كلمّا تدثرت بالسفر .....يعريني الحنين .
ها أنا أعود إلى تونس بدونك ...
أوّل مساء أقضيه بعيدة عنك بعد سفري ...
أسحب كرسيا و اجلس في الشرفة الشرقية التي تطل على الحديقة ،ذلك المكان الذي تحبّه و الذي طالما جلسنا فيه معا ....
كان الوقت غروبا و كانت الشمس تتباطأ في لمّ أشّعتها و الرحيل لا تريد أن تفارق النهار بسرعة
و أنا كيف فارقتك بتلك السرعة ؟
مازال عتابك يرّن معذبا في أذني :
" ببساطة ترحلين و بصعوبة تعودين "
أذكر أيضا أنك كتبت لي في إ حدى رسائلك :
" ............آلان منتصف الليل أستمع إلى رخماتوف ...أرى عينيك .... و هما أجمل ما رأيت في هذا النهار.... غدا صباحا أتّصل بك ....إشتقت إلى سماع صوتك ... أنت يا من لا تشتاقين لشئ ....."
هكذا ختمت رسالتك
أطوي ورقات الرسالة ،أعيدها لظرفها
أبتسم !...
أصحيح أنني لاأشتاق لشئ ؟
أم أنني أمتحن بك الإخلاص ؟ و أكذب بك ذلك المثل الفرنسي القائل " بعيد عن العين بعيد عن القلب "
ألست أ نت القائل في كتابك "عين السحاب " :
" ....نسافر لنبلغ الذين نحبهم أننا لا نزال نحبهم و ان البعد لايقوى على دهشتنا و أن المنافي لذيذة و طازجة كالاوطان نسافر ليكون الوداع مليئا بالوعود ...."
بين طائرة و طائرة أحاول عبثا حفر هوة لأردم بها حبا لا أريده ان يعيش على أسلاك الكهرباء ...و إنتظار رنين الهواتف
و إذا كان الفلاسفة قد إكتشفوا أن الانسان إنما خلق اللغة ليخفي بها مشاعره فالانسان أيضا قد إخترع السفر للهرب من مشاعره ....
و لكن ها أنني كلما تدثرت بالسفر يعرّيني الحنين ...
من قال أننا نسافر لننسى ؟
في السفر نحمل معنا حقائبنا ووجوه من نحب تندس خلسة بين طيّات ثيابنا ....
و ها أنا أراك في كلَ فستان ألبسه ...و في رائحة كلّ قميص ...
فكل سفر و انت حبيبي !