتى لا يفسد الدروس، يطويها اكثر من طية، يخرج إلى الزقاق ويرمي بكل ما أوتي من قوة الطائرة الورقية، يحملها الهواء الخفيف تقطع بضعة أمتار فتهو ى على الأرض المتربة، يعيد الكرة عشرات المرات، يشعر بالعياء والجوع، يدخل الدار يفتح الصنبور يضع الفم في الثقب ويشرب جرعات إلى أن يرتوي، يتسلل إلى المطبخ يسحب طبقا مصنوع من الدوم، يقطع نصف خبزة يحشوها بالزبدة وزيتون اسود منزوع العظم بضغطات صغيرة على الحبات، يبتلع القضمات بدون مضغ، يتمدد فوق الحصير، عيناه مشدودة إلى السقف الفارغ إلا من مصباح كهربائي مغبر، ثمة عنكبوت نصب شباكه، ينتظر فريسة سهلة،عبر المذياع يأتي صوت مغنية شعبية تتغنى بجمال الكون والحياة والطبيعة، ثمة كلمات لا يفهم كنهها،الصوت يضمحل، يتلاشى، وحده بين الجدران، يشعر بهشاشة ما حوله، تأتيه صراخات الأطفال عبر النوافذ المشرعة، يستبد به عياء كبير، ترتخي العضلات، يخترقه سهم من التيهان، لم يعد يسمع أي شيئ، الأيدي مغلولة، الأشلاء تفكك تحت الفرك والدعك، البخار يتصاعد يغلف الحجر ة المرتفعة الحرارة، تسمع بين الفينة والأخرى صرخات خافتة للجثث المنشورة على الزليج الأبيض،آهات،هسيس الماء، استنشاق واستنثار، رغوة الصابون ومحاليل غسل الشعر تنزلق تجاه ثقب الصرف الصحي، الحجرة مضببة، البخار يحجب الرؤية، تحس بالأصابع المدربة، تدلك،تدعك الجسم المسترخي في وداعة، اللمسات أشبه بالندى يعانق الورد، تتلاطم الرغبة وتتخبط في الشرايين، في العيون غيمة من عطش لا تتأثر بعوامل المناخ، الحجرة شبه فارغة من المستحمين، ترفع في الهواء بخفة ورشاقة، تطقطق العظام، أنفاس الكسال تدق معاول في الرأس فتداهمك نوبة اشتياق عميقة، تتناسل المواسم من حولك وتمر مسرعة، وودت لو يسحب البندقية ويدفعها في مستودع الأسرار، رصاصة طائشة تعويذة للروح والجسد المسجي على الزليج المرتفع الحرارة لتعود إليك دفقات الحياة دفعة واحدة، تخاف من الفضيحة ثمة عيون في كل ركن وزاوية تترصد السقطات، عيون ضالعة في ترصد ومراقبة الآخرين لتفريغ الحقد الداخلي، تذكرت واقعة السنة الماضية التي أصبحت حديث المقاهي والأزقة، داهمت قوات الشرطة منحرفين واعتقلتهم من داخل حمام شعبي يمارسون الفاحشة، اخرجوا مكبلين تحت وابل من اللعنات والشتائم، شمع الحمام بالشمع الأحمر، الفضائح الجنسية والاغتصاب والخيانات الزوجية والشذوذ الجنسي في الوطن أطباق شهية تزهر على وقع الطبول والمزامير، الكسال يعزف لحن الارتجاف والاهتزاز، تلوك لعابك بين الحنجرة والقصبة الهوائية، في الجمجمة تتدفق بيارق الرغبة الجامحة.
الصحراوي الكسال حرايفي خصك تجربو-
فين غادي نلقاه....؟-
حمام الشعب-
تسري القشعريرة ويتنمل الجسم، تتأرجح البرودة في الأحشاء على حافة جرح يمنح سلاما مؤقتا للروح المصطخبة بالأسئلة، الصحراوي سينقدك من حشرجة الهرش وأنفاس حارة منفلتة من الزفرات ومخاضات الجوع، لوحت باليد في فرح طفولي وألقيت بمفتاح الباب الخارجي، التقطته الأيدي المدربة في الهواء، استرقت السمع وأطلت السكون والإصغاء، الباب يصدر صريرا ووقع الخطوات على الأدراج يتناهى إلى المسامع، يتوارى منسوب الضياع في الدماء، يصعب إخفاء اللهفة و الوحشة وأعراض الإدمان ففي ملكوت الجنس تسود اللذة ويتراجع عواء الحرمان وترتفع درجات العبادة والتشكي من داء الوجود، انت مدمن على ثني الركبة وتلقي البارود البشري وليست نزوة عابرة،محكوم عليك إلى يوم القيامة النهل من ترياق فحولة الآخرين، في آخر جرعة من مصل التنفيس لم تصل إلى الذروة المنشودة، مجرد ذوي باهت لم ترتخ حواسك المنكمشة، تقف في وسط الحجرة غاضبا تتجشأ الهزيمة، التعبئة السرجية لم تكن ناجحة ولم تمش على بلاط الانتشاء كما اشتهيت وتشتهي النفس الأمارة بالفاحشة، أنفقت بغير حساب لتعيش اللحظة، تهدأ، تسكن، الرغبة من الصراخ حين تعتلي الرجفة الشرايين، دفعت الأوراق النقدية وودعته في حنق ظاهر، اختيار الإزميل لم يكن موفقا كما في المرات الكثيرة، كنت تتنزه بالسيارة السوداء الفارهة في الشارع الكبير حين تحرشت به، تردد في أول الأمر وحين وعدته بمبلغ مالي محترم ثمنا للخدمة السريعة اقترب اكثر من نافذة السيارة، أضفت انك امرأة في جسد رجل لتبدد سوء الفهم،كلمة واحدة معبرة وهادفة أنهت الحواجز والخوف والتردد، ابتسم ابتسامة ماكرة، انفتح الباب وأخذته في جولة على أطراف المدينة، مواضيع مقتضبة لا تبرح الحياة وصعوبة العيش والبطالة، تسخينات أولية تهييئا لموسم القطاف في حجرة العمليات،الشاب القوي البنية يعاني من تكلس ما تحت العانة، لم تخرج الطلقات من بين الفخذين، ولم تمطر السماء يومها بالموز و الإجاص، الثعبان لا يصلح سوى للتبول، اللقاء صاخب بارتعاشات الندم والحسرة، ابتلعت الريق الممزوج بالطعنة و هرعت إلى واحة الخيال الرحبة للملمة الكلمات العالقة في اللسان، الواقف أمامك تستبد به جمرات الخوف، الوجه هرب عنه الدم يخاف أن يكشف السر، كثيرون أنصاف رجال في الزمن الحاضر، مصابون بالضعف الجنسي لأسباب كثيرة ومتنوعة مرتبطة بالأساس بالتغذية والمناخ، لم تحقد عليه كلاكما يغوص في سرداب الخطيئة، حزمت بقايا النفس المشروخة، أغلفت الباب حابسا صرخات مكتومة معانقا وحي الصفعة في الدم، تكره دائما الإسراف بدون نتيجة، الإسراف عدوك الدائم والتقتير المراد والمبتغى، الخوف من المستقبل وتقلباته جعلك تحتاط من كل شيئ، فكرت انه في المرات القادمة يستوجب الأمر استنفار الثعابين في الجحور باللمس والدعك لقياس ردات الفعل، لتطفئ الفضول وتستقي الفائدة، تستمع إلى الشهقات وتنال الرضا.
لوحات زيتية في إطارات مذهبة معلقة على الجدران، راقصة في ثوب حواء تراقب البحر وتحمل كمانا على وشك العزف، شابة عارية تثني رجليها إلى الوراء وتريح عليهما المؤخرة، نهداها منتصبان وحلمتاها تظهر من الثوب الشفاف،حمار وحشي يرعى في العشب الأخضر على مقربة من غابة كثيفة الأشجار والسماء صافية،لا رابط بين اللوحات سوى أنها تكشف ميلا داخليا للعبة التعري وان الزائر سيفهم الإشارات والتلميحات التي تقفز وتخاطب ما تحت الصرة وتدعوه لحفلة التحام مذمومة لتكتب بالحبر السري قصيدة تذهب تجاعيد الأيام الصعبة،تغسل تلافيف الدماغ من التشوش، اغلب الذين تستدرجهم للبيت وينهلون من طلاسم السر على عقارب الساعة التي تدور بسرعة يفهمون المطلوب، الفعل الشنيع الغاية والمطلب ليبدو اليوم مرصعا بالنشاط و الحيوية، الكفاح السرجي سبيل التقدم إلى الأمام والخلاص من الفقر والفاقة، لكي تتحرر من ثقل الزمن تروض الأحصنة الجامحة بداخلك لتكون للحياة معنى وقيمة، تعلم علم الشخص الذي صهرته التجربة أن الأشياء الجميلة في حياة الإنسان تمر بسرعة جنونية وتتلاشى، الأيام الصعبة ليست تلك التي عشتها وخرجت منها سالما بدون ندوب بل تلك التي لم تعشها وتلوح في الأفق القريب لذلك تحرس على جمع الأموال بجميع الطرق المشبوهة وتقتر في الإنفاق، في الحجرة الأخرى دزينة قوارير عطر فاخرة، ملابس نسائية ضيقة، تبابين وحملات النهود، شعر مستعار، حجرة تحرس دائما على إغلاقها وتضع المفتاح في مكان امن خوفا من الأيدي العابثة.
بالأمس البعيد لم يكن لك وكر خاص لتمارس طقوس الانحراف بحرية، وحده السالبة اكترى حجرة فوق السطوح وسماها مجمع الفقهاء، يعودون ليلا من المناسبات الدينية أو حفلات التأبين أو الزواج يجلسون لكرع كؤوس الخمر وتمرير لفافات الحشيش الوطني للترويح عن النفس، يطلقون القفاشات ويستحضرون المواقف الهزلية، يضعون فوق المائدة كميات اللحم والفواكه التي جمعت من المناسبات في أكياس مخصصة، تنفض سهرات الأنس والسمر مع اقتراب صلاة الفجر، يندفعون الواحد تلو الأخر إلى الأزقة
التفاصيل الصغيرة الرابضة تحت الجلد تحرض الذاكرة على نسيان السقطات والنكسات، على ساحل الروح نبضات تحفز الجراحات وتأبي الالتئام، في البدء كان الانحراف لعبة شقاوة في الأزقة والأحياء جولات صغيرة لتجريب الفحولة لأتراب أشقياء مقابل عطايا وحماية من عنف مشحون بالويل، طفل داعر يفتح شهية الحالمين بتحميم وشحذ السيوف، مع مرور الأيام اصبح استقبال الخراطيم البشرية إدمانا ووليمة للأوغاد الذين ادخلوا الرعب إلى القلب، انساب نهر الضجر بين الأصابع، واستسلمت للطعم اللذيذ، والآهات والحشرجات إشارة على مرور غيمة تحمل هدوءا مؤقتا،فرحا مؤقتا، وخلاصا دائما يلامس قوس قزح.
تختلط رائحة العرق برائحة المرق في كل خلوة، الحصاد سعيد بالحصاد، ولعنات من الله مرسلة، تقلب الأوراق القديمة ولا بصيص أمل دائما موشح بالهزيمة، تنهدت تنهدة عميقة واندفعت في الجمجمة صورة طفل يحبو في التراب يكبر وسط الضجيج والجوع والعراء، يقتات من بقايا الطعام، يفترش الحصير وبضعة اغطيه بالية تشم منها رائحة الحموضة، تجتاحك القشعريرات،الحجرات فارغة إلا من أفرشة مرقعة جادت بها العائلات الميسورة حيث تشتغل الأم خادمة، في ليل العطش السخي تسمو الجرذان تتراكض بحثا عن فتات الموائد المفقود، تسمع أذق الخربشات وطنين الحشرات التي تلسع وتمص الدماء وتترك في الجسم بثورا حمراء، الفقر الممشوق يتراقص في كل الزوايا، لم تأكل ابدأ حتى الشبع، تبتلع نفس الوجبات الشحيحة يوما على بطن يوم، خبز وشاي وصحون القطنيات، عدس وفول، اللحم لا يزور الأمعاء إلا في مناسبات نادرة، تتوسد الجوع وتمطر عيناك حرقة وألما، تسب وتشتم الأهل والأحباب والعائلة الصغيرة الغارقة في الاستطعاء، تكره العائلة التي خرجت من صلبها، لماذا لم تولد وفي الفم ملعقة من ذهب...؟ في زحمة النهار تستصرخ الأوجاع في الغدو والرواح مستهلكا ساعات النهار في الأسئلة العميقة، تطوف على الدكاكين تشتهي المكسرات والمعجنات، تشتهي صحون المرق المزدهرة بلحم العجل، السمك المقلي على نار مستعرة، الجيب مثقوب والشهية منفتحة، في الأعماق تنتصب علامات الرفض والممنوع، في فضاءات الخالق البهية الدنيا مشبعة بالصمت والضوضاء و أسئلة بلا أجوبة، الأيام متشابهة يستحيل التحرر من قيود الوهم، السماء لا تمطر خيرا عميما والرب لم يكن عادلا في توزيع النعم على عباده الصالحين والطالحين، هكذا قال أستاذ الرياضيات في نقاش عاصف مع زميل ملتحي داخل الفصل الدراسي، الأستاذ ركل النظريات اللاهوتية ومزق آيات التنزيل، الملتحي يضرب كفا بكف ويرفع بصره إلى السماء، يستغفر ويستنكر.
غادي تبقا فقير إلى يوم الدين - الله عليم-
تقف الآن على عتبات الانشراح والحبور الشحيح ونار التوجس في الصدر مشتعلة في موسم حصاد يلوي الجفاف عنقه بغيمات مكسورة الأرداف تزدحم أرصفة الطفولة والشيخوخة في أحداق اليقظة، طوال خمسة عقود تلهث خلف الماء اللزج، يهرب الحزن منك سويعات وتبقى وحيدا على حاشية الطريق الموحلة والصعبة، تجتر بطولات وهمية، تتفرس في المرآة كتلة لحم تكسو العظام، التجاعيد وتهدل العنق إعلان صامت ومقيت عن دخولك مرحلة اللاعودة، الجمجمة وعاء فارغ مليء بالترهات،قيح وصديد، عقدة الظهور تميمة تركض في الشرايين مند المهد،تتعرى من الضجيج والتذاكي حين تحاصرك الحقيقة عند تخوم الجدال، الكل يعرفون حق المعرفة انك قربة منفوخة بالعي والتفاهة. لم تتعلم لا قيم ولا أخلاق، لا احترام ولا هم يحزنون، كيف لمن يقتات من المؤخرة وينام كل يوم تحت السفوح الملتهبة أن يتعامل بالمنطق والفهم الصحيح للأشياء المحيطة، ترتدي ابتسامة بلهاء وتخرج إلى الشارع تتباهى بالمقعد في المجلس، الآن أصبحت ممثلا للشعب، لكن ليس أي شعب، انه شعب المقهورين والمهزومين والنفايات البشرية، لان الإنسان الواعي والمثقف في مجتمع إسلامي محافظ لا يمكن أن ينصب رقيعا جاهلا مناع للخير
كل مساء تعود إلى المنزل جائعا متأبطا رفيق الكبائر واللعنات، مرادشي اكمل التعبئة السرجية بنجاح وراح يعد طلقاته واحدة تلو الأخرى على تخوم الزفرات المتقطعة، البندقية ظلت الطريق في التصويب الأخير، أدار مؤشر النشوة حول الوجه الكالح، شيعك بنظرة خاطفة تبتلع قماط الآهات في صمت ولم ترقص كما العادة في غيبوبة، تستلقي على الركب وتطلب المزيد لتطفئ الجمرات الرابضة والملتهبة تحت الصرة مند تسلقت دودة الخلاعة مستودع الأسرار، طلقة أخرى وترتق المسافة بين الجوع السرجي والعقلي وتحلق مع أسراب الطيور فوق ضفاف المبتغى، مرادشي يعرف كيف يسكن المفتاح السحري في الثقب، يروض الآلام،يلملم بالإزميل الغليظ بقايا ثورة التلاحم في ليلة ماطرة، يرسم على دفاترك المدرسية وجهك حين كنت طفلا، صورة من الزمن السحيق، الآن المغامرون تلاشوا، غادروا الحي والأزقة بحثا عن صيد ثمين على أعتاب لعنات الشدود،آخر زائر حدثك عن الطفولة والشقاوة، حدثك عن السكن في العاصمة والطواف على المعارف لتسكن عصافير البطن والسرج التي لا تكف عن النبض أشبه ببثور متقيحة، اندفعت في المخيلة آلاف الصور الكئيبة، ولدت من سقم الخطيئة راسما وجها بملامح عبوسة، عقارب الجوع تطن في الدماغ، الحياة صعبة والسائق لم يغير مسار الرحلة وما زال يلهث من لهاث الحصار، عشرات الصخور تقطع الطريق إلى الضفة الأخرى حيث الخير العميم، لم يكن أمامك من خيار لتثبت وجودك وتأكل حتى الشبع سوى الركوع لحوافر الأقلام لترقص في المحبرة، وتلفظ في اشتهاء أنفاس المسافات، وتنبلج الفرحة من أحشاء المدافع حين تطلق زفرات الانتشاء، تراه يزرر السروال ولم يغتسل من لحظات المجون، ألقى ببضعة دراهم، بصق بصوت خشن كانما يبصق صدره، صفق الباب من ورائه، وعاد الهدوء إلى الحجرة الفارغة إلا من سرير إسفنجي مليء بالثقوب وبضعة أغطية مهلهلة،.
قلب لك على شي خدمة تعيش بها عطا الله لقهاوي وسناكات-
راني جيت نقرا ماشي نخدم-
انت حاصل مع الكراء والماكلة بقات شي قراية-
وخا راني كنضبر على راسي-
راه خصك ميزانية فين ابان شي تضبار-
السالبة يصوب البندقية بمنتهى الدقة، يطلق طلقات ممتالية ويخر صريعا، طالقا زفيرا مثخنا بالشهقات، تنتهي رعشات الفؤاد ببضعة كلمات تقطر حبا وشغفا، الوحيد الذي اهتم لأمرك، يزورك كل أسبوع محملا باللحم والخضر والفواكه وقنينات الخمر، ينفحك مبلغا ماليا، في محطة الحافلات تودعه بحسرة تلوح له باليد، تراقب الحافلة إلى أن تختفي وتعود إلى عالمك الجديد، عالم التسكع والتسول، خلقت لتكون متسولا داعرا في مدينة ترقص على الاستعطاء والتزلف والتملق للمرابين و الخونة، الكل يجيد الرقص على أنغام الانحناء والمسكنة، لم يكن هناك حارس للشرف والكرامة، الكل عراة من الأنفة وعزة النفس، لم يعد هناك من يفتش عن أحجار الرجم وسياط جلد الشاذ الجنسي، الضمير الجماعي أصم وابكم من نشوة الخذلان، مند سنوات أقيمت صلاة الجنازة على أصوات الحق القليلة، في ليلة ظلماء ضبطوك تستبيح عرضك من اجل بضعة دراهم، هربت خوفا من الاغتصاب الجماعي،سقطت في بئر اعتقدوا انك روحك ارتقت إلى الجنة أو الجحيم، حملوك إلى المستشفى فاقدا للوعي والحركة، رجعت من الموت بأعجوبة حاملا خدوشا وكدمات في أماكن متفرقة من الجسم، الماضي اللعين يرسم بقوة تجاعيد غائرة على الوجه الضامر، رغم المال فالخوف من الجوع حاضر في الدماغ، أن تعيش مع الخوف معناه انك تعيش حرية ناقصة، ولا يمكن التحرر من الهواجس الداخلية ولا يمكن إفادة الأخر في شيئ.
طلبت منه الاستحمام والتعطر، استعدادا لجولات الفرك والدعك في صحراء تنتظر غيمة ماطرة، ظل جالسا بدون حراك ينقل النظر بين اللوحات الزيتية وبينك كانه يراك لأول مرة، الجلباب الأبيض شفاف يظهر العجيزة، أطلقت كلاما على عواهنه لتذيب الصمت، الصحراوي يريد التفاوض أولا على السعر، والقبض مسبقا، الرغبة تلهو على ضفاف القشعريرة، تشتعل النيران في السرج،الثعبان على بعد لمسة يد، لمسة واحدة لتذوب في الحوباء الساعات العجاف وتغادرك الفوضى، تقيس بعينين مدربتين الثعبان الرابض في العانة من المنبث إلى الحشفة، تستبد بك زوبعة العشق المجنون تستعجل في الدماغ عمليات الاستسقاء بالتنقيط، لم ينفع التودد والاسترضاء، المبلغ اكبر من المتوقع، الصحراوي لا يريد الخصم والدفع مسبقا، هدد بالانسحاب من الجلسة الذاعرة، أصبت بالارتباك، أسرعت إلى الحجرة الأخري، فتحت صندوقا حديديا، سحبت رزمة أوراق زرقاء، لمعت عينا الصحراوي وفترت شفتاه عن ابتسامة ماكرة، شرعت في العد واحد...ثلاثة... خمسة... سبعة... عشرة، حمل الرزمة واندس تحت الماء، تسمع عن بعد هسيس الماء، الصحراوي ضليع في ترويض صهيل الوجع في الأشلاء، ألقيت إطلالة من النافذة، الشمس ترسل ابتسامة من مقل حزينة، ثمة شاب يقبض بيديه على كيس بلاستيكي محشو بغراء الدراجات الهوائية شبه منفوخ ويضعه على الانف، يعترض سبيل فتاة مادا يده يكاد يلمس وجهها، هرولت إلى الرصيف الآخر مذعورة، ارسل قهقهات عالية في ترنح ظاهر، لوح بيده اليسرى عاليا، دفع الرأس في حاوية الأزبال، سحب كيسا اسودا، شطره إلى نصفين، افرغ الحمولة، وراح يلتهم بقايا طعام وقطع لحم دجاج مشوي، رفع حمام راسه تلاقت العيون، صرخ عاليا،
وا المشبوح واش خصك شي مغزل-
فهمت المعنى والمقصد، السر لم يعد خافيا على احد، أصبحت اشهر من نار على علم، شمامو السلسيون وملمعي الأحدية وبائعي السجائر بالتقسيط يمضغون علانية صولاتك السرجية، وغدا سيقام لك حفل ولربما سيطلقون شارعا باسمك تقديرا لدفاعك المستميت عن الحرية والمشاعية الجنسية، لم تعد تغضبك الكلمات الجارحة ولا اللعنات ولا الهمسات والضحكات المجلجلة، انت سيد نفسك مند خمسون عاما بالتمام والكمال، لم تختر أن تكون شاذا جنسيا من سلالة قوم لوط، السماء حرمتك من حمم الفحولة ولدت مخصيا فوق الظهر تحمل معارك الالتحام، أجساد تولول من مخاض العري على حافة الشرايين، قيل لك انه لديك خلل في الهرمونات، هرمونات أنثوية طاغية، تطلق ابتسامة عريضة من قارعة الجثو على الركب لاستقبال الماء الأجاج، كلما ضاجعت الآهات لذة الالتحام بين حشرجة العبارات المقدودة من طمي الحلم الدافئ.
الصحراوي لا زال يردد في الأذنين نشيد الانتصار من حصاد الأشواك، انتشلك من بقاياك ورهم الثقب بين الفجين الضامرين، تتنفس الارتعاش من تحت التجاعيد وكومة اللحم، تلطم الوجه الفاحم رائحة عطر نفاذ، وصافرة الانتشاء تنطلق من الحنجرة، جاءك في الإيلاج القوي لهفة دروب الحرية، لا صوت يعلو فوق صوت الآهات، لأول مرة تكتشف حرارة الدعك والشحن الذكي المليء بطلاسم اللذة الشقية والحب الملعون إلى يوم القيامة، الشرايين أزهرت وغادر الخريف غادر الهضبة إلى حين، تنفذ الذخيرة في الإغارة الأخيرة، الإغارة نفذت إلى صيوان فؤاد يعاني الجفاف وقلة الرجفان، أغلقت الباب وظللت واقفا تستمع إلى وقع الخطوات على الدرج، شاهدته يغادر من خلال النافذة، يتحسس جيوبه، يربث على الأوراق الزرقاء في الجيب الداخلي، المتشرد لا زال ينفخ في كيس البلاستيك، يسند الظهر إلى حائط نقابة العمال، فردتا حذائه مرمية في الطريق،تمر السيارة الموشومة ينتفض ويؤدي التحية العسرية، الزقاق مزدحم بالمارة، تلاميذ يركلون الحذاء، يلاحق احدهم وآخر ألقى بالفردة الأخرى في مقر نقابة العمال المغلقة على مدار الشهور، المرأة التي كانت تعرض بعض الخضر فوق الرصيف المقابل جمعت أغراضها على عجل في سلة قصب ورحلت،.
الليل يرخي سدوله، ارتديت البدلة الزرقاء وربطة العنق المرقطة، لمعت الحذاء والشعر، تعطرت، تكحلت، وقفت أمام المرآة، ألقيت نظرة أخيرة على الهندام، تبدو في كامل الأناقة، الحيوية والنشاط ينطان من المحيا، ترفرف أسراب العصافير في الدماء.
جوعي في كرشي وعنايتي في راسي-
حكمة السالبة حاضرة في المخيلة، انتقيت مكانا معزولا في محل للوجبات السريعة، لا تريد وجبة مقززة على مائدة المناوشات والتقريع الأجرب، تحس بجوع قوي وشهية غريبة، تحس انك قادر على ابتلاع نصف خروف مشوي وبطاطس مقلية وسلطة متنوعة، كيلوات من الفواكه وعصائر التفاح والليمون،لم تعد تخاف من ارتفاع معدلات السكر والملح في الدم، الضغط الدموي مجرد أكذوبة طبية،، منشرح الأسارير تزدرد الطعام الشهي، تندفع في المخيلة مئات الاسماء ممن افترشوك، تلاميذ المدرسة، السالبة، بوشعيرات، جبيلو مرادشي... وآخرون، وحده الصحراوي استطاع استكمال التعبئة بنجاح، لم ينفذ عتاد بسرعة، يقتحم النهر الغارق في الوحل، يغوص إلى القعر المطين، تحس تحت القفص الصدري نيران وجمر، عازفة الكمان تترنح، تتمايل، تتلوى، تداعب رجلاها الموجات، الثوب الشفاف يطير في الهواء، الحمار الوحشي يندفع من الإطار،يركض بجنون، يختفي وراء الأدغال، يرقص السيف في جبهة الخراب والدمار، ينقش فوق خرائط الجسم نهاية المعركة، أصوات مكبرات المساجد تعيدك إلى الواقع المحسوس، اغتسلت بسرعة، دخلت أول مسجد وقفت في الصفوف الأمامية وراء الإمام مباشرة، لم تتوضأ ولم تغتسل من لعبة الإيلاج، المسجد يعم في هدوء وراحة مميزة، الإمام يقصف الرؤوس المتهاونة والمتلكئة في التعبد والتخشع والتقرب إلى الله بالآيات القرآنية، دخل مجموعة ملتحين، عشرة... عشرون... ثلاثون... أربعون... سرب بالكامل من الطيور الجارحة تتربص بالفريسة، جاحظي العيون تفرقوا على الصفوف، تقدم آخرون إلى الصفوف الأمامية، الكماشة تضيق عليك، تحس بالأجساد تحتك بك، ضاقت المسافة بين الأرحل، الشيطان لن يدخل بين الجسد والجسد، هكذا قال احد المتطرفين لجمع من المصلين ذات صلاة ظهر، الكلام لم يمر بدون رد ممزوج بالتهكم والقفاشات.
واش الشيطان كيدخل للمسجد-
واييه كيدخل باش اصلي ويطلب المغفرة وتوب-
شاهدت الشاب الملتحي الذي وقع لك معه شنآن وقت سابق، الضغط يزداد حدة، أردت الإفلات من قبضة الملتحين، الإمام ركع الركعة الأولى والثانية تحس بالعظام تطقطق، تختنق، لم يبق سوى ركعة واحدة، ركعة واحدة وتتحرر وتتنفس الهواء النقي، ارتبكت، وسرت قشعريرة في الأشلاء اختلطت في الدماغ الركعات والسجدات، اشتعل القفا بضربة مركزة، تلتها ركلات ولكمات، بصق على الوجه، اشتعلت الفوانيس في الرأس، ارتفعت التكبيرات، تواصل الرجم الأهوج، هرول المصلون في كل اتجاه، الإمام تأبط صلاية واغلق عليه بابا يؤدي إلى حجرة خاصة، سقطت فوق الحصير متوجعا، تكورت على ضفاف الخوف، وتركتهم يفرغون شحنات التطرف والفهم الخاطئ للدين، تناهت إلى المسامع الفتوى، اختلفوا في طريقة القصاص، فريق يطالب بتنفيذ شرع الله بإهدار دمك، فريق يطالب بالرجم في ساحة عمومية، المشبوح متهم بارتكاب الفاحشة وتدنيس بيوت الله،.
المشبوح خصو يتنحر من الوريد إلى الوريد-
لا خصو يترجم -
استفقت في المستشفى، رائحة اليود تعتقل الحجرة، في اليد إبرة مغروسة في العرق مشدودة إلى قنينة ماء يقطر عبر أنبوب شفاف، تسمع عبر الباب القفاشات المنبعثة من مؤخرة القهقهات، احد الممرضين اسر للمتحلقين حوله أن جماعة الملتحين كانوا عازمين على اغتصاب المشبوح بالهراوات التي احضروها خصيصا لذلك، علت الضحكات، انتشرت بسرعة عدوى الضحك في المرفق وخارج المرفق، الغزوة طبق شهي يمضغ في الجلسات والمقاهي والحارات،. علمت فيما بعد أن الإمام استدعى الشرطة، الذين اقتحموا المكان، اعتقلوا محرك الجماعة وبضعة رؤوس، خوفا على حياتك فضلت التنازل عن القضية، لن تمشي إطلاقا على قارعة التوبة، لكنه في كل ركن وزاوية يسكن الخوف والرعب وعيون تترصد المنحرفين اتباع مملكة سدوم.