السادة أصحاب الفخامة
في هذه السطور أوجه خطابًا من القلب إلى كل أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي، من قادة أقطارنا العربية جميعًا دون استثناء، وإلى كل المسئولين معهم في كل الوظائف القيادية المؤثرة في الحكم بكل قطر من هذه الأقطار، في جميع التخصصات المختلفة وفقًا للنظم الرسمية لكل دولة من دولنا العربية، التي أعتبر كل واحدة فيها جزءًا غاليًا من هذه الامة الأبية. وإلى كل من يصطادون دائمًا في الماء العكر، أقول: إنني أقصد في مقالاتي السابقة وفي هذه السطور أمتنا العربية بكل أقطارها، ولا أتحدث عن قطر بعينه؛ لأن ما أتناوله في كتاباتي ينطبق على العديد من الأقطار، وبالتالي فقد يتخيل البعض أنني أقصد بذلك قطرًا بعينه.
وعمومًا أوجه هذه السطور إلى كل مسئولينا وقادتنا العرب:
كل منكم أيها الأفاضل وصل إلى سدة الحكم بشكل مختلف عن الآخر، حتى وإن كانت بعض الوسائل تتفق مع أنظمة الحكم التي فصَّلها لنا الاستعمار الغربي بعد أن قسمنا ومنَّ علينا بالاستقلال وفقًا لقواعد وأشكال رسمها لنا وأختار منفذيها بكل دقة. وكل منكم في بداية توليه المسئولية عاهد شعبه على تحقيق العدل والمساواة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية ورفع مستوى المعيشة، وقد صدّقكم الناس، بل إنهم التفوا حولكم وأيدوكم في كل الخطوات التي أعلنتم لهم فيها برامج تستهدف الخير للوطن وللأمة، ومع مرور الزمن واستمرار تواجدكم وأعوانكم في نفس المواقع بدأت التجاوزات تظهر والإهمال يتسرب، ثم زاد الأمر إلى مرحلة معادة كل من يقول: "لا".. فأصبح يهدد من قبل أمن الدولة، وحدث خلط كبير في الأوراق حتى أصبح أمن الدولة هو أمنكم، رغم أن الدولة في مفهومها هي أرض وشعب.
ومع مرور الزمن زاد الظلم شيئًا فشيئًا، وصاحب ذلك تفشي السرقات ونهب أموال المجتمع من قبل الدوائر القريبة منكم، والبعض منهم من أفراد أسركم وعائلاتكم وقبائلكم، وأصبح المواطن في أمتنا يعيش عيشة ضنكًا إلا القليل في بعض الدول التي عم فيها الخير، وبالتالي تمتع الجميع بالرفاه الاجتماعي رغم وجود فوارق شاسعة في نوعية وشكل هذا التمتع بين فئة وأخرى.
أيها السادة، إن شعبكم يعاني الفقر وعدم حصوله على حاجاته الضرورية وحقوقه الإنسانية المهمة من: مأكل وملبس ومسكن وعمل كريم ورعاية صحية واجتماعية، وبرامج للتنمية البشرية من تدريب وتكوين لشباب مجتمعاتكم.
إن هؤلاء هم ناسكم، وهم الأغلبية، ولتعلموا أن من حولكم من أمن وحرس وكتائب أمنية ومخابرات ورجال حزب ومناصرين وحتى قبيلتكم- لا يمثلون أبدًا في أكبر الدول وأعرقها ما بين 20 إلى 30% حسب أقصى التقديرات، أما الـ70% فهم الأغلبية الساحقة التي أهملتموها، وهي التي بدأت تفيق الآن، وتخرج في الشوارع، وهو ما جعلكم تنظرون بتعجب وتتساءلون: من أين جاء هؤلاء؟ وكيف كان في السابق يحشد لكم أعوانكم الحشود؛ لتهتف وتصفق لكم في احتفالاتكم ومهرجاناتكم؟!
هل هؤلاء هم أنفسهم أم غيرهم؟! نعم، بعض منهم خرجوا لكم؛ لأنهم كانوا مغلوبين على أمرهم عند تجميعهم من مقار أعمالهم أو مصانعهم أو مدارسهم، وأقول: إنه حتى الذين خرجوا وكانوا على اقتناع واحترام لما قدمتموه للبلد، فإنهم قد غاظهم استمراركم في الحكم وتغاضيكم عن الممارسات الخاطئة والسرقات والنهب لأموال الشعب، التي بدلاً من أن تُصرف على برامج تنمية لإيجاد فرص عمل للشباب أصبحت تودع في حسابات أعوانكم وأقاربكم ومسئوليكم.
من هنا يا أصحاب الفخامة، ومع استمرار الإهمال والإجحاف والبعد عن المساواة أمام القانون مع هذه الأفعال؛ بدأ الناس شيئًا فشيئًا ينسون ما قمتم به من أجلهم؛ لأن الإساءة ضدهم زادت عن الحد، فغطى اللون الأسود كل الألوان الزاهية القديمة التي كانت تتغنى بها أبواقكم الإعلامية؛ وملّها شعبكم إلى درجة من السأم والضجر، والغيظ الذي تحول تدريجيًّا إلى بركان من الحقد جاهز للانفجار في أية لحظة.
أمامنا اليوم تجارب واقعية تحدث على الساحة العربية تفجر فيها البركان الشعبي ليقف وقفة جادة ضد الظلم والاستبداد بالسلطة، والفساد المستشري؛ لكن لفت انتباهي شيءٌ مهم هو السبب الرئيسي الذي جعلني أكتب هذه السطور؛ خاصة أنه كان لي نصيب من حضور بعض من اجتماعات القمة العربية، وسمعت ورأيت مستوى الحوار والنقاش بينكم في الجلسات المغلقة!- الشيء اللافت هو وقوف الدول المتقدمة التي تعتمدون عليها ضد مَن سقط منكم، وأحدد هنا بوضوح موقف سويسرا من تجميد أرصدة الرئيس التونسي السابق وعائلته، والحجز على طائرة خاصة تتبع شركة ترجع ملكيتها إلى أحد أفراد أسرته بجنيف، وكذلك اتجاه الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ القرار نفسه ضد أموال الرئيس وعائلته وأعوانه في أوروبا ومراقبة فرنسا مراقبة دقيقة لأملاكهم في فرنسا وتكليف لجنة لحصرها.
ولعلكم تتعظون بذلك وتعلمون أن الدول الغربية والمنظمات الدولية المختلفة عندما تدور الدوائر عليكم وتفقدون مواقعكم بالتغيير الشعبي أو بالموت الطبيعي، فإنكم لن تنعموا- لا أنتم ولا أسركم ولا مسئوليكم- بما تم نهبه من أموال الشعب، خاصة عندما تكون الأمور لا مجال فيها للشك، عندما تشتري ابنة حاكم قصرًا بـ37 مليون يورو، ويشتري ابن حاكم أخر يختًا بـ7 ملايين يورو.
إن العالم اليوم بمنظماته الأهلية وسياسات حكوماته في الدول المتقدمة لن يسمح بذلك، وستعود هذه الأموال إلى أصحابها الأصليين من خلال إرجاعها إلى خزائن الدول؛ لتقام بها مشاريع تنموية لصالح الناس في دولكم المنهوبة.
ومادام الأمر كذلك، فلماذا لا تبادرون وتقومون أنتم بدورٍ يكتبه لكم التاريخ وترجعون الحق إلى أصحابه في خطوات سريعة ومحددة يمكن ترتيبها وفقًا لما يلي:
أولاً: عقد اجتماع مغلق يقوم به كل زعيم عربي مع رؤساء أكبر الشركات العاملة في بلاده، ويطمئنهم على استمرارية عملهم مقابل إبلاغه بمن يحصل منهم على رشاوى وعمولات، ويشرف بنفسه على الكشف على ممتلكات واموال اعضاء اسرته والمقربين منه ومن ثم اتخاذ ما يلزم من ترجيع هذه الأموال، "بافتراض عدم علمه".
ثانيًا: الإشراف المباشر على رفع دعاوى ضد كل من ظهرت عليه مظاهر الغناء الفاحش من أفراد أسركم والمقربين والمسئولين حولكم وإبلاغ المنظمات الدولية والبنوك في كل أنحاء العالم بهذه الدعاوى، ويخاطب القضاة المختصين في أمريكا وسويسرا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها بالتعميم على البنوك لمعرفة أرصدتهم، وطلب التحفظ عليها تمهيدًا لإعادتها إلى خزينة الشعب.
ثالثًا: النظر بجدية في كل القضايا الاجتماعية التي يواجهها مواطنوكم، والعمل على اختيار المتخصصين الشرفاء لمعالجة هذه القضايا، وضخ الأموال اللازمة لتحسين الظروف المعيشية للناس.
رابعًا: العمل على تعزيز الحريات واحترام حقوق الإنسان، والابتعاد عن الحجر الفكري؛ فالآن لا يمكن الحجر على الفكر أيًّا كان نوعه بعد التقدم الهائل في الوسائل التقنية الحديثة، وبالتالي فإن منح الحريات للناس، ومنها حرية التعبير، ستكون ضمانة مهمة لرقابة الشعب لماله، وحسن تصرف المسئولين فيه- وأقصد بالحريات هنا: الحريات المنضبطة الملتزمة التي لا تمس أعراض الآخرين ولا تعتدي على حرياتهم- وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة بحيث لا تتجاوز أربع أو خمس سنوات مع إمكانية التجديد لمرة واحدة في كل مواقع الحكم.
خامسا : التحديد وبوضوح تام مصروفاتكم ومرتباتكم وكل ما يصرف على مقاركم وادارتكم الرئيسية ووضع ذلك بكل شفافية في الموازنة العام للدولة ليعرفه كل الناس ويخضع في اوجه الصرف والمراجعة الى الاصول المحاسبية والنظم القانونية المعمول بها.
سادسا : منح حريه الاختيار للشعب في طريقة الحكم التي يرغبونها وعدم فرض الشكل الذى تمارسون من خلاله سلطتكم لان عاجلا ام أجلا ستكون السلطة للناس كل الناس بالتالي فهم من حقهم ان يختاروا شكل النظام الذى يكفل لهم الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة.
سابعا: إعادة ترسيخ الثقة المتبادلة بين المواطن من جهة والإدارة المحلية والمركزية من جهة أخرى، على عكس ما يحدث الآن، فكل مواطن عند تقديمه لأية ورقة إلى أية إدارة تجده ينظر بالشك والريبة، وذلك نتيجة الوعود الزائفة وغياب النظام؛ ما أفقد الموطن ثقته في إدارته.
وأقول في نهاية رسالتي إلى السادة حكامنا العرب: إن الفرصة ما زالت أمامكم جميعًا للإصلاح الصادق، والحديث مع ناسكم بصدق وصراحة، وأنصحكم بالبعد عن الكذب والتحايل والمراوغة على الناس، فقد حان وقت إظهار حسن النوايا؛ لأنه ليس لكم حامٍ- بعد الله- إلا شعوبكم، فقفوا إلى جانبهم، ولا تأخذكم مظاهر الزيف الكاذبة والألقاب الزائلة، وتواضعوا لشعوبكم ترفعكم؛ فأنتم ترون الواقع أمامكم اليوم؛ فلن ينفعكم الحليف الخارجي مهما كانت قوته، وليس لكم إلا شعوبكم.. والله على ما أقول شهيد.