( أدب الطرف الآخر )
سبق لي وأن نشرت مقالة بعنوان ( الترجمة بين العلم والفن والذوق الأدبي ) يمكنني إيجازها بأن للترجمة عالمها الخاص ومجالها الواسع، وهي حقل من أهم حقول المعرفة التي لها جذورها الضاربة في التاريخ ، كما أن لها اختصاصاتها وتشعباتها وتخصصاتها الدقيقة أيضاً. أما المترجم فإنه يجلس في كل لحظة أمام أختبار دقيق لا يدركه إلاّ من كان له باع طويل في هذا المجال ليخلص إلى حقيقة مفادها أن الترجمة ليست مجرد نقل معنى من لغة إلى أخرى بقدر ما هي فن وذوق وجمالية؛ وهذا بطبيعة الحال غالباً ما ينطبق على ترجمة الأعمال والنصوص الأدبية التي تقتضي تقديم نص ُمتَرجَم كما لو كان النص الأصلي ذاته من حيث الصور الأدبية والجمالية والعوالم التي رسمها المبدع الأصلي نفسه.
ويسعدني اليوم أن أوجه دعوة إلى تفعيل دور الترجمة ( لأدب الطرف الآخر ) للتعمق في فهمه وقراءته من خلال هذه الجزئية الهامة ؛ في الوقت الذي نجد فيه هذا ( الآخر ) يهتم ويقرأ ويطلع على كل مانكتبه كي يتعرف على كيفية تفكيرنا ونظرتنا له ولأنفسنا أيضا ً من خلال أعمالنا الأدبية والإبداعية.. الخ. وفي الحقيقة، أنه قطع شوطاً طويلاً منذ زمن في هذا المجال بينما نحن مازلنا ((نحبو))، وربما نكون أصلاً في مرحلة ما قبل التفكير المنهجي المدروس للوصول إلى هذه الجزئية بشكل جاد.
حقيقة، رأيت من الأفضل أن اطلق تسمية ( الطرف الآخــــر ) نظراً لتعدد وجهات النظر واختلاف الآراء في تعريف ماهية هذا الأدب ؛ فمنهم من يطلق عليه الأدب الأسرائيلي ، العبري ، اليهودي، الصهيوني... الخ. وقد أطلعت على تعريف لهذه التسميات من خلال دراسة للأستاذة / شيرين يوسف بعنوان " نافذة على الأدب الإسرائيلي" نشرتها مجلة ديوان العرب في عددها الصادر في آذار (مارس) 2005؛ حيث ورد في هذه الدراسة أنه: "لا يمكن الحديث هنا عن أدب اليهود على أنه مجرد الأدب العبري، حيث أن الأستاذ محمد توفيق الصواف في حديثه عن ظاهرة الأدب الإسرائيلي أشار إلى نقطة غاية في الأهمية و هي ضرورة مراعاة الألوان الأدبية الأربعة التي يتألف منها:
فأهم ما يميز مصطلح (أدب يهودي) هو أنه شمولي وعام جداً، بسبب افتقاره إلى المحددين الجغرافي واللغوي اللذين يعدان الأساس في تحديد الهوية القومية لأي أدب، والأدب اليهودي يشمل أدب اليهود في مختلف البلدان التي سكنوها، على مر العصور، و أياً كانت اللغة التي كتبوا ذلك الأدب بها.
ومثل هذا التعريف، ينطبق، إلى حد كبير، على مصطلح (أدب صهيوني) لافتقاره، كسابقه، إلى المحددين الجغرافي واللغوي، واقتصاره على المحدد الأيديولوجي الذي يدل على اتجاه مؤلفيه ومضمونه، بغض النظر عما إذا كان هؤلاء المؤلفون يهودا أم غير يهود، وبغض النظر عن انتمائهم القومي واللغة التي كتبوا أدبهم بها.
أما مصطلح (أدب عبري)، فيتميز عن سابقَيه بدلالته على أن اللغة العبرية وحدَها، هي القاسم المشترك الأهم بين النتاجات الأدبية المنتمية إليه، على اختلاف جنسيات مؤلفيها وأماكن إقامتهم وأديانهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية.
وأما مصطلح (أدب إسرائيلي)، فالمقصود به ذلك النتاج الأدبي الذي كُتب في الكيان الصهيوني، بعد قيامه، عام 1948، سواء نشر داخله أو خارجه، شريطة أن تكون مسائل بنيته المجتمعية الاستيطانية ومشاكله، في واقعها ومكوناتها، هي المحور الرئيس لمضمون هذا النتاج، بغض النظر عن موقف مؤلفيه تجاه هذه المشاكل، وبغض النظر، أيضا، عما إذا كانوا مناصرين لسياسة الكيان أو كانوا ضدها، كما هو حال من يسمون بأدباء الاحتجاج. وسواء ألفوا ما ألفوه باللغة العبرية الحديثة التي كتب بها معظم هذا الأدب، أو بغيرها من اللغات الأخرى المستخدمة في الكيان، كما هو الحال بالنسبة لكتابات الروائية (ياعيل دايان) مثلاً التي رغم إقامتها في فلسطين المحتلة، تكتب بالإنكليزية أدبا يتحدث عن واقع الكيان الصهيوني.""
وهكذا، وعلى ضوء هذا الأستعراض الموجز، واستنادا لأختلاف النظرة للعمل الأدبي ذاته من حيث كونه ( إسرائيلي، عبري، يهودي، صهيوني ) ، ربما يتساءل البعض عن الأدب الذي سوف نهتم بترجمته.. أعتقد أنه ينبغي علينا ترجمة هذه الآداب كلّها لأنها في نهاية المطاف لا تخرج عن دائرة الفكر نفسه والنظرة ذاتها مهما اختلف الطرح أو قراءة الأشياء.
* * *
وفي النهاية، أؤكد على أهمية ودور تفعيل ترجمة أدب الطرف الآخر بطريقة منهجية مدروسة لامجرد جهود فردية، لاسيما وأننا نطلع على بعض الدراسات حول هذا الأدب لنكتشف أنهم يرسمون صورنا بطريقة مشوهة متعمدة مخالفة لواقعنا. واسمحوا لي أن اقتبس بعض الفقرات من دراسة بعنوان "العربي في الأدب العبري" بقلم دكتور / محمد أيوب ، منشورة في مجلة ديوان العرب _ عدد أيار ( مايو ) 2005 م :
"تعمد الكتاب الصهاينة تشويه العربي والشخصية العربية خدمة لأغراض الحركة الصهيونية، وقد تأثرت أجيال الشباب بتلك الصورة التي قدمها الأدباء الصهاينة للعربي........ فقد صورت القصص العبرية بين 1948ــ1967 العربي في أبشع صورة، فقد كان العربي في الأدب العبري يشكل كابوساً مزعجاً، تسيطر عليه نزعات الشر والعدوان، ويهدد كيان إسرائيل وحضارتها ...... ولعل المبالغة في الاستهتار بالعربي وتحقيره تأتي ضمن سياق محاولة تبرير عملية الاجتثاث للعرب].....
والعربي لص وقاس حتى بالنسبة للقمح الذي يطحنه، فرغم حصوله (العربي) على أجرة مرتفعة فإنه لن ينتج عن هذا الطحن سوى قليل من الدقيق [39. ويترك للقارئ أن يستنتج أن العربي لص، وعجنون يحمل نظرة معادية للعرب،إذ أنه يعتبرهم حجرعثرة في طريق الاستيطان اليهودي، ورغم تعصبه وتدني مستواه الأدبي فإنه يمنح جائزة نوبل في الآداب سنـة1966. [40] "..... "
والعربي عند يهودا بورلا" مجرد من الشعور القومي، فيه جشع للمال ،يميل إلى الخيانة كي يحصل عليه، بينما اليهودي مضح، منكر للذات مخلص في أداء واجبه ".
"ولا نجد في الأدب العبري شخصية عربي يعمل طبيباً أو مهندساً أو أستاذاً جامعياً أو أديباً، ولا نجد كذلك في الأعمال الأدبية رجل قانون عربي أو عالم آثار......" .. "أما آرثر كوستلر في روايته (لصوص في الليل) فهو يقدم لنا سكان قرية عربية كاملةعلىأنهم أميون وبهاليل".
وهذه مقتطفات موجزة من الدراسة من اجل تقديم نماذج من صورتنا المشوهة في ادبهم وفكرهم ونظرتهم لنا. وبهذه المناسبة ، اتوجه بالتقدير لأستاذنا وشاعرنا الكبير دكتور / فاروق مواسي الذي له بصمته في الترجمة الأدبية في هذا المجال.
مشاركة منتدى
12 شباط (فبراير) 2018, 10:40, بقلم أمل
جزاك الله خير !!