الاثنين ٢٤ تموز (يوليو) ٢٠٢٣
بقلم رحال امانوز

العائد !؟

في بداية السبعينات من القرن الماضي. تمكن بوجمعة من الهجرة إلى فرنسا للعمل. غادر مدشره القابع بين جبال الأطلس الصغير. اسوة بالعديد من أبناء بلدته. الذين طمعوا في تحسين وضعهم المادي. وفقه الحظ للعمل باحد مصانع مدينة مرسيليا. وفي إطار التجمع العائلي جلب زوجته ماماس من لبلاد . طبعا لن يتزوج وهو السوسي الا من سوسية. ومع مرور الأيام ازداد له بنت وولد. سهر على رعاية اسرته الصغيرة. انهمك في العمل بجدية مبتعدا عن كل أبواب التبذير. وكان متمسكا بتعاليم دينه. متشبتا بالتقاليد التي شب عليها منذ الصغر. من العمل للبيت ومن البيت للعمل. بمجهوده الذاتي وحرصه الشديد. تمكن من جمع ثروة لابأس بها. وفي نفس الوقت كان يرسل لوالديه وأقاربه مساعدة نقدية شهرية يعينهم بها على مصاريف الزمان. رغم مشاق العمل كان يعيش في سعادة مع أفراد أسرته الصغيرة. لكن شاءت الأقدار. ان يختطف الموت ابنته وابنه. انقضى اجلهما بعد حادثة سير مميتة. انقلبت حافلة النقل المدرسي في طريق عودتهما للبيت. كانت صدمة قوية على بوجمعة وماماس. بعد مدة يسيرة انتقلت ماماس إلى جوار ربها. بعد إصابتها بسرطان الثدي. والذي لم يمهلها طويلا. ليبقى بوجمعة وحيدا. عاش وحيدا في فرنسا. ولم تراوده فكرة الزواج لمرة اخرى. بقيت له سنوات قليلة لبلوغ سن التقاعد. كان مصرا في قرارة نفسه. على قضاء ما تبقى من أيام عمره في تمازيرت. أرض الاسلاف التي كان قد غادرها اضطراريا. في اطار عبودية طوعية... عاد إلى لبلاد التي وجدها قد تغيرت كثيرا. لم يزرها منذ سنين عديدة... الوالدان انتقلا الى جوار ربهما... وكذلك اخوه واخواته. لم يتبق له من الأقربين سوى ابن أخيه ابراهيم... دخل بيته وحيدا ... أحس بالوحشة. اين زوجته واين أبناءه؟ الذين كانوا يرافقونه عند مجيئه... ليس هناك الا الفراغ... فراغ قاتل وإحساس بالعجز. ماالعمل ياترى؟ نصحه بعض أبناء قريته بالزواج. فمن غير المعقول ان يعيش وحيدا... من يؤنس وحشته؟ من يعمل على خدمته ومساعدته؟ قيل له: انت مازلت في الستين! صحتك جيدة والحمد لله ! وفوق ذلك عندك رزقك! الف عروس تتمناك كعريس وزوج... أوكل أمر زواجه لأحد أبناء عمومته بالقرية. والذي اقترح عليه الاقتران بإحدى بناته. هي أرملة في الثلاثين. امرأة ناضجة و شاربة عقلها ... لم يرق الأمر لابن اخيه إبراهيم . الذي كان طامعا في إرث عمه. ماذا لو انجبت له زوجته الجديدة أبناء؟ يعني ذلك حرمانه من الإرث! فهو بالكاد يوفر لقمة العيش له ولزوجه وابناءه الأربعة... لن يقبل بزواج عمه... ولن ينتظر كثيرا للفوز بثروته الطاءلة... فكر كثيرا واتخذ قراره... ذات صباح افتقد أصدقاء بوجمعة زميلهم الذي غاب عن صلاة الفجر على غير العادة. طرقوا الباب مرارا؟ لا من مجيب! أخبر مقدم المدشر بالأمر . اقتحم رجال الدرك البيت. وياللهول!؟ بوجمعة غارق في بركة من الدماء!؟ بعد نقل الجثة. والقيام بالتحريات اللازمة: توصلوا للجاني... والذي لم يكن سوى ابن اخيه إبراهيم. لقد حوكم بالمؤبد عن جريمة قتل الأصول. وحرم بالتالي من الميراث.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى