ادعاء القرد وكذب الزنج أمام صعود الحضارة المصرية القديمة
أثناء فترة العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية كان هناك نوعان من العبيد: زنجي المنزل وزنجي الحقل. زنجي المنزل كان يقطن في المنزل عند الأسياد، وكان يرتدي حُلة جيدة ويأكل مما تبقى من فتات سيده المعظم، وقد كان يسكن في علية البيت أو السرداب؛ ورغم ذلك قد أحب سيده أكثر من نفسه، وكان على أتم الاستعداد للتضحية بحياته لإنقاذ منزل سيده، بل كانوا في ذلك أسرع من السيد نفسه. إذا نشبت النيران في منزل السيد؛ كان زنجي المنزل يكافح الحرق بأقوى مما يكافح السيد نفسه وإذا مرض السيد كان زنجي المنزل يقول: «ما الأمر أيها السيد، أنحن مرضي؟» لقد تماهي الزنجي مع السيد بأكثر مما تماهي السيد مع نفسه وتمادى في حبه له أكثر من حب السيد لزوجته! وإذا أتيت زنجي المنزل وقلت له: «هيا نهرب فلننج بأنفسنا ونلوذ بدربنا»، نظر إليك وقال: «اللعنة عليك يا رجل! هل جننت؟ ماذا تعني بالهروب؟ أين نجد بيتًا أفضل من هذا؟ أين يمكنني أن ألبس زيًا جيدًا مثل هذا؟ وأين أستطيع أن أكل طعامًا طيبًا مثل هذا؟» هكذا كان زنجي المنزل، وكان يدعي في تلك الأيام (عبد المنزل)، وهذا ما ندعوهم به لأنهم ما زالوا بيننا عبيد منازل يركضون ويحومون من حولنا! كان زنجي الحقل يلقى العذاب، ويأكل بقايا طعام سيده، وحين تشب النيران في منزل السيد (الأبيض)، لم يكن يحاول إطفاء اللهب، بل كان يصلي لكي تهب الرياح وعندما يمرض السيد، كان زنجي الحقل يُصلي لموته، وإذا أتي أحدهم زنجي الحقل وقال له: «هيا نهرب، فلننفصل عن البيض»، فأنه لم يكن ليقول: «إلى أين نذهب؟» بل كان يصمت دهرًا، ويرثي ليله بعبارات من الشجن؛ فكما استخدم سيد العبيد في تلك الأيام زنجي المنزل، كان ذلك زنجي الحقل سلمي وخاضع لسيده، ولكنه حالم وروائي كاذب لتاريخ سلفه من العبيد والتابعين لأسيادهم المصريين القدماء بالقارة الأفريقية.
أُثيرت مسألة عرق المصريين القدماء تاريخيًا كنتيجة للمفاهيم العنصرية المبكرة في القرن الثامن عشر، وارتبطت بنماذج من التسلسل الهرمي العنصري المبنية على علم القياسات البشرية. وُجدت مجموعة متنوعة من الآراء المتناولة بين الأطراف حول الهوية العرقية للمصريين ثقافًة ودينًا ونيلًا وشمسًا أصيلًا. جادل بعضهم أن ثقافة مصر القديمة قد تأثرت باللغات الأفروآسيوية في شمال إفريقيا أو الشرق الأوسط، بينما أشار آخرون إلى التأثيرات القادمة من مجموعات سكانية مختلفة مثل أهل النوبة والأوربيين. استمر بعض الهراطقة من المتبحرين في علم الكلام من فصاحة الفلاح وعلم الهوى برواية مُنى، مؤخرًا في تحدي وجهة النظر السائدة، بينما ركز البعض على التشكيك في عرق أفراد بارزين، مثل: الملك (توت عنخ آمون) والملكة (تيي) من الأسرة المصرية الثامنة عشر، والملكة (كليوباترا). صرَّح (جان فرانسوا شامبليون) بعد بضع سنواتٍ فقط في عام 1839م، بأن المصريين والنوبيين مُثلوا بالطريقة ذاتها في اللوحات والنقوش، مُقترحًا: «في أقباط مصر، لا نجد أيًا من السمات المميزة للسكان المصريين القدماء، فالأقباط هم نتيجة التهجين مع جميع الدول التي سيطرت على مصر سابقًا بنجاح، ومن الخطأ البحث عن السمات الرئيسية للعرق القديم ضمن الأقباط». وأيضًا في عام 1839، طُعن في ادعاءات (شامبليون) و(قسطنطين فولني) من قبل شامبليون الأكبر، الذي ألقى باللوم على القدماء كونهم السبب في نشر انطباع خاطئ عن أصل المصريين، قائلًا إن «الرأي القائل بأن السكان القدامى في مصر منتمين إلى العرق الأفريقي الزنجي، هو خطأ مقبول منذ فترة طويلة باعتباره الحقيقة، وإن استنتاج (فولني) فيما يتعلق بالأصل الزنجي للحضارة المصرية القديمة هو غير مقبول».
تبنى المتنطع السنغالي (الشيخ أنتا ديوب) كذبة انتماء حضارة مصر القديمة للعرق الأسود، حيث قام بنشر أبحاث في سبعينيات القرن العشرين يصر فيها على أن العنصر الأساسي المكون لمصر القديمة هم الزنوج قبل اندماجه مع عناصر جديدة على مر الحضارات، واستخدم طرق التحليل المجهري لقياس محتوى الميلانين لعينات الجلد من عدة مومياوات مصرية من حفائر (مارييت) والتي من خلالها قام بتصنيف جميع المصريين القدماء على أنهم «بلا شك بين الأجناس السوداء». ويظهر اعتقاده الباطل دون أي سند علمي لكنه نابع من التعصب للبشرة السمراء (الأفروسنتريك) ومحاولة مقاومة الفكر الأوروبي الأبيض، فيزعم أن المؤرخين والكتاب البيض قد اخترعوا مصطلحات سياسية مثل «المتوسطي» و«الشرق أوسطي» من أجل طمس الهوية الإفريقية للمصريين! يقود على شاكلته تلك الأفكار الهابطة من رواد هذا المنطلق البائس والمنطق الكاذب (كيفين هارت) حينما ادعى وقال: «يجب أن نعلِّم أولادنا تاريخ الأفارقة السود الحقيقي، عندما كانوا ملوكاً في مصر، وليس فقط حقبة العبودية التي يتم ترسيخها بالتعليم في أميركا»، وتساءل: «تتذكرون الوقت الذي كنا فيه ملوكاً؟». يتضح مليًا بإن ما قاله القرد (هارت) ليس عادياً؛ بل يعد أمراً خطيراً؛ لأنه متعلق بسرقة التاريخ، فذهب هو وكثيرًا من فرقته الضالةمضيفاً خلال العقود الماضية إلى الادعاء بأن ملوك مصر القديمة أفارقة، مستشهدين ببعض التماثيل الملونة باللون الأسود. وهذه نظرية خاطئة؛ لأنه كان يتم دهان بعض التماثيل باللون الأسود كدلالة رمزية لـ(الإله أوزوريس) إله العالم الآخر عند المصريين القدماء، وليس للون بشرة صاحب التمثال، فنجدا بأن الإمبراطورية المصرية القديمة وصلت إلى أواصل أفريقيا، وجلبت الآلاف للعمل في حراسة المعابد والقصور الملكية، وحتى عندما هبّ الكوشيون لحكم مصر، كانوا جزءًا من الإمبراطورية المصرية ومرتبطين بمعتقداتها وموروثاتها القديمة، وهو ما علق عليه عالم الآثار الكبير الراحل ديفيد أكونر قائلًا: (لم تستطع دولة كوش الضعيفة حكم مصر القومية)».
في حقيقة الأمر فإن مثل تلك المناظر السابقة تسمى «مراسم تسليم الجزية»، وهي عبارة عن موكب يسير فيه ممثلون عن كل الأقاليم التي كانت تابعة للإمبراطورية المصرية القديمة من أقاليم شمالية تمثل بلاد الشام وجزر البحر الأبيض المتوسط وأخرى غربية تمثل القبائل الليبية وثالثة جنوبية تمثل بلاد النوبة، وهم يقدمون لملك مصر منتجاتهم التي اشتهروا بها كجزية لمصر مثل الأسود، الظبيان وجلود الحيوانات وأواني وغيرها، ويظهر هنا موضع الاختلاف حيث العرق الذي اشتهروا به وهو البشرة المائلة للسمرة والداكنة. ويأتي تمثيل توت عنخ آمون باللون الأسود فهي تماثيل تمثل (ألكا) أو الروح الخاصة به حين أن الغرض من وجود هذا التمثال بهذا الحجم وتلك الهيئة بث الرعب في نفس كل من يحاول الاقتراب من حجرة الدفن.
الشاهد في هذا الأمر، أن العنصر الإفريقي لم يحكم مصر سوى خلال الأسرة الخامسة والعشرين؛ أي في 744 قبل الميلاد وانتهت في 656 قبل الميلاد، حيث زحفت مملكة (كوش) جنوبي الشلال الأول والنوبة العليا نحو النوبة السفلى، ومنها إلى بقية مصر بعدما دب فيها الضعف، أي بعد وفاة الملك توت بـنحو 500 عام على الأكثر، مما يعنى أن هذه الادعاءات باطلة وليس لها أساس من الصحة. السبب الذي يقف وراء دفع كثيرين حول العالم بمثل هذه المزاعم يمكن سرده ببساطة بما قدمته الحضارة المصرية القديمة للبشرية من جميع مناهل الحياة والتي أسهمت في تطوير البشرية. فبرأي علماء أنثروبولوجيا غربيين فإن الأهرامات وحارسهم (أبو الهول) ربما يكونان كافيين لأن يجعلا كثيرين يرغبون في الانتساب إلى تلك الحضارة. ففي دولة أرمينيا، هناك اعتقاد بأن الملكة نفرتيتي أرمينية الأصل وليست مصرية، إذ يعتقد بعض المؤرخين الأرمن أن الملك (أمنحوتب الرابع) تزوج بالأميرة الأرمينية توتوخيبا المعروفة في مصر القديمة بـ(نفرتيتي)، التي انتقلت بالأساس إلى مصر للزواج من أبيه (أمنحوتب الثالث) قبل وفاته. وبحسب زعمهم فإن تلك الأميرة من مملكة ميتاني في المرتفعات الأرمينية. وقد فند عالم المصريات البريطاني، السير ألان جاردنر في كتابه (مصر الفراعنة)، هذه المزاعم. فمن المعروف أن نفرتيتي من سلالة الكهنة والرؤساء الأقدمين بوادي النيل، فقد كانت بنت الكاهن (آي). ووفقًا لجاردنر فإن الادعاء الأرميني يقوم في سبيله عائق يحول دون قبوله.
في النهاية، فإن الحديث عن أن الحضارة المصرية القديمة تتعلق بحضارة الزنوج وأنهم ينتسبوا إليهم، ما هي إلا مجرد أقاويل شعواء لا صحة لها على الإطلاق، بينما نفت منظمة (اليونسكو) ذلك تمامًا بأحد مؤتمراتها الصحفية في هذا الشأن، موضحًا أن الحضارة الفرعونية لا تعود أصولها إلى حضارة الزنج، ولكنه وعلى عكس ذلك فقد حارب المصريون القدماء الزنج الأفارقة عبر عصور عدة؛ فالمصريون القدماء لا يشبهون الأفارقة أو العرب إلى حد كبير سواء كان في طباعهم أو عاداتهم، مشيرًا إلى أن المصريين القدماء قد أثروا في جميع الدول التي دخلت مصر واحتلتها وليس العكس، حيث إن المصريين أصلهم مصري فقط وليس ساميًا أو أفريقيًا.