الاثنين ١٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٤
بقلم عادل القرين

الأستذة

بداية دعونا نُعرف ما معنى "الأستذة" بمنظورنا المُتعارف، ولهجتنا العاميٌة والمحلية الدارجة.

ــ هي ادعاء المعرفة في كل مطروحٍ، وبلورتها لزاوية الذات ولفت الانتباه.

ــ وهي ادعاء المعرفة الشاملة، وانتقاض الآراء "المُفاحلة"، أو المخالفة.

ــ وهي ما يكثر بها الاستشهاد بأنا وأنا، وبرأيي، وحسب اطلاعي؛ للوصاية الدامغة، وغاية الصنمية النابغة.

ــ وهي ما يُكثره كل مُدعٍ بالفضل، وتشكيل الفصل لتلميع ذاته.

ــ وهي لكل من يستحوذ على وقت غيره بإظهار نفسه؛ في كثرة المقاطعة الغير مُبررة باسم (الميانة، أو أنا راعي مكان).

ــ وهي لكل من تتغير ملامحه لكلام غيره؛ وحينما يتمكن به المقام يتدخل في كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة.

ــ وهي من يُميّع سؤال غيره لنفسه بأسلوب مؤدلجٍ وتشكيلٍ مُلمعٍ.

ــ وهي لكل مدعٍ بهذا الاختصار: لولا وجودي، لساخ العلم والمعلوم، وتغربل الحزم والمحزوم.

والسؤال هُنا:
كيف تتجذر وتظهر هذه الظاهرة الصوتية أي ــ الأستذة ــ فيما بيننا؟

حقيقة، تظهر في عدة جوانبٍ وأماكنٍ منها:

1/ جهل الوجود أو الحضور بالشخصية الماثلة أمامهم.
2/ معرفتهم لهذه الشخصية، ولكن امتهن البعض ابتسامة (التسليك)، وسخرية (عطه جوه)، على تمام تنوع الطعام والتصوير.
3/ اعتادوا الوصاية، ولبس العباية.
4/ حب الوجاهة المُقنّعة؛ (وعطه القيمة تتنومس الغنيمة).
5/ المصالح المشتركة بين المُعد، (والأدفانس/ Advance)، وهو المُهاجم في لعبة كرة الطائرة.

من باب الاستشهاد: كُنا في أحد المقاهي القريبة، فتحدث أحد الإخوة عن شخصيةٍ ما في بيانه وكيانه، وأطره بالأفضلية والأرجحية على العموم، وكذلك العُمق في كلامه ومُحاضراته!

فرد أحد الحضور بهذا السؤال: هل من امتدحته بهذا يقبل السؤال والمداخلات؛ أم أنه يرمي وصايته من على الكُرسي ويحار الإجابة؟

فاستشهد من بالجوار بذات السياق للجلسة: كان عندنا أحدهم في مجلسنا المُقام كالمُعتاد ليلة خميس، فأخذ هذا يُصعّد هذا، وينتقص من ذاك؛ والجميل في الأمر أن البعض أخذ يُصور ويُسجل حديثه عبر برامج التواصل الاجتماعي؛ وحينما أتيت من عملي الراهن، كان يجلس بعد الانتهاء للدردشة وما يُسمى بالنقاش، وأخذت أستفهم عما طرح في ذاك الأسبوع!

فرد عليّ ونظراته تتلاعب على بياض الجليد: المقام لا يسمح الآن، وادعى الانشغال، وهرب من المجلس في آنه!

نعم، قيمة أيُّ متحدثٍ حينما ينزل بين الناس، أن يحترمهم، ويُشاركهم حديثهم، واستفهامهم، بالصدق، والأمانة والاهتمام؛ لا أن أن يتشدق عليهم بمقاماته، وشهاداته، وإنجازاته، وكلمات المغربلة في لسان العرب!
فعنوان الغاية إظهار الدراية، وصدق من قال: "مفتاح العلم السؤال".

أجل، "الأستذة" الحقيقية، (هي/ هو) من يُحرق نفسه كالشمعة التي تُضئ طريق العتمة، بالنزول لكل الألباب، والمستويات، والنهوض بها للأسمى والأجمل؛ لا أن "نأخذ من أكياسهم ونُعيدّهم"، كما تناوله هذا المثل الأحسائي المعروف باستغلال المال، واستغفال الجهد، والوقت، لتسليط الأضواء على المآرب الذاتية.

ختاماً:
ليست الثقافة الحقيقية حشو الأسماء، وكثرة الاستشهاد، وتأطير القناعات، وصعوبة المُفردات، والاستعلاء، والصراخ، وعذوبة الصوت..

فالثقافة الحقيقية بالمُجمل المُختصر: هي كسب العقول بكل التجليات المعروفة بالتكامل والتواضع والتواصل وحُسن الثواب..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى