الترجمة إثراء للثقافات المختلفة
عرف اللغويون الترجمة بصورة عامة على أنها وضع نص من لغة ما في صيغة نص في لغة أخرى. يسمى النص الأول باللغة الأصل والنص الجديد باللغة المستهدفة. إلا أن الدور المهم هنا هو ذلك الدور الذي يقوم به المترجم موظفاً فيه إمكانياته اللغوية والثقافية في النصين الأول والثاني فكلما كان المترجم متمكناً ويمتلك ناصية اللغة، كلما اقترب بترجمته وبنصه الجديد من الوضوح والجمال، والموضوعية وحسن المبنى والمعنى في نصه الجديد.
لقد اهتم السلف بالترجمة فناُ وعلماً، الأمر الذي ساعدهم على نقل فهم الحضارات والتفاعل معها، وبالتالي نقلها من مكان إلى آخر. وقد كان للعرب دور مهم في هذا المضمار حتى أنّ هارون الرشيد قد أنشا في دولته مدرسة لهذا الفن وأمدها بالمال وجلب لها المترجمين الأكفياء (الأكفاء هم المكفوفين ولكنها تستخدم خطأً لتعني أصحاب الكفاءة). وظهر مترجمون مبرزون منهم حنين ابن إسحاق ويوحنا البطريق. لقد ساهمت المدرسة في نقل الحضارة الإغريقية إلى أوروبا حيث ترجم القائمون عليها ما كتبه الإغريق إلى العربية، ومن ثم نقله الأوروبيون إلى لغاتهم. وفي مصر أنشا رفاعة رافع الطهطاوي مدرسة الألسن عام 1835 وكانت هذه المدرسة قد قدمت الكثير من الترجمات عن الفرنسية إلى العربية والعكس. كما أنها قامت بدور مهم إبان الحملة الفرنسية على مصر، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المدرسة مازالت حتى يومنا هذا، بل هي الآن إحدى كليات اللغات المهمة التابعة لجامعة عين شمس المصرية. وهناك كلية اللغات والترجمة بالأزهر، وكليات اللغات والترجمة بالجامعات السعودية، ومدرسة الترجمة بجامعة الخرطوم ومدارس أخرى لتعليم الترجمة ودراسة فنونها في الجامعات البريطانية. كما أن الأمم المتحدة تبدي اهتماماً كبيراً بهذا المضمار فأنشأت مدرسة للترجمة في فينا بالنمسا.
هذا كله جاء نتيجة حتمية لما ثبت فيما بعد أنه ضرورة فالعالم اليوم أصبح صغيراً بفضل التقنيات العالية والتقدم العلمي المذهل، وازدهرت التجارة وكثرت الأسفار بين البلدان لأكثر من سبب، وصار تعارف الأمم وإدراكها لحضارات وثقافات وطرق تفكير بعضها البعض أمراً ضرورياً بل ومهماً أكثر منه عن ذي قبل. كما صارت بعض اللغات الحية ولأكثر من سبب، مفتاحاً للثقافة، وعبر الترجمة يمكن القول أن الثقافات تتأثر وفي هذا السياق اقتبس قولاً للأستاذ الدكتور جيمس بوزورث ـ الذي عرفته عندما كنت طالباً ببريطانيا كأستاذ للدراسات العربية والإسلامية وهو وباحث مهتم بعلم اللغويات بجامعة مانشستر ومعروف بمعاداته للعربية والإسلام "إن قصة تأثير الأدب العربي في الأدب الإنجليزي ترجع إلى أواخر العصور الوسطى ومع ذلك فإنه ليس من اليسير علينا أن نعزل الأدب العربي على وجه التخصيص على التأثيرات الإسلامية وتأثيرات الشرق الأدبي عامة" ويشير الدكتور بوزورت إلى محاولة فاشلة وصفها بأنها ترجمة هزيلة عسيرة لفهم القرآن الكريم قام بها الأُسكتلندري الكسندر روس وهي ترجمة للترجمة الفرنسية للسيد آرنه دورية ولكن الترجمة التي تفوقها بكثير والمترجمة عن العربية مباشرة قد ظهرت في عام 1734م بفضل جورج ستال الذي كسب نال معرفة رائعة باللغة العربية في سوريا حيث كان قساً من جماعة المشرق والذي كان قادراً على القيام بالشرح الوفير الذي من شأنه أن تفهم ترجمته فهما أفضل مستعينا في ذلك ب" أسرار التنزيل" للبيضاوي و" تفسير الجلالين" للسيوطي. ورغم أننا في هذا المضمار لا يمكننا حصر التراجم التي قدمت إلا أننا نود أن نلقي الضوء على أكبر عدد ممكن منها ونود هنا أن نشير إلى قصة عربية مشهورة وإن ابن طفيل هو الكاتب الحقيقي لهذه القصة. وهو الذي لفت أنظار العالم كله إليها وإن قصته من أعظم قصص العصور الوسطى ابتكاراً، وقد كان لهذه القصة الأثر الفعال في الآداب الأوروبية بعد عصر النهضة وذلك بعد أن ترجمت إلى لغات أجنبية مختلفة وانتشرت طبعاتها في كل مكان فقد ترجمت إلى العبرية سنة 1280م، (679 هجري)، على يد اليهودي إسحاق بن لطيف، ثم زاد عليها موشيه بن يشوا الملقب بالشرنوبي، بعض الحواشي والشروح. كان هذا عام 1349م، الموافق 750هجري وفي العام 1671 ظهرت طبعة جيدة تحمل النص العربي للقصة مع ترجمة لاتينية قام بها ادورد بوكوك وقد كانت مصدراً لعدة ترجمات ظهرت بالإنجليزية فيما بعد ، كما تنسب إلى سبينوزا ترجمة لقصة حي بن يقظان من اللغة اللاتينية إلى اللغة الهولندية ،ويذكر فاروق سعد في كتابه عن حي بن يقظان أن جورج كيث قد قدم في العام 1674م ،ترجمة رائعة باللغة الإنجليزية عن النص اللاتيني المترجم عن العربية أصلاً, ويعدها بعدة سنوات أي في العام 1686م وظهرت ترجمة أخرى للقصة من اللاتينية إلى الإنجليزية قام بها جورج آشويل، وفي عام 1708م، نشرت ترجمة إنجليزية لقصة حي بن يقظان أعدها سيمون أوكلي معتمداً على النص العربي المحقق من بوكوك وتتميز ترجمة أوكلي بأنها كاملة .أما عن الترجمات الحديثة فقد قام ب. برومل بترجمة حي بن يقظان إلي الانجليزية عام 1904 م.
وعرفت اللغة الألمانية ترجمة لقصة بن طفيل (حي بن يقظان) قام بها ج. بارتيوس ونشرت في فرانكفورت عام 1726 م. كما أنّ هناك ترجمة أخرى لقصة حي بن يقظان إلى اللغة الألمانية قام بها ج. ج. أيكورم, ونشرت في برلين عام 1783م، وفي عام 1900م، نشرت في سرقسطة الترجمة الأسبانية لقصة حي بن يقظان وقام بها ب. بونز، وحديثاً في العام 1937م ظهرت ترجمة أخرى إلى الأسبانية قام بها أنخل غونثالث بالنثيا وترجم ليونغويته قصة حي بن يقظان إلى الفرنسية, وقد صدرت إحدى طبعات هذه الترجمة في بيروت عام 1936م.
ولعل غويته هو أول من بحث علاقة قصة حي بن يقظان بقصة روبنسون كروزو المكتوبة عام 1719م في بريطانيا, تحت عنوان مغامرات عجيبة في قصة حياة روبنسون كروزو. ووقف غويته عند حد افتراض إطلاع دي فو على قصة ابن طفيل. في دائرة المعارف الإسلامية ذهب إلى اعتبار أن كروزو تمثل نمطاً للرجل العلمي دنيوياً في حين يمثل حي بن يقظان مثلاً للحياة التأمليه التصوفية. ويأتي ايرنست بيكر في كتابة تاريخ القصة الإنجليزية الصادر في لندن سنة 1943م، ليعتبر حي بن يقظان أحد المصادر المحتمة لقصة روبنسون كروزو وينضم ويليام كيري وليفيج أولوفسون إلى أولئك الذين جزموا بإطلاع دي فو على قصة حي بن يقظان في حين يقف أوغسطين سيرارو، وديرهارو، و يختناش دون الجزم. أما الكتاب العرب عمر فروخ و محمد غلاب، وعلى المصراتي و قدري طوقان وكمال اليازجي وانطوان كرم وابراهيم مدكور وحمد لطفي جمعة و لطفي عبد البديع وسعيد عبد الفتاح عاشور وكامل الكيلاني فقد ذهب جميعهم على تأكيد أثر قصة حي بن يقظان في قصة روبنسون كروزو. هذا ويخلص مدني صالح في مقاله المنشور في مجلة "الأقلام" الصادرة عن وزارة الإعلام والثقافة العراقية العدد التاسع الصفحة الثانية عشرة إلى قصة روبنسون كروزو فهي "عنصر من عناصر بيئة دي فو الثقافية" ويؤيد هذه الحكاية فاروق سعد محقق القصة وصاحب كتاب حي بن يقظان لابن طفيل.
وفي اللغة الألمانية كان للترجمة من العربية أثر في أعمال الأدباء الألمان، ويقول الشاعر المعروف غوتيه أن من أعظم سمات الأدب العربي هو ما ندعوه نحن الألمان ثقابة الفكر، وثقابة الفكر هذه هي التي تمنح الأدب العربي ميزة إدراك جوهر العالم والسخرية. وقد أعطى غوتيه اهتماماً خاصاً بشعر المديح في الأدب العربي. وكان هذا بطبيعة الحال عبر الترجمة إلى الألمانية، أما الشاعر الأمريكي اللاتيني فلاسباسا فقد ترجم ملحمة فوزي المعلوف "على بساط الريح" إلى الاسبانية بل وقدم لها بمقدمة جميلة وأشار إلى أهمية العربية فقال: "إن روح اللغة العربية تمد معجمنا بما ينيف عن ربع مفرداته كما أن أنوار آدابها ما فتئت تلهب مخيلاتنا بأشعتها وتسعر دمائنا بحرارتها، وأن جل آدبنا وشعرنا متأثر بروح عربية محضة ونحن الاسبانيين يتعذر علينا اتمم أبحاث تاريخنا وأدب لغتنا ما لم يستعن مؤرخونا ونقادنا بلغة المعتمد وأبي البقاء ... وليس في طاقتنا نحن الأندلسيين أن نجحد دين أسلافنا المسلمين... اننا لو انتزعنا بعض الكلس عن جدران جل كنائسنا لوجدنا تحته لمعاً مذهباً لاسم الله الأقدس المحفور باللغة الكوفية، وكذلك لو خدشنا بالأظافر بشرتنا الأوروبية البيضاء لبرز لنا من تحتها لون بشرة العرب السمراء."
تعتبر حكايات ألف ليلة وليلة (التي يشكك بعض الأوروبيين في أصلها) كما كتب الباحثون، عربية الأصل في أجوائها ومناخها وأسمائها ومسمياتها، وقد ترجمت أعداد كبيرة من هذه الحكايات إلى لغات عده أولها الفرنسية حين ترجمها غالان في أواخر القرن السابع عشر، لكن أجزاء الكتاب نشرت فيما بين العامين 1704-1713م ، وقد كان لها عظيم الأثر في الأدب العالمي.
لقد مالت ترجمة غالان إلى التصرف في النص ومع ذلك فقد بقيت المعتمدة بين الناس، ثم ترجمت طبعة غالان إلى الإنجليزية ونشرت في لندن ما بيم 1712-1715م وترجمت إلى الإيطالية ونشرت في البندقية عام 1732م وترجت إلى الهولندية ونشرت في أمستردام في العام 1745م وترجمت إلى اللغة الدنماركية ونشرت في كوبنهاجن عام 1745م وترجمت إلى الروسية ونشرت في موسكو عام 1763م ثم ترجمت إلى العبرية والألمانية ونشرت باللغتين في فرانكفورت عام 1794م. هذا وقد ترجمت ألف ليلة وليلة من العربية إلى الأسبانية على يد أ. غالاند في العام 1704م ونشرت تحت عنوان "قصص عربية"، كما نقلت ألف ليلة وليلة من الفرنسية إلى الأسبانية على يد الدكتور ج. س. ماردوث ونشرت عام 1889م.
لقد كان أثر ألف ليلة وليلة وما زال تأثيراً جوهرياً في الآداب الغربية بداية من أدب الأطفال ونهاية بأدب الصفوة من الغربيين خاصة وأنهم قد عندما فتنوا بطريقة السرد والحبكة، وعناصر التشويق التي بنيت على أساسها فكرة الحكايات، هذا ناهيكم عن المناخ الثقافي العام والأجواء الشرقية الخلابة التي عكستها الحكايات.لقد كان إعجاب الكلاسيين في القرن الثامن عشر إعجاباً عظيماً وكتبوا على منوالها وصار الشرق موقعاً لبعض كتاباتهم مثل رواية صاموئيل جونسون (راسيلا أمير الحبشة) وهي رواية تحكي قصة أمير الحبشة الذي ارتحل إلى مصر لكي يعيش فيها محاولاً أن ينسى التاريخ لكنة لا يستطيع أن يعيش بلا تاريخ. وكتبوا بعض المسرحيات التي جاءت ضعيفة مثل (أحدب بغداد) و (العربي) ، ثم كان إعجاب الرومانتيكيين في القرن التاسع عشر جعلهم يقلدون هذه التحفة الأدبية الرائعة فنسج ويليام بيكفورد أشهر عمل أدبي رومانتيكي بنى له كوخاً حتى يكتب فيه نصه الأدبي! ظهر أثر عمل بيكفورد فيما بعد في أشعار اللورد بايرون التي نظمها عن الشرق.
أنظر إلى إعجاب الشاعر الايرلندي الشهير ويليام بتلر ييتس بقصص ألف ليلة وليلة وهو إعجاب فاق كل إعجاب، ومن بين ما كتبه عن الأسلوب الخيالي لهذه الحكايات اخترنا هذه الكلمات: "من البداية حتى النهاية نرى أنها عاطفية ومهمة وأن لها قوتها الفاعلة من خلال أحداثها البارزة والمؤثرة في النفس والتي تبين ميزة سرد الرواية عند النساء، وعلى أي حال فإن منطقها لا يقاوم لأنه منطق العواطف والأحاسيس." كما أن ييتس كان يقول في حضور أصدقاءه "وددت لو أرحل إلى الشرق فأعيش فيه وأدفن فيه، فالحكمة هناك." وكان مما أعجب ييتس أيضاً "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري. وما فتىء ييتس يكتب لأصدقائه وللمقربين منه عن إعجابه بالشرق وحضاراته التي من معالمها الأدبية ألف ليلة وليلة، وفي محاضرة ألقاها في أمريكا في العام 1943 قال الشاعر انه يود قراءة مؤلفات ستة كتاب ذكر منهم أربعة وجعل ويليام شكسبير أولهم، ثم ذكر ألف ليلة وليلة وبعدها ويليام موريس الذي أعطى ييتس – كما يقول – كل القصص العظيمة التي كان من بينها هومر وساغاس، وفي الختام ذكر بلزاك.
في مقام أخر يقرا الكاتب الألماني فيلهام هاوف (1802-1827م) ترجمة ألف ليلة وليلة فينعكس أثرها على كتاباته فتراه بعدئذ يكتب قصصاً يجعل أحداثها تدور في دمشق وبغداد ويكون الأبطال فيها بأسماء عربية كفاطمة وسعيد. كما حاول تقليد عنصرالتشويق فكانت أولى قصصية بعناوين (القلق الخفي) و (حكاية السفينة الشجية) و (حكاية اليد المقطوعة) و (إنقاذ فاطمة) و (مصير سعيد). وقد سما هذه المجموعة القصصية ب (القافلة).
وفي العصور الوسطى تأثر الشاعر الإنجليزي جيفري تشوسر بأُسلوب هاوف في الكتابة في مجموعته الرائعة (حكايات كانتربيري) ، وهذا بطبيعة الحال تأثير غير مباشر للثقافة العربية. كما أن هذا التأثير أي تأثير ليلة وليلة ظهر في كتابات أحد مشاهير الأدب الفرنسي، ألا وهو فولتير الذي
كتب 49 كتاباً اتسمت بالطابع الشرقي وكان أهمها "كاندير" وهي رواية تدور أحداثه في الجزائر وتونس وطرابلس الغرب والإسكندرية وأزمير واسطنبول وقد لاقت كاندير رواجاً عجيباً حتى أنها
طبعت أربعين مرة خلال عشرين عام.
لقد كان للعرب في المهجر دور رئيسي في هذا المضمار فمن أهم ما نقله المغتربون العرب إلى البرازيل كتاب "كلية ودمنة"لابن المقفع. والذي ترجمه راجي باسيل.ونقل يوسف الخوري "تاريخ العرب" الذي ألفه فيليب حتى، كما نقل موسى كريم كتباً كثيرة جلها من تأليفه ومنها (شعراء وخلفاء)، (مصير الخلفاء الراشدين)، (المتنبي)، (المعري) ، (أبو نواس) ، (عمر بن أبي ربيعة) ، (رحلة بن بطوطة) ، (دراسة دانتي( ، (رسالة الغفران) ، (جبران) ، (قصص سورية) ، (ملحمة عبقر) ، (حدث في دمشق) ، (مقدمة بن خلدون) ، كما ترجم يوسف الخوري (مقدمة بن خلدون) وهي في ثلاث مجلدات ذات فهارس وشروح وافية .
وفي عام 1825 كتب المستشرقون شولتز مقالاً دعا فيه المستشرقون والعرب إلى ترجمة بن خلدون لأهميتها العلمية وبناء على المستشرق كاترمير عام 1858 م، بترجمة المقدمة. ولكنه مات قبل أن ينتهي من ترجمتها فواصل البارون دي أرسلان ترجمة تلك المقدمة ترجمة تلك المقدمة حتى انتهى منها عام 1868 م، مما ساعد على دخول بن خلدون إلى أوروبا في الفقرة التي كان فيها علماؤهم يسعون إلى تطوير العلوم التاريخية والاجتماعية. وفي العام 1899 م، ظهر للعالم الفرنسي جلمبو لويز كتاب بعنوان: "عالم اجتماع عربي في القرن الخامس عشر" ويظهر أثر أعلام بن خلدون عبر ترجمات كتبه حتى القرن العشرين، وترى الاقتصادي الإيطالي كولو سيو ستيفان في كتابه الذي نشره عام 1914 م ، حول بن خلدون يقول : "إن بن خلدون يعتبر واضع أسس علم جديد أي نقد التاريخ ميكافيلي، ومنتيسكيو، وفيكو." وأضاف: "أن بن خلدون قد استطاع في العصر الوسيط أن يكشف مبادئ المساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسة قبل كوندسيه، وبوكنين، ماركس."
وها هو الكتاب السوفيتي المبدع تولستوى يعترف بما في الثقافة و التراث العربي من قيم إنسانية عالية. كما أشاد تولستوي بما في الدين الإسلامي من فكر راق، وأظهر تعاطفاً واضحاً مع ما اطلع عليه من أحاديث الرسول محمد علية الصلاة والسلام فألف كتاباً سماه "حكم النبي محمد" نقلة إلى العربية سليم قبعين، والكتاب أصلاً ترجمة لأحاديث نبوية – كما يظهر من عنوانه – ترجمها تولستوي أصلاً من الإنجليزية إلى الروسية عن كتاب ألفه الكاتب الهندي عبد الله السهروري ، وفيه نقل الأحاديث من العربية إلى الإنجليزية، وقد اختار منها تولستوي ما أحب.وقد قال تولستوي بأن ما دفعه إلى هذه الترجمة هو تحامل جمعيات المبشرين في قازان التي هي من أعمال روسيا، على الدين الإسلامي، ونسبتها إلى صاحب الشريعة الإسلامية أموراً تتنافى مع الحقيقة، تصور للروس تلك الديانة وأعمال معتنقيها بصورة تغاير حقيقتهم وواقعهم. وقد قدم تولستوي للكتاب بمقدمة تحدث فيها عن قضايا كثيرة تتصل بالمسلمين و الإسلام في روسيا. وقد ضرب أمثلة من أقوال المستشرقين وغيرهم قبل أن يصل إلى الأحاديث التي ترجمها. هذا وقد لخص في كتابة الأصول البارزة للدين الإسلامي، وعرض لحياة النبي محمد علية الصلاة والسلام، وتقشفه وصبره ومعاناته مع الكفار.
لقد حاول سلمان الفارسي أن يترجم القرآن الكريم إلى الفارسية.
وفي العصر الحديث، تمت ترجمة كتاب عبد الرحمن الكواكبي "طبائع الاستبداد" إلى الفارسية. وقد كان لهذا الكتاب كبير الأثر على تفكير الداعين لقيام ثورة دستورية في إيران. كما قد ترجمت أعمال من الأدب العربي المعاصر إلى العديد من اللغات فعلى سبيل المثال لا الحصر نرى أعمال طه حسين ونجيب محفوظ تترجم إلى عدة لغات، وحديثاً ترجمت روايات نوال السعداوي، ولا ننسى ما ترجم من أعمال أدونيس، و روايات الأديب السوداني الطيب صالح وما ترجم من أعمال أدباء فلسطين الذين نذكر منهم الشاعر المبدع محمود درويش والروائية سحر خليفة والشاعرة فدوى طوقان.
الترجمة في هذا الإطار، بدأت منذ زمن بعيد، في صدر الإسلام، المختلفة على ى اللغة العربية بعضها البعض عبر الترجمة، خاصة مع تقدم العلوم والتقنية فهو تأثير هائل خاصة في العصر الحديث. في الواقع انه لا مجال مطلقاً لحصر ذلك التأثير. ومما ساعد على سهولة نقل الثقافات والترجمة هو سهولة المواصلات ووسائل الاتصال وازدياد عدد الدارسين العرب في البلدان الأوروبية والأمريكية وما عادوا به من أفكار جديدة سواء كانت ملائمة لبيئتنا و ثقافتنا أم لا. ويجب ألا نهمل الهجرات العربية إلى الغرب وما تبع ذلك من تبعات، ومن أهم تلك الهجرات هجرات اللبنانيين والسوريين إلى أمريكا اللاتينيه ... ها هو فوزي المعلوف يعّرب بعض قصائد فيلاسباسا، وينقل عرباً آخرين بعض أعمالاً أدبية عن البرتغالية ومنها كتاب تسانطوس "مركيزة" الذي ترجمه نظير زيتون، و "شهيد جلجلة" الذي ترجمه اسكندر كرباج، و "كن ثلاث أخوات" من ترجمة يوسف البعيني، كما عرّب نخلة ورد عن الأسبانية والبرتغالية مجموعة قصصية صدرت في دمشق عام 1964م بعنوان "مختارات من الأدب البرازيلي" ولو أكملنا الحديث عن التراجم على سبيل لصار لزاماً أن نذكر رائعة مكسيم جوركي "الأم" وقد أُخذت عن الفرنسية والإنجليزية للنص الروسي. وترجمة رائعة فيكتور هوغو "البؤساء" ثم ترجم د. بديع حقي أشهر أعمال الأديب الهندي ربندرانات طاغور في الذكرى المئوية لوفاته وتضمنت تلك الأعمال "جني الثمار" و "البستاني" و "مكتبة البريد" و "الهلال" و "جيتنجامي" كما ترجم أحمد عبد الغفور رواية طاغور "الزنابق الحمراء." لم نتكلم حتى الآن عن ترجمات روائع ويليام شكسبير سواء المأساوية أو الكوميدية أو التاريخية، وكذا أشعاره أو سونيتاتة المتميزة. من خير من ترجم أدب شكسبير الدكتور جبر إبراهيم جبرا. وقد اهتم العرب أيضاً بترجمة أعمال الروائي الفيكتوري تشالز ديكينز، والمسرحي كريستوفر مارلو، واهتموا بالشعر الإنجليزي الرومانسي أيما اهتمام فدرسوه وترجموا أشعار وردزورث، وبايرون وكيتس وشيلي وكوليردج، الخ. كما ترجموا أعمال الكاتب المسرحي النرويجي هنريك إبسن ... وترجم العرب روائع الأدب الفرنسي من أعمال راسين وفولتير وموليير. من المهم ذكره أن ما ساعد على اهتمام العرب بترجمة تلك الأعمال كان نتيجة لاهتمام الجامعات في البلدان العربية بالآداب الغربية، خاصة الإنجليزية والفرنسية منها، واهتمام وزارات الثقافة العربية ومساهماتها الكبيرة في ترجمة تلك الأعمال.
وفي مقام الترجمة يجب أن نذكر كتاباً صدرعن اتحاد كتاب فلسطين في العام 2003م وضم ترجمة إنجليزية لستة قصص قصيرة من الأدب الفلسطيني التراثي والمقاوم في فترة السبعينات من القرن العشرين. يقع الكتاب في 135 صفحة من القطع المتوسط، ومن ترجمة سعيد إبراهيم عبد الواحد. كما يجب أن نذكر كتاباً مهماً صدر حديثاً ضم بين دفتيه مختارات من الأدب العربي النسائي ترجمت من العربية والفرنسية إلى الإنجليزية. ذلك الكتاب هو (فتح الأبواب: انثولوجيا من كتابات المرأه العربية) وقد صدر من الكتاب طبعتين الأولى في العام 1990 والثانية مزيدة ومنقحة ظهرت في العام 2004م. وما ترجم في ذلك الكتاب عن اللغة الفرنسية هو من إبداع نساء عربيات من بلاد المغرب العربي اكتسبن ثقافة فرنسية فكانت وسيلتهم للتعبير عن الذات. إضافة إلى المقدمة الغنية قسم الكتاب إلى أربعة أقسام: كتابات مرحلة الوعي، وكتابات مرحلة الرفض، وكتابات مرحلة الفعل والنشاط ثم خصص الجزء الأخير لمختارات ترجمت إلى الإنجليزية. الجزء الأخير هو إضافة جديدة للطبعة الثانية وهو مختار مما صدر عن المرأة العربية من الفترة 1990-2003م. لقد عرض الكتاب لشاعرات وروائيات ومبدعات من كل أنحاء الوطن العربي من موريتانيا والمغرب إلى العراق والسعودية والكويت واليمن والسودان على أي حال لابد من القول بأن الكتاب شمل كتابات من أرجاء المعمورة العربية وقد كان لمصر الدور الأبرز في ذلك النشاط النسائي ودور ريادي جاء من لبنان وسورية وفلسطين. لقد راعى الكتاب ابداعات من العام 1867 (قصيدة لوردة اليازجي من لبنان) و العام 1887 مقالاً بعنوان: نتيجة الظروف في كلمات وأفعال بقلم عائشة عصمت التيمورية من مصر، ومقال فجر الصحافة النسائية العربية بقلم هند نوفل (1892) من سورية، ومختارات من كتابات نبوية موسى (1920) وهدى شعراوي (1945م) كما ضم الكتاب على سبيل ترجمة لوثيقة أصدرتها مجموعة نساء مصريات بعنوان (الحقوق القانونية للمرأة المصرية) (1988م) ووثيقة أخرى صدرت عن مجموعة من النساء الكويتيات بعنوان (من المقاومة الوطنية إلى النشاط النسوي) (1997). ويقع الكتاب في 462 صفحة وهو من تحرير مارغوت بدران وميريام كوك ومن إصدارات انيدانا يونيفرستي برس بالولايات المتحدة.
رغم ذكر هذا الكم من الأسماء والأعمال المترجمة إلا أننا ما زلنا على يقين أن ترجمة أعمال كاتب واحد هو أمر يستحق أكثر من دراسة، وأكثر من مقال. وفي الختام أرجو أن أكون قد وفقت في إلقاء الضوء على العديد من الأعمال المهمة في سبيل بيان أهمية الترجمة وبيان الحاجة الماسة إلى مواصلة الاهتمام بالترجمة علماً وفناً في سبيل تواصل المعرفة وتلاقح الثقافات. لقد نشأت حديثاً الجمعية الدولية للمترجمين العرب ومن هذه الجمعية وخبرائها والقائمين عليها نأمل أن يزداد الإهتمام بموضوع الترجمة لأغراض ثقافية وأدبية فربما تنجح هذه المجموعة من الخلصين والمجتهدين العرب المهتمين باللغات فيما فشلت فيه وزارات ثقافة عربية كثيرة. يجب أن نتذكر دوماً أن نسبة ما يترجمه العرب في الزمن الحاضر لا يتجاوز ثلاثة في المئة من الإنتاج الفكري والثقافي العالمي فحال الترجمة ليس بأفضل من حال العلوم والفنون الأخرى عند المجتمعات العربية المعاصرة. وفي الختام كلمة لابد من قولها وهي أن علينا كأمة أن نجتهد في سبيل أن نصير في مصاف الأمم الأخرى في ظل هذا التنوع الثقافي الهائل والانفتاح الهائل خاصة مع وجود المحطات الفضائية ووسائل الاتصال التكنولوجية المعاصرة التي فاق أدائها وإنجازها ما يتصوره العقل
مشاركة منتدى
29 أيلول (سبتمبر) 2015, 17:10, بقلم hawa
اريد رسالة تعارف وليس الترجمة إثراء للثقافات المختلفة