

أمثال شعبية في حياتنا اليومية

كلّ أُمة تحرص على الحفاظ على تراثها وهويَتها حيث يتناقلون هذا التراث من جيلٍ إلى جيل حتى تنتقل المعرفة مع الأدب والحكمة من الأجداد والآباء إلى الأبناء والأمثال الشعبية أحد أهمّ صور هذا التراث الشعبي.
المثل الشعبي هو عبارة عن قصَة يتم تناقلها عبر الأجيال وكلمات نُرددها في حياتنا اليوميَة وخلاصة حكمة الأجداد التي تصلح في كل زمانٍ ومكانٍ فالأمثال موروث حضاري وخلاصة تجارب الأجداد والآباء وليست مُجرّد كلمات يتم ترديدها فهى تحوي العديد من القيم والعادات والتقاليد وخفيفة الوقع على اللسان سريعة الوصول إلى القلب وقد تختلف اللهجات عبر العصور المختلفة لكن بلا شك سيبقى المعنى والحكمة من المثل الشعبي واحدًا تردده الألسن عبر الأجيال المختلفة ومن أهمّ ما تتميَز به هذه الأمثلة هو أنَها لا تخلو من روعة البيان وجمال البلاغة التي تتضمَن التشبيهات والاستعارات والكلام المُسجع لنقل الحكمة بطريقة بسيطة ومُمتعة وخفيفة على اللسان.
مع تعاقب الأجيال تُصبح الأمثال الشعبيَة جزءًا أصيلًا من وجدان المجتمع حيث يستخدمها الناس في المناسبات المُختلِفة بعفويَة وتلقائيَة لاختصار الكثير من الكلمات والتعبير عن بعض المعاني المُعقدة أحيانًا وبالرغم من أنَ معظم هذه الأمثال يستند في الأصل إلى قصة حقيقيَة إلا أنَه مع مرور الوقت يبدأ الناس في التغافل عن هذه القصة مع بقاء المثل محفورًا في ذهنهم.
الأمثال العربيّة انعكاس لثقافة الشّعوب مع تنوُع دياناتهم وثقافاتهم فالأمثال تجسيد حي لأفكار هذه الشعوب وعاداتها بألفاظ بسيطة وسهلة وممَن تحدَث عن تاريخ الأمثال ابن الأثير إذ قال (وضعت العرب تلك الأمثال لحوادث مطابقة لهذا الحدث مرّت به فكان المثل كالعلامة لهذا الشيء) ونتوقف مع بعض الأمثال الشعبية المصرية.
الشراقوة عزموا القطار
في شهر رمضان عام 1917 تعطل قطار خط الشرق بالقرب من قرية أكياد التابعة لمركز فاقوس بمحافظة الشرقية وحان وقت آذان المغرب وكان بالقطار مجموعة من التجار من مختلف الجنسيات فقام عمدة أكياد بإنزال الركاب ودعوتهم للأفطار وأعد الأهالى الموائد واستضاف كل بيت عددا من الركاب وبعد عودة هؤلاء الركاب إلى بلادهم كانوا بمثابة سفراء لنشر كرم المصريين والشراقوة ومن هنا أطلق على أهالى محافظة الشرقية مقولة (الشراقوة عزموا القطار) وقد كتبت عن ذلك في الجزء الأول من موسوعتي حلوة بلادي والصادر عام 2006 كما كتبت قصيدة باللهجة العامية عنوانها احكي ياسطور الغناوي وضمها ديواني الشعري الصادر عام 2009 بعنوان احكي وقول ياروق وقلت في تلك القصيدة:
الحقيقة وباختصار
الشراقوة دول كُّبار
لما من شدة كرمهم
ضيّفوا كل القطار
لما من شدة كرمهم
قدّموا أحسن فطار
والقيادة والأهالى
قدّمولهم كل غالى
فى البلد صبحت حكاية
من حكايات الليالى
إحكى يا سطور الغناوى
القصص ويّا الحكاوى
عـــ الرجولة والشهامة
عن بلد صارت علامة
من علامات النهار
الشراقوة دول كُّبار
لما من شدة كرمهم
ضيّفوا كل القطار
لما من شدة كرمهم
قدّموا أحسن فطار.
وكان ماكتبته المرجع للموسوعات العالمية ووسائل الإعلام ففي يوم 16 أكتوبر عام 2017 تحدثت الإعلامية إسعاد يونس فى حلقة برنامجها زى مبؤلك كده على الراديو 9090 عن كرم وعطاء المصريين وأذكر مما قالته الإعلامية القديرة إسعاد يونس: الحقيقة وباختصار هما مش عزموا القطر، ده الشراقوة قدموا أحسن فطار، العمدة والأهالى قدمولهم كل غالى فى البلد، صبحت حكاية من حكايات الليالى، احكى يا سطور الغناوى على الرجولة والشهامة والأصول والجدعنة، باختصار هما مش عزموا القطر، ده كان وصف الشاعر الكبير إبراهيم خليل إبراهيم لكرم أهل الشرقية فى حادثة عزومة القطر الشهيرة.
والشاعر القدير عاطف الجندي كتب قصيدة شعرية باللهجة العامية وأهدها لي ونذكر مما قاله الشاعر المبدع عاطف الجندي في قصيدته:
آه يا شرقاوى يا مصرى
يا للى نيل الخير رواكْ
يا للى إبداعك فتنَّا
والجميع يشهد معاك
لو جميع الخلق باعت
ولا ضاعت ف الشِّباك ْ
عمر مرَّة ما بعت صاحبك
فى طريق لو كان معاك.
حسبة برما
هناك مقولة شهيرة سجلها التاريخ وهى حسبة برما وترجع لاحدي القرى التابعة لمركز ومدينة طنطا بمحافظة الغربية وهى قرية برما التي تبعد عن طنطا بحوالي 12 كيلو متر وقد جاءت هذه مقولة حسبة برما عندما اصطدم أحد الأشخاص بسيدة كانت تحمل قفصا محملا بالبيض فأرادو تعويضها عما فقدته من البيض وقالوا لها: كم بيضه كانت بالقفص؟ فقالت: لو احصيتم البيض بالثلاثة لتبقي بيضة، وبالاربعة تبقي بيضة، وبالخمسة تبقي بيضة، وبالستة تبقي بيضة، ولو احصيتموه بالسبعة فلا تبقي شيئا، وهنا عرفوا انه كان بالقفص 301 بيضة ومن هنا جاءت المقولة (حسبة برما).
وقد كتبت عن ذلك في الجزء الثاني من موسوعتي حلوة بلادي والصادر عام 2010 ونشرت ذلك على شبكة الإنترنت الموسوعات العالمية.
يخلق من الشبه أربعين
يعد مثل يخلق من الشبه أربعين من أشهر الأمثال التي استخدمها الناس على مر العصور عندما يرون شخصين أو أكثر متشابهين إلى حد كبير وملحوظ ويكون هذا المثل دليل على التعجب من هذا الشبه ويزداد التعجب عندما يكون هؤلاء الأشخاص المتشابهين لا تجمعهم أي صلة قرابة.
لكل إنسان شخص يشبهه تمامًا مثل التوأم وفي بعض الأحيان يكون التشابه أيضًا في الأفكار والميول والشخصية والأسلوب وفي كثير من الأحيان يكون التشابه في الشكل فقط حيث نجد كثير من الناس يشبهون شخصيات شهيرة مثل الممثلين والرؤساء والمطربين وغيرهم.
أول من قام بذكر كلمة أربعين هم الشعب الفارسي في الأمثال الشعبية الفارسية ويقصد بذلك أن العدد كثير.
نذكر أن نبي الله إبراهيم عليه السلام كان يشبه كثيرًا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أحد الرسل الذي أطلق عليهم الله تعالى أولي العزم.
والحسن بن علي بن أبي طالب وابن السيدة فاطمة ابنة حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم كان كثير الشبه بجده.
ومصعب بن عمير أحد الصحابة الأجلاء وقد قام بقتله ابن قمئة في غزوة أحد حيث اعتقد أن هذا الرجل هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وكابِس بن رَبيعة بن مالك كان من سكان البصرة وكان يشبه النبي محمد إلى حد كبير وكان الناس كثيري الحديث عن الشبه بينه وبين النبي وعندما سمع الخليفة معاوية بن أبي سفيان عنه أرسل إلى البصرة يطلبه وعندما دخل عليه هذا الرجل قام معاوية بن أبي سفيان بتقبيله في جبينه بين عينيه كنوع من أنواع التكريم له لأنه يشبه النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
إن التشابه بين الأشخاص موجود في كل زمان ومكان حيث إننا جميعًا أبناء آدم عليه السلام وسنظل متشابهين في أمور كثيرة مهما اختلفنا في الشكل أو في الطول أو في اللون واللغة وغيرهم.
جينات جميع البشر متشابهة حيث إنهم يعودون إلى الآباء الأوائل وهما آدم وحواء وتوصل العلم إلى وجود ما يقرب من ثلاثين ألف جين بشري في العالم وما زالت الدراسات قائمة لاكتشاف جينات أكثر فمن الممكن أن يزداد عدد الجينات التي تم اكتشافها مع الوقت ومن الممكن أن يكون تشابه الجينات بين شخص وآخر هو السبب في وجود تشابه في الشكل بينهما حتى ولو كانا في دولتين مختلفتين ومع الوقت سيتم كشف العديد من الأسرار.
إحنا دفنينه سوا
هذا المثل يستخدم للتعبير عن أن بواطن الأمور قد لا تبدو مثل ظواهرها وأن المكر لا يجدى بين أشخاص.
تعود قصة هذا المثل الشعبى إلى أن شخصين كان لديهما حمـار يعتمدان عليه في تمشية أمورهما المعيشية ونقل البضائع من قرية إلى أخرى وأحباه وأطلقوا عليه أبو الصبر وفي أحد الأيام وأثناء سفرهما في الصحراء سقط الحمـار ومات فحزن الأخوان على الحمـار حزنا شديدا ودفناه بشكل لائق وجلسا يبكيان على قبره بكاءً مرا وكان كل من يمر يلاحظ هذا المشهد فيحزن على المسكينين ويسألهما عن المرحوم فيجيبناه بأنه المرحوم أبو الصبر .. إنه كان الخير والبركة ويقضي الحوائج ويرفع الأثقال ويوصل البعيد فكان الناس يحسبون أنهما يتكلمان عن شيخ جليل أو عبد صالح فيشاركونهما البكاء .
شيئًا فشيء صار البعض يتبرع ببعض المال لهما ومرت الأيام فوضعا خيمة على القبر وزادت التبرعات فبنيا حجرة مكان الخيمة والناس تزور الموقع وتقرأ الفاتحة على العبد الصالح والشيخ الجليل أبو الصبر وصار الموقع مزارا يقصده الناس من مختلف الأماكن ويقدمون التبرعات واغتنى الأخوان وصارا يجمعان الأموال التي تبرع بها الناس السذج ويتقاسمانها بينهما وفي يوم اختلف الأخوان على تقسيم المال فغضب أحدهما وأشار إلى القبر وقال : والله سأطلب من الشيخ الصالح أبو الصبر أن ينتقم منك فضحك أخوه وقال: أي شيخ صالح يا أخي؟ إنت نسيت؟ دا احنا دافنينه سوا .
بيت النتاش ما يعلاش
تعرضت قافلة متجهة الى الحج لغارة من البدو وكانت في القافلة إمرأة على ناقتها ويقال بأنها أبنة أمير الحج وقد وقعت هذه المرأة أسيرة في يد أحدهم واقتاد الرجل المرأة والناقة ألى مضاربهم وتوسلت المرأة الرجل بأن يطلق سراحها فقال لها: إذا عرفتِ أين بيتي فأسطلق سراحك .. فنظرت في مضارب القوم فوجدت بيتاً مهلهلاً في ناحية من البيوت فقالت: هذا بيتك.
قال: كيف عرفتي.
قالت: بيت النتاش ما يغلاش.
فحملها وأعادها الى القافلة فسألته عن أسمه فقال: اسمي الخليفي وفي السنة التالية جاء المرسال من الحكومة المصرية يسأل عن الخليفي؟ فدلوه عليه وأعطاه صرة فيها مبلغ من المال واستمرت الحكومة المصرية بأعطاء الصرة للخليفي وهذا الرجل أسمه سليمان الخليفي وقصة الخليفي هذا هى قصة الطويل من الحمدات الأحيوات ومن المعلوم ان من فروع الأحيوات القديمة فرع الخليفي وهم غير الخليفي الموجود في وادي العربة الأن.
دخول الحمام ليس كخروجه
نسمع هذا المثل الذي يُعد أحد أشهر الأمثال الشعبية في تراثنا حيث يُقال لمن يحسب أنَ الأمور ستسير ببساطةٍ وبدون أي مشاكل أو تعقيدات فيُقبل على شركة أو زواج أو شراء شيء أو أي نوع من أنواع المُعاملات بين الناس ثم يرغب في الانسحاب متى يشاء فيُفاجأ بالطرف الآخر يُخبره بأن دخول الحمام ليس مثل خروجه . أصل هذا المثل يعود إلى أحد أصحاب الحمَامات التركيَة قديمًا حيث قام بتعليق لافتة على الواجهة تُخبر الزبائن أن الدخولَ مجانيٌ وبناءً على ذلك أقبل الزبائن بأعدادٍ كبيرة وازدحم بهم الحمام وكان صاحب الحمام يأخذ ملابسهم عند الدخول فإذا أرادوا الخروج تفاجأوا أنَ صاحب الحمَام يطلب منهم الأموال مقابل الخروج قائلًا: أن الدخول مجانيٌ بالفعل لكن يجب الدفع من أجل الخروج وأنَهم لن يستلموا ملابسهم إلا بعد الدفع وعليه قال الناس هذه الجملة (دخول الحمام ليس مثل الخروج منه) ومن ثمَ صارت هذه الجملة وصفًا دقيقًا لعدم سهولة الانسحاب من الأمور وأصبَح هذا المثل من أشهر الأمثال في تراثنا الشعبي.
اللي اختشوا ماتوا
في أحد الأيام في زمن الحمامات التركية القديمة اعتادت النساء على الاستحمام فيها وفي أحد الأيام نشب حريق هائل بأحد الحمامات فهرولت بعض النساء بملابس الاستحمام طلباً للنجاة في حين خجلت الأخريات من الخروج بهذا الشكل فكان مصيرهن الموت داخل الحمام لينتشر بعدها مثل (اللي اختشوا ماتوا)
على قد لحافك مد رجليك
يرجع هذا المثل إلى حكاية شاب ورث عن والده أموالاً طائلة أنفقها ببذخ وسفه حتى أصبح لا يملك قوت يومه فاضطر للعمل عند أحد أصحاب الحدائق فلاحظ أنه ليس لديه خبرة ولم يعمل من قبل فسأله صاحب العمل عن قصته؟ وعندما أخبره بها قرر الرجل أن يزوّجه ابنته وأعطاه منزلاً صغيراً وعملاً بسيطاً وطلب منه أن يمد رجله على قد لحافه ليصبح ذلك مثلاً يتردد بين الناس.
المتعوس متعوس ولو علقوا في رقبته فانوس
يحكى أنه كان هناك أخوان أحدهما غني والثاني فقير فقرر الغني في أحد الأيام أن يرسل لأخيه المال بشكل غير مباشر لكي لا يحرجه فألقى في طريقه سرة من النقود وانتظر أن يأتي له بخبر العثور على نقود في الطريق لكن أخاه أخبره أنه قرر أن يأتي مغمضاً عينيه هذا اليوم فقال الأخ الغني: (المتعوس متعوس ولو علقنا على رأسه فانوس).
جحا أولى بلحم ثوره
في أحد نوادره قام جحا باستدعاء جيرانه ليطعمهم من لحم ثوره وطلب منهم الجلوس في صفوف منتظمة ثم مر عليهم يقول للشيخ: إنه لن يتمكن من هضم لحم الثور .. وللمريض: إن لحم الثور سيمرضه .. وللسمين: إنه ليس بحاجة للحم .. وللشاب: إنه قوي ويمكنه الانتظار بعد توزيع اللحم على الفقراء وفي نهاية اليوم طلب جحا من المدعوين الانصراف قائلاً:
جحا أولى بلحم ثوره.
جاء يكحلها فعماها
أحد الأمثال الشعبية التي يتم إطلاقها على كل من يقوم بعمل عمل مقصده الخير ولكنه يجني من وراءه المتاعب لسوء تصرفه وتسرعه فقد روى أن رجلًا تزوج للمرة الثانية من امرأة جميلة قد شغفه حبها وكان يطلب ودها وقربها منه إلا أنه كان لا يراها ولو حتى مبتسمة .. دائمًا شاردة .. هادئة .. لا تتكلم ولا تبدي أي تأثير لما يحدث حولها فقام بشراء الهدايا وإغداقها بالمال إلا أنه لم يغير من الأمر في شيء فشك الرجل في حبها واعتقد في كرهها له ولمعيشته وكاد هذا الفكر أن يفتك به فهو يحبها فقرر أن يذهب إلى امرأة حكيمة ذات رأي وكلمة مسموعة لديها من الحكمة ما يمكنها من حل أصعب المشكلات.
وعندما ذهب إليها وأبلغها شأنه وشأن زوجته معه أشارت عليه الحكيمة بأن يحضر أفعى ويقوم بإغلاق فمها بإحكام ويضعها على صدره ويدعي الموت فأعجبته الفكرة وقرر تنفيذها وعاد مسرعًا إلى البيت بعد أن أحضر الحية وأغلق فمها وادعى النوم في سريره بعد أن وضع الحية على صدره وبعد فترة قامت زوجته لإيقاظه فقد طالت غفلته وما أن رفعت الغطاء من على رأسه حتى وجدت الأفعى.
جعلت المرأة تصرخ وتبكي على وفاة زوجها وتناديه يا حبيبي يا من تركتني أعاني الفقد بعدك وظلت تبكي على صدره فما كان من الرجل إلا أن انتفض من مكانه بعد أن ملئت السعادة قلبه وقال لها : أنه لشدة حبه لها فعل هذه الخدعة وهنا غضبت المرأة وأقسمت أن لا تعود إليه أبدا حتى يكلم الحجر الحجر أو يكلم العود العود وهو ما يعني أنها لن تعود إليه أبدًا.
ولما انتشر أمرهما جعل الجميع يطلقون عليه (جا يكحلها عماها) أي أنه عندما أراد أن يقربها منها وينشد حبها أبعدها عنها بخداعه لها وتظاهره بالموت فعاد الرجل مسرعًا إلى الحكيمة يطلب منها النصح بعد أن فسدت خطته فهدأت من روعه الحكيمة وقالت له: أحضر لها رحى وهي التي تطحن الدقيق فعندما تدور الرحى تصدر صوتًا وكأن الحجر يكلم الحجر وكذلك أحضر لها الربابة فعندما يلتقي العود بالربابة تصير أعذب الألحان وكأنها كلامهم فعاد الزوج مسرعًا وقد أحضر ما قالته الحكيمة وعندما رأت زوجته من حبه الشديد وإصراره على أن تعود إليه عادت إليه مرة أخرى ولكن هذه المرة وهى مبتسمة وبشوشة الوجه.
يا بخت من كان النقيبُ خالَه
يُعد هذا المثل أحد أكثر الأمثال الشعبيَة رواجًا في بعض البلاد العربية حيث يُقال هذا المثل عن الشخص الذي يتولَى أحد أقاربه أو معارفه منصبًا كبيرًا فيتمكَن من قضاء العديد من المصالح بدون أيٍ تعب أو عناء.
يعودُ تاريخ هذا المثل إلى إحدى عادات العرب قديمًا حيث كانوا يُعينوون لمن يتزوَج حديثًا شخصًا يقوم بخدمته وتنفيذ طلباته ويتولى رعايته لمدة أربعين يومًا وكان اسم الشخص الذي يقوم بهذا النقيب ومن هنا أتى أصل المثل الشعبي (يا بخت من يكن النقيب خاله) حيث إنَ الخال سيكون أكثر اهتمامًا بابن أخته وأكثر عنايةً ورعايةً له لذلك يقولون: يا بخت من كان النقيب خاله.
اقلب القدرة على فمها تصبح البنت مثل أمها
هذا المثل هو أحد الأمثال الشعبيَة الدارجة في عدة بلدان عربيَة مثل مصر والخليج والعراق والشام وبالرغم من أنَه يُقال بعدَة صيَغ مُختلفة إلا أنَهم يجتمعون على نفس المعنَى.
بالرغم من شهرته يوجد عدة روايات مختلفة بشأن أصل هذا المثل تحديدًا فهناك من يقول أنَ أصله يرجع إلى امرأةٍ في أحد العصور القديمة كانت قد جعلت علامة دخول ابنتها إلى البيت هى أن تقلب القدرة على فمها فتُحدِث صوتًا.
في روايةٍ أُخرى كان هناك شاب في نواحي بلاد الشام يُريد أن يتزوَج وكلما ذهب لخطبة فتاة رفضه أهلها لا بسبب عيبٍ فيه ولكن لأنَ أمه قد أرضعت هذه الفتاة ولم يجد هذا الشاب أي فتاة ليتزوَجها من فتيات بلدته لأنَ أمه قد أرضعت بنات البلدة كلها وبالتالي حُرِمَت عليه فتيات البلدة جميعًا إلا امرأة كبيرة في السن بلغت الخامسة والأربعين من عمرها ولم تتزوج بعد.
ولأنَ هذه المرأة مُقاربة في العمر لسن والدته فمن المستحيل أن تكون والدته قد أرضعتها.
بعد ذلك أسرع الشاب في إتمام مراسم الزواج بمُجرَد موافقة المرأة حيث عمد مُباشرةً إلى كتب الكتاب وإتمام العقد ليتفاجأ بعد ذلك بخاله يدخل عليه مسرعًا قائلاً : هل كتبتم العقد؟ قالوا : لا فتنهَد بارتياح وقال : جدتك تلقي عليك السلام وتُخبرك ألا تتزوَج هذه المرأة لأنها قد أرضعتها وهى صغيرة أي أنَها خالتك في الرضاعة وبالتالي تحرُم عليكَ هى الأخرى .
تعجَب الناس من هذا الموقف وقالوا المقولة التي أصبحت اليوم مثلًا شعبيًا شهيرًا للتعبير عن أخذ البنت من خِصال أُمِها وبالتالي تصبح مع الوقت نُسخة مطابقة تمامًا لها في الشكل والجوهر والأسلوب.
على رأسه ريشة
لا شكَ أننا سمعنا هذا المثل العربي الشهير الذي يُستخدم للدلالة على الشخص الذي يحظى بمُعاملة خاصة تُميزه عن غيره من الناس.
تعود قصة هذا المثل إلى رجلٍ فقير في إحدى العصور القديمة سُرقت كل دجاجاته التي كان يُربيها من أجل بيعها والتربُح منها وقد تكرر هذا الأمر كثيرًا لدرجة فاقت الحد فذهب هذا الرجل الفقير إلى شيخ المسجد الموجود بقريته وشكا إليه من السرقة المستمرة لدجاجاته فأجابه الشيخ بأنه سيكشف له غدًا عن السارق
وبالفعل جاء اليوم التالي وكان يومُ جمعةٍ وقد اجتمع رجال القرية جميعًا من أجل الصلاة وبعد أن انقضَت الصلاة طلب الشيخ من المُصلِين عدم مُغادرة المسجد قائلًا أنَ هذا الرجل الفقير تُسرق دجاجاته باستمرار وأن هذا فعلٌ قبيحٌ ويجب على هذا الشخص الذي يسرق أن يكُفَ عن هذا وأكمل الشيخ أن اللص لم يكتف فقط بسرقة الدجاج بل تجرَأ وأتى للصلاة ولا زالت آثار الريش على رأسه فمسح اللص رأسه بسرعة من بين جميع المُصلين فانكشف أمره بسبب غبائه وذكاء الشيخ .
وقد اُشتق منه فيما بعد مثل (من على رأسه بطحة يُحسِس عليها) للدلالة على أنَه من يُخطأ فسيكشف أمره بنفسه بسبب توتُره ليصبحا أهم وأشهر الأمثال الشعبية المتداولة في وقتنا هذا.
رجعت حليمة لعادتها القديمة
يُضرب هذا المثل في الشخص الذي لا يستطيع العدول عن عادته القديمة مُطلقًا فمثلما قالوا أنَ الطبع غلاب أصبح هذا المثل أيضًا دليلاً على أن الشخص لن يتغيَر بشكل كامل بل سيعود إلى عاداته القديمة في يومٍ من الأيام.
يرجع أصل هذا المثل إلى امرأةٍ في العصر الجاهلي تُدعى حليمة وهى زوجة حاتم الطائي والذي كان أحد أعظم شعراء العصر الجاهلي ومضرب المثل في الكرم حتى أن الكرم قد نسب إليه فيُقال عن الشخص الكريم : كرمُهُ كرمُ حاتم أو يُقال عن الكرم الشديد الكرم الحاتمي أي أنَ الكرم المبالغ فيه يشبه كرم حاتم الطائي.
ولكن للمفارقة كانت زوجته حليمة مضرب المثل في البخل فكانت عندما تطهو الطعام تضع سمنًا قليلاً جدًا وأحيانًا لا تضعُ سمنًا أبدًا فعاب زوجها ذلك عليها وقال لها أنهم قالوا قديمًا أنَ من تضع سمنًا كثيرًا في إناء الطَهي يطولُ عمرها وبالفعل بدأت حليمة تضع الكثير من السمن في إناء الطبخ أثناء إعداد الطعام الذي تطهوه لضيوف زوجها واستمرَت على ذلك لسنواتٍ عدَة ولكن حدث لها مُصاب جعلها تتوقف عن عادتها الجديدة هذه وترجع إلى ما كانت عليه ألا وهى وفاة ابنها الوحيد الذي كانت تُحبُه حُبًا جمًا فأصابتها حالة اكتئاب مُزمنَة جعلتها تُقلل السمن في الطعام حتى لا يطول عمرها لتموت وتلحق بابنها سريعًا .
ومن هنا أتى المثل الشعبي عادت حليمة لعادتها القديمة الذي يُضرب عند عودة الشخص إلى عادته القديمة مرةً أخرى .
مثل القطط بسبعة أرواح
يُضرب هذا المثل في حالة الشخص الذي يواجه العديد من المُشكلات والنوائب والحوادث في حياته ثم يخرج منها من غير سوءٍ أو أي خسائر تُذكر حيث يُقال حينها أنَه مثل القطط بسبعة أرواح وهنا سيتبادر إلى الذهن .. لماذا القطط تحديدًا ؟
في الحقيقة لا يوجد حيوان يستحق إطلاق هذه الصفة عليه أكثر من القطط فلعلَك قد لاحظت من قبلُ أن القطَة تقفز من ارتفاعٍ شاهق لتسقط بمُنتهى المرونة ثم تنهض وتركض بعدها مباشرةً وكأنَها لم تقفز من ارتفاعٍ كبيرٍ للتوّ وبذلك ألهمت القطَة أجدادنا ليخرجوا بهذا المثل الشهير (مثل القطط بسبعة أرواح).
القشة التي قصمت ظهر البعير
ليس منَا أحدٌ لم يسمع من قبلُ هذا المثل الشعبي الدارج الذي يُستخدم عندما يتحمَل الشخص الكثير فوق طاقته حتى يأتي موقفٌ واحد صغير يجعله ينهار أو ينفجر من الغيظ.
يعودُ أصل هذا المثل إلى شخصٍ كان مسافرًا في الصحراء وقام بتجهيز جميع أمتعته التي بالكاد يتحملها أربعة جمال وليس جملًا واحدًا وقام بوضعها على ظهر بعيره الذي تحمَل وزن هذه الأمتعة ولم يسقط وأخيرًا وجد الرجل أنه تبقى من أمتعته شيء صغيرٌ جدًا بوزن القشَة فوضعه على ظهر بعيره الذي وجد أنه قد انهار وسقط فقال الناس ممَن شهدوا هذا الموقف : هذه هى القشة التي قصمَت ظهر البعير وبذلك أصبحت هذه القصة أصلاً لأحد أشهر الأمثال العربيَة الذي يُضرب في أنَ كثرة الضغط والأعباء المُتراكمة قد تؤدِي إلى الانهيار.
اللي ميعرفش يقول عدس
هذا المثل يضرب على من يتحدث في أمر ما ولايعلم حقيقة جوهره وقد تناثرت الأقوال والحكايات عن أصل هذا المثل ولكن نقدم ما ذكره الكاتب الكبير أحمد تيمور باشا فى كتابه الشهير الأمثال الشعبي.
تعود أصول حكاية المثل الشعبي اللي ميعرفش يقول عدس إلى أنه كان هناك شابا كان يشتري بضاعه من أحد التجار،وفي الوقت الذي انهمك فيه التاجر بتحضير الطلبات كان الشاب يعاكس زوجة التاجر وعندما لاحظه التاجر هم بضرب ذلك الشاب ولكنه سارع بالفرار فطارده التاجر فاصطدم الشاب فى شوال عدس ففرطه كله على الأرض ولم يبال التاجر بما حدث وظل يطارد الشاب حتى قبض عليه وبدأ في ضربه وسقط الشاب على الأرض وتجمع المارة وأبعدوا التاجر عن الشاب وصرخ أحدهم في التاجر : يا مفتري بقى عشان سرق شوية عدس عايز تموته وصاح آخر: إنت ايه يا أخى مفيش فى قلبك ذرة رحمة كل ده عشان شوية عدس وقال ثالث: خلاص يا ظالم هدفعلك اللى سرقه من العدس بس سيبه .. وانصرف التاجر وهو يردد: اللى يعرفش يقول عدس.
بيننا ما صنع الحداد
يُعتبر هذا المثل أحد أشهر الأمثال العربيَة الدارجة والذي يُقال كدليل على البغض الشديد بين شخصين أو النزاع الذي ينشأ ويستحيل معه الصلح مرةً أُخرى في هذه الحالة يتم التعبير عن هذا الشقاق والكره بين الشخصين بالقول (بيننا ما صنع الحداد ) لكن ما هو هذا الشيء الذي صنعه الحدَاد وتم استخدامه للتعبير عن الخلاف والضغينة؟
قيل أنَه السَيْف أي أنَ الحدَاد يصنع السيوف وبذلك عندما يقول الشخص أنه بينه وبينك هذا السيف أي أنَ النزاع بينكما قد وصل إلى درجة القتال بالسيف.
في روايةٍ أخر قيل أنَه كان هناك رجلٌ على خلافٍ مُستمرٍ مع زوجته والشجار بينهما لا يتوقَف حيث كانت تُكدِر عليه عيشته وتنغِص عليه حياته فقال لها ذات يوم وقد طفح به الكيل : بيني وبينك ما صنع الحداد فتعجَبت زوجته من هذه الجُملة وسألت نفسها عن ماهية هذا الشيء الذي صنعه الحداد ويقف بينها وبين زوجها؟ ثم غاب زوجها عدَة أيام وعاد بعدها وقد أحضَر في يده قطعة من الحديد صنعها له الحدَاد وأمر ابنه أن يطرُق عليها بقوَة وأنَه سيظل يبتعد طالما كان يسمع صوت الطرق وسيتوقف فقط عندما يختفي الصوت وعلَيْه سيكونُ بينه وبين زوجته هذه المسافة الدائمة وبذلك أصبح بينهما صوت القطعة الحديديَة التي صنعها الحداد ومن هنا جاءت قصة أشهر الأمثال الشعبيَة التي تُستخدَم للتعبير عن الشقاق والخلاف.
امسك الخشب
هذا المثل هو أحد أغرب الأمثال التي يُمكنك سماعها من بين جميع الأمثال الشعبيَة حيث يُستخدم عند الرغبة في دفع الحسد.
هذا المثل ليس من أصلٍ عربِي بل هو ذو أصلٍ تاريخي عالَمِي ولعلَك الآن تتساءل عن أصل هذا المثل عند الأجانب وكيف انتقل من تراثهم الشعبي إلى تراثنا العربي؟
في واقع الأمر هذا المثل أصلُه وثنيٌ حيث كان يَعتقد الأقدمون ممن كانوا يُقدسون الأوثان أنَ هناك أرواحًا خيّرة تعيش في الأشجار وبالتالي أصبح الإمساك بالأشجار مصدرًا للبركة والحماية ثم لاحقًا بعد انتشار المسيحية في العالم تم استخدام هذا التعبير للإشارة إلى الصليب الخشبي بدلًا من الأشجار.
ويُروى أنَه في عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين كان جُموع المُعتنقين للديانة المسيحيَة يسيرون في مسيراتٍ عامَة ويُمسكون بالصليب الكبير حيث كان الجميع يتدافعون ليلمسوا هذا الصليب بغرض التبرُك والحماية من الحسد والشر ثم بعد ذلك تم وضع هذا الصليب الكبير في كنيسة القسطنطينية وأصبح الناس يتوافدون لزيارته ولمسه بغرض التبرك والتطُهر والحماية من الحسد ومن بعدها صار تعبير (امسك الخشب) يُستخدم على نطاق أوسع حتى
وصل إلينا في عالمنا العرَبي وأصبح أحد الأمثال الشعبيَة المشهورة في تُراثنا.