الجمعة ١٨ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم هيثم جبار الشويلي

أمي رحلت

أفتش عنها في كل زاوية من زوايا الدار لعلي أجدها لكن من دون جدوى إني أرى ما لايرون ، وأنظر ما لاينظرون ، أشاهد بصماتها هنا وهناك ، على الحائط والجدران ، حتى على الابواب ،لابل في كل مكان انها أمي.......
أمي التي لاشيء سواها تراني وأراها وتسمعني وأسمعها ...... ، أمي التي من تحت قدميها كل أنهار ربي تنهمر ، أمي التي تحت قدميها فردوس ربي تطأطئ، أمي التي من قبلها خلت كل الأمم.

أمي التي كانت تجلسني الى مائدة افطاري ، كانت تضع شطيرة في حقيبتي وتمسك بيدي لتوصلني الى مدرستي ، كانت تضربني اذا أخطأت ، كانت تضُمَّني الى صدرها اذا بكيت وتمسح دموعي على خديّ بيديها الناعمتين لتغرقني بحنانها لتمسح عني عذبات السنين البائسة...... أمي التي كنت أستحم بين يديها على مضض ٍ، أمي التي آثرتني على نفسها أن تلبس.... لتراني ألبس الثوب الجديد، هي التي كانت تخيط ُ لي حقيبتي كلما تمزقت.....، نعم انها أمي.

ياالهي مازلت طفلاً لم أبلغ الحلم بعد لماذا؟ لماذا هذا؟ لماذا ألبستني ثوب حزني؟ لماذا سرقت حلمي مني ياربي.
هل حقاً ضجَّ الملائكة بالبكاء هل حقاً هذا المطر هو دموع الله لأجلي، طفل... وحيد يبحث عن أمه في الدار... البارحة كانت هنا واليوم لا أحد يجيبني على أسئلتي، أمي التي كانت كظلي هل حقاً ستفارقني ، كلا كلا يبدو أن مشاكساتي لها قد ازعجتها حتى فكرت في ترك الدار، هل مشاكستي الاخيرة تسببت لها في ترك الدار من غير عودة لكنها لم تكن المشاكسة الاولى التي اشاكسها فيها... أشياءٌ كثيرة تدور في مخيلتي … أين أجدها حتى اعتذر منها ، لذا قررت ان انتظرها بباب الدار حتى مغيب الشمس لعلها تعود حتى تقرؤني درسي....

درسي الذي لا افهمه من معلمتي بل منها … يبدو اني سأترك دروسي الى حين عودتها.
وعند مغيب الشمس ارجع الى الدار ِلأفتش في أشيائها ، أنظر في سرير نومها هنا أيقضتها عند منتصف الليل وهنا كنت استحم بين يديها وبهذه الآنية الممزقة المليئة بالسخام صبت الماء على رأسي ، وهذه سجادة صلاتها وهذه صحيفتها السجادية وقرآنها ومسبحتها.
وهنا أطعمتني بيديها ومن هذا الباب اخرجتني الى مدرستي ومن هذا الباب ادخلتني الى مدرستي وهنا اجلستني في صفي وهنا تكلمت مع معلمتي وهنا تنتظرني عند دق الجرس ومن هذا الباب تدخلني مرة اخرى الى بيتي، رحلت وتركتني غارقا ً بهمومي … أصبحت الدار خالية... كلا بل خاوية بعد فراق أمي.

أسير وحدي في الطرقات أنظر الى الاولاد الى هذا وذاك ، فهذا يمسك بأمه من عباءتها ، وذاك يتشبث بيديها، وها أنا اليوم أفارق كف أمي الذي كان يقتادني الى مدرستي، وفي المدرسة ابتعد كثيراً عن الصبية حتى لا أدخل في مشاجرةٍ معهم لأني حتما سأكون أنا الخاسر لان التي كانت تأويني وتدافع عني رحلت من دون عودة.

في موتها تهدمت امبراطورية فرحي وتمزقت في ذاكرتي حقيقة وجداني حتى أصبحت روحي لاتفارقها ترفرف فوق قبرها وتحوم حولها لعلي أجدها.....
لقد كانت عندي كل شيء وأيّ شيء انها كل ما لدي.

لكن ما ان تذكرت معلمتي ..... معلمتي التي كانت تعاملني كأمي ما أن نظرت لها حتى رأيت وجه أمي … وهكذا لم تفارقني أمي.....
أمي وأيّ أم ٍ أمي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى