«أصفق ولا أصفق» لأحمد باورّ
بدون مقدمة
عن دار الثقافة والنشر الكوردية في وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، صدر للشاعر الدكتور أحمد باورّ ديوان شعري بين دفتي (140) صفحة بعنوان (أصفق ولا أصفق), يحوي (63) قصيدة بين قصائد طويلة وقصيرة من الغزل والوصف والوطنيات والهموم اليومية والأحداث التي وثقها والتي مرّت على وطنه وشعبه في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.
كتبتْ الشاعرة الراحلة مهاباد قرداغي مقدمة للديوان تتحدث فيها عن الشاعر وديوانه هذا وتقول بأنها تتحدثُ عن الجانب الآخر من شخصية وإختصاص الشاعر، بعيداً عن إختصاصه في مجال التاريخ وتؤكد أن الشاعر كتب في ديوانه هذا أدباً واقعياً، وما كتبه هو مرآة لمرحلة تاريخية عصيبة تميزت بالعديد من الأحداث المأساوية، مشيرة إلى أن الشاعر كتب قصائده هذه بلغة شعرية بسيطة، لكنها مؤثرة ومعبرة لتوصيل رسالته إلى المتلقي وبيان مضامين تلك الرسالة في هذا الصدد، التي تتميز بجوانب إنسانية وسلمية ومعاداة الحرب والدفاع عن الهوية القومية والوطنية لشعبه.
لقد كتب الشاعر هذه القصائد في تلك الفترة قبل أن يتخرج من قسم التاريخ في كلية الآداب بجامعة بغداد وحصوله على شهادة البكالوريوس في التاريخ ومن ثم أكمل دراسة الماجستير عام 2008 ومن ثم حصوله على شهادة الدكتوراه في التاريخ من جامعة السليمانية وتدريسه للتاريخ الكوردي الحديث والمعاصر في كلية تربية كلار التابعة لجامعة السليمانية.
وتتميز قصائد الشاعر بلغة شعرية سلسة تتضمن صوراً بلاغية شتى، حيث يقول الشاعر الكوردي لطيف هلمَتْ عن الديوان: إن القاريء الذي يستهويه قراءة الشعر، فإن هذا الديوان يتضمن العديد من القصائد الفارعة التي تستحق من القاريء أن يخصص وقتاً لقراءة تلك القصائد.
في حين يقول الشاعر والناقد فرهاد شاكلي عن الشاعر وديوانه بأن الشاعر ليس مؤرخاً فقط، بل في الجوانب الأخرى ينظر بنظرة مؤرخ إلى الجمال والمرأة والإضطهاد وحسرة البعاد والعشق، ولا يكتب عن التاريخ السياسي ولا يروي الأحداث المأساوية التي مرّت بها الأمة والوطن، فحسب بل یجعلُ من تاريخ الجراح وهجرة الفراشة وإنتفاضة شجرة الجوز ورحلة الموت تاريخاً.
نرتأي في هذا الصدد ترجمة القصيدة التي يحمل الديوان عنوانها ألا وهي قصيدة (أصفق ولا اصفق).
قصيدة أصفق ولا أصفق
للشاعر أحمد باورّ
كيفَ تُفْتَحُ
هذه الأيادي.. هذه الأيادي كيف!
متى تُفْتَحُ
هذه الأيادي.. هذه الأيادي متى؟!
هذه التصفيقات.. هذه التصفيقات
في عقدِ قرانِ أي خطيبٍ
ومخطوبةٍ تُصَفّقُ
هذه التصفيقات .. هذه التصفيقات صامتةٌ جداً
هذه التصفيقات .. هذه التصفيقات صامتةٌ جداً
يُرجى ألاّ تُصَفّقُ هذه التصفيقات تباعاً
في أتون عواطفَ وحرارة هذا العیدِ
كي لا تغدوَ في تهاليل هذا الفصلِ
خليفةً وشيخاً وصوفياً لهذه الأيام
آهٍ من هذه التصفيقاتِ وهذه الأيدي!
كمْ هي أنفاسُ ورائحةُ دموعٍ غزيرةٍ .. غزيرةٍ
آهٍ من هذه الأيادي وهذه الأسلحةِ وهذه التصفيقاتِ!
كمْ هي همومٍ ضخمةٍ عميقةٍ ثقيلةٍ .. ثقيلةٍ
هذه التصفيقات.. هذه التصفيقات
تشبهُ غابةٍ غيرُ منتظمةٍ
تصبحُ أحياناً قاعدةً لبومِ عصرٍ
تَتَمَدّدُ تحتَ ظِلالِ ليلةِ حالِكةَ الظلامِ
هذه التصفيقات.. هذه التصفيقات
تشبهُ خطواتِ إمرأة عاهرةٍ
تشبهُ رجلاً مازوخياً
كلّ مرّةٍ يستخدمُها أحدُهُم
كلّ مرَة تَمُدُّ أياديها لترحبّ بالخصوم
وتصافحَ الأعداء بحرارة!
هذه التصفيقات.. هذه التصفيقات (لا تَجدُ في أيّ شيءٍ حرجاً)
تُمضي جلّ أعمارها
في الإحتيالِ والخِداعِ
هذه التصفيقات.. هذه التصفيقات
في كلّ يوم
في كلّ شهرِ
في كلّ سنة
في كلّ قرنِ:
هي تصفيقاتٌ وتصفيقاتٌ
تُصفَقُ و تُصفَقُ و تُصفَقُ دوماً
في الرقص
والمأتمِ
وفي حفلات ِ وأعيادِ الملوكِ!
تتَعَفَّنُ هذه التصفيقاتِ
هذه التصفيقاتِ
وتَذْبُلُ دون أن تُفنى
تَتَعَتّقُ هذه التصفيقات دون أن تُحْفَظَ
هذه التصفيقاتُ .. هذه التصفيقاتُ
تصابُ بالحمّى دونَ أن تَفْتَكَ بها
هذه التصفيقاتُ .. هذه التصفيقاتُ
عارٌ ..فقدتْ ماءَ وجهها
تقفُ في كلّ مكانٍ منكوسةَ الرأس:
لتدلِفَ كلّ غرفةٍ
كلّ مطبخٍ
كلّ مدينةٍ
كلّ بلدٍ من هذا الكونِ الفسيحِ
هذه التصفيقاتُ .. هذه التصفيقاتُ
تُصْفَقُ و تُصْفَقُ و تُصْفَقُ
تَتَعَتّقُ هذه التصفيقات دون أن تُحْفَظَ
هذه التصفيقاتُ.. آهٍ كمْ هوَ عجيبٌ، آهٍ كمْ هوَ عجيبٌ أمرَ هذه التصفيقاتِ!
ولِدْنَ في رحمِ شارعٍ مسقوفٍ!
هذه التصفيقات تُشبهُ الصراصير
إن لمْ يَكُنْ هناكَ بابٌ
فإنها تدخلُ من النوافذِ والثقوبِ الصغيرةِ
ومجاري المرافقِ
دونَ أنْ (تَبْتَلَّ)!
إنّ هذه التصفيقات أينما كان
أو لم يكن
ستجدُها في مَقدَمِ كراسيَ إحتفالاتِ
عَرشِ وتيجانِ الملوكِ
تُميلُ (غُطْرَتِها) قليلاً
لتَجلِسَ هادئةً خَذِلَةً!
أيلول 1994