’التطور النوعي’ ... وأشياء أخرى !
نظرية التطور النوعي تبقى حتى يومنا هذا ’فرضيه علميه’ لم يثبت صحتها بالبرهان
العلمي القاطع على الرغم مما نشر وينشر هنا وهناك من قبل بعض علماء الآثار عن
العثور على جماجم أو عظام لما يوصف بمخلوقات وسطيه بين القرد والإنسان وهو
الشيء الذي طعن في صحته الكثير من العلماء المعارضين لهذه النظرية في الغرب
والذين يدافعون بحراره عن ما يسمونه بنظرية ’التصميم الذكي’ المستندة في جوهرها
إلى الإعتقاد بالوجود الإلهي وراء ما نرى من حولنا ونحس به من تصميم بديع لما
في الكون.
وحتى أشد المدافعين عن نظرية داروين تجدهم يقبلون بحقيقة أن برهان
صحتها هو برهان فلسفي أكثر من كونه علميا ملموسا.
وعلى الرغم من كون هذه النظرية وجدت أصلا بدافع علمي يهدف إلى فهم أفضل لحقيقة
الكون -بغض النظر عن موقفنا من ذلك- فإن الأمر قد تعدى هذا الإطار عند الكثير
من العلماء والفلاسفة الغربيين وبعض الشرقيين لدرجة دفعتهم لمحاولة تفسير
ديناميكية التطور البشري في المجالات المختلفه على أساس دارويني. فهناك منهم من
يرى في الإنسان الغربي نموذجا متطورا بشكل نوعي أكثر مما هي عليه الحال لدى
الإنسان الشرقي ويسوقون كبرهان على ذلك ’القدرة الأكبر لدى الفرد في الغرب على
الإنتظام والتنسيق الجماعي’ مقارنة بالشرقي وهي سمة تعتبر من سمات الأنواع
المتطوره. ومثل هذه النظره لا بد من أن تشكل -مهما حسنت النوايا- أحد الروافد
الهامه للفكر الإستعماري الذي يجد في مثل هذا مبررا لما يميزه من صلف واستعلاء
أبسط ما يمكن القول فيه أنه معاد لإنسانية البشر.
وليس من باب الصدفه أن نكون قد سمعنا ما نسب لبوش الأب في نهاية الثمانينات من
القول بأن انتصار العرب في معاركهم في القرون الوسطى كان نتيجة لكون السلاح
المستعمل في تلك الحقبة متناسبا مع عقليتهم وبأن مثل هذه العقليه لن يقوم لها
قائم في عصر التقنيه (المدلول هنا واضح ... !)، كما أنه لا بد أن يتذكر الكثير
منا تصريح برلسكوني قبل ما يقارب السنه عن كون الحضارة المسيحيه أكثر تفوقا من
الحضارة الإسلاميه (ما هو الدافع وراء مثل هذا الخلط السطحي ؟).
يبدو أن هناك الكثير من سيئي النيه في الغرب ممن يتناسون أن نوعهم ’المتفوق’
وصاحب ’العقليه التناسقيه’ هو من أهدى العالم أكثر الحروب دموية عبر التاريخ
حيث سقط في الحربيين العالميتين الأولى والثانيه لوحدهما ما يزيد عن سبعين
مليونا من البشر وكان ذات ’النوع المتفوق’ هو من أوجد الديناميت والقنبله
النوويه وأسلحة الفتك الشامل على أنواعها ولم يتورع عن إستخدامها من أجل
أغراض مادية نفعيه تحركها غريزة التوسع الجشع التي لا يعدم مثلها أدنى الأنواع
في سلم الرقي الحيواني.
إن محاولات الإنتقاص من إنسانية بعض المجتمات البشريه
والتي يقصد منها بالذات العالم العربي والإسلامي هي الرافعه التي تحرك الهجمه
الإستعماريه الحاليه سواءا تم التصريح بذلك أم لم يتم. والأمر من الخطورة بحيث
أصبح يحتم ضرورة صحوة شامله تتضافر في جهودها مع جهود بعض القوى في الغرب ممن
لم يفقدوا بوصلتهم الإنسانيه والتى رأينا بعضا من فعلها في الإحتجاجات المناوئه
لما يحاك تحت مسمى ’العولمه’ من أجل التأسيس لمستقبل أكثر عدالة يبتعد ببني
البشر عن كل أصناف التمييز العرقي واللوني والديني ويوظف طاقات الإنسان من أجله
هو أينما كان.
كذلك فإن سطوة المستعمر وأحابيله الخبيثه لا تعفينا كعرب ومسلمين
من المسؤوليه عن إنتاج واقع أفضل يكسر الحواجز التي زرعها المستعمرعلى أرضنا
ووجدت من ثم لها إنعكاسا مستطيبا في نفوس البعض منا مكرسة التفرقه ومغيبة
للعقل الجماعي الوحدوي بشكل فتحت معه ثرواتنا القوميه على النهب المباشر وتعززت
معه ثقافة الإستبداد التي كانت منذ ولادتها نقطة التحول التي ساقتنا إلى ما نحن
فيه من حضيض مذ أضحى الفرد منا مجرد رقم في سجلات السلاطين. لقد آن لهذه الأمه
أن تتحاسب محاسبة صريحه مع واقعها وأن تراهن على وعي أبنائها الذي يجب أن يكون
اللبنه في بناء الوعي الوحدوي الذي لا بد منه من أجل الحفاظ على وجودنا في
مواجهة الطوفان الإستعماري الذي نعيش حاليا مرحلته الأولى ...