قلم المحبة
كان والد منى كادحاً و محباً لأسرته، يعمل في البلدية مستخدماً يجمع القمامة مرافقاً جرار البلدية مع اثنين من رفاقه، وهو راض وفخور بعمله، لأنه مؤمن أن المجتمع متكامل ومتعاون، وكل فرد له دور ووظيفة وموهبة، وللبيوت أسرارها، والعلم هو المنتصر، لذلك تراه يشجع ابنته منى ذات الثانية عشرة من عمرها على التفوق في المدرسة.
عاد والد منى مسروراً إلى بيته حيث وجد ضمن القمامة قلماً فاخراً، فجربه على كيس ورقي، وبدا رائعاً، وعلامات الرضا ظهرت على وجهه، فراح يكتب بخط جميل اسم ابنته، وكأنه حقق المنى، وأصبح حرف الميم له سحر خاص، وكذلك النون والألف المقصورة، ودار خياله حول ابنته، كيف ستفرح به، ويزيد اجتهادها، وهنا قطع شريط خياله مباركة رفيقيه بالقلم وسرورهما،حيث قال لهما:
إن ابنتي بحاجة ماسة لقلم، فقد وعدتها أن أشتري لها قلماً اليوم.
قال أحدهما: التلميذة منى مجتهدة ومتفوقة في صفها،تستحق الخير.
ردَّ والد منى: البارحة لمحت الحزن يظهر على وجهها لأنها لا تملك قلماً، وقالت لي: إنها تنظر بحسرة إلى الزميلات والزملاء، وكم راحت ترجو والدتها لكي تؤمن لها قلماً، ووالدتها تقول لها:
غداً يقبض والدك راتبه ونشتري لك قلماً.
كانت الأحلام تركض عند والد منى للوصول إلى البيت وما هي إلا ساعات قليلة يصل والدها، والبسمة على محياه، وقبل أن يغتسل ويتناول الغداء أخبر ابنته أنه جلب لها قلماً، وكم كانت الفرحة كبيرة، تغمر وجه منى، وهي تتأمل القلم، وتكتب به اسمها، واسم والدها،واسم والدتها، وأسرعت وفتحت حقيبتها، لتدرك ما فاتها في الصف من حلول للمواد التي تم أخذها.
وفي اليوم التالي استيقظت منى باكراً مشرقة الوجه,قد غمرتها السعادة، وانطلقت إلى المدرسة والدنيا لا تسعها من الفرح، لأنها تملك قلماً ثميناً وفاخراً.
وعندما بدأ الدرس الأول، أخرجت القلم، وراحت تتابع مع المعلم الدرس، وتكتب بفخر كل ما يكتب المعلم على السبورة، وهي تنظر إلى القلم كأنه سيف انتصار.
في الوقت ذاته كان التلميذ واصل الكسول والمهمل لدروسه وأغراضه لا يحمل قلماً،فقد تعوَّد على التبذير والإهمال،فأخذ يجول بنظره حوله، فرأى منى تكتب بقلم، هو القلم نفسه الذي كان معه قبل ثلاثة أيام، فظنَّ أن منى قد سرقته منه، فقام واشتكى للمعلم قائلاً:
أستاذ.. لقد سرقت منى قلمي
هل هذا صحيح يا منى؟ (قال المعلم)
لا يا أستاذ..أنا لا أسرق... هذا قلمي لقد جلبه لي والدي...
أخذ المعلم القلم وراح يتأمله، وقد وقع في حيرة وراح يحدث نفسه:
منى تلميذة مهذبة، فلا تسرق، لكن القلم فاخر وثمين، ولا يستطيع والدها شراء مثل هذه الأقلام... كيف أعرف الحقيقة؟
وهنا خاطب المعلم منى:
هل متأكدة أن القلم لك ؟وجلبه لك والدك؟
ترد منى بثقة: نعم يا أستاذ..متأكدة
يقاطعها واصل:القلم لي اشتراه لي والدي..منى سرقته.
قال المعلم:منى مهذبة، ولا تسرق يا بني، سوف ننظر بالأمر، و الآن نتابع الدرس
بعد انتهاء الحصة أخبر المعلم مدير المدرسة بقصة القلم، وشرح له ما جرى معه بين منى وواصل،وفي اليوم التالي طلب مدير المدرسة ولي الطالبة منى،وولي الطالب واصل،ليس من أجل قيمة القلم لكن للتحقق بالأمر، ومعرفة قصة القلم.
والد منى يرجع كل يوم من عمله،ومعه أشياء قديمة و مفيدة، رماها أصحابها الميسورون من أحذية وألبسة وأدوات متنوعة، والفقراء يحتاجون لها، وهم في عوز إليها.
وبعد الغداء هاتفَ مديرة المدرسة والد منى، وقطع شروده وحلمه بالأشياء المفيدة في عمله، وأخبره بالحضور للمدرسة، وشرح له أسباب الدعوة، وهنا راح والد منى يرجع اللحظات ساعة قدَّم القلم لابنته حيث قال لها:
أريد أن تصبحي دكتورة بالمستقبل.
ردت منى بفرح وقبلت جبين والدها وقالت: إن شاء الله،أنا فخورة بك يا والدي.
وراح والد منى يسأل نفسه:
هل ما أجده في القمامة هو سرقة؟ أهو حلال أم حرام؟ وأخبر زوجته ما قاله مدير المدرسة.
وقبل موعد الذهاب للمدرسة أخبر والد منى رفيقي العمل سالم ومحمود بالقصة،فذهبا معه،وحضرا إلى المدرسة وحضر السيد والد واصل والسيدة زوجته
سأل مدير المدرسة بعد الترحيب بهم:
أريد معرفة قصة القلم ما قصته؟
قال والد منى:لا أدري إن كنتم تعرفون أنني أعمل مستخدماً في البلدية، وكل يوم أجد الأشياء المرمية في الحاويات، وآخذ ما يفيدني، ومن يومين وجدت قلماً وأعطيته لابنتي المحتاجة له، ويشهد بذلك رفيقا عملي.
قال الرفيق الأول سالم: إنني شاهدت فرحة والد منى وهو يجد القلم بين القمامة.
قال محمود:وأنا أشهد كذلك.
قال المدير: وضحت القصة.. وأنا على يقين أن التلميذة منى مهذبة جدا...
قال والد واصل: القصة صغيرة وبسيطة،أمن أجل قلم؟ لابنتنا منى علبة أقلام كاملة هدية مني، وأنا في أسف (ينظر نحو عمال النظافة) يا شباب..
تقاطع زوجة والد واصل وتقول:
كل الحق يقع عليَّ، كان القلم قرب سلة المهملات في غرفة الدراسة لواصل.. وقد ظننت أنه غير صالح للكتابة فرميته في سلة المهملات.. ووصل القلم إلى ابنتنا منى حماها الله، وأرجو من الأستاذ المدير استحضار ولدي واصل من صفه، واستحضار منى، لكي يعتذر ولدي من منى لأنه اتهمها بالسرقة.
وتم حضور واصل ومنى، وشرح مدير المدرسة كيف وصل القلم من بيت والد واصل إلى بيت والد منى، وكان الاعتذار، والسرور والتعارف النبيل بين الأسرتين، وكان قلم المحبة يرفع رايته في المكان عبر إيقاع إنساني جميل.
= انتهت
مشاركة منتدى
15 نيسان (أبريل) 2023, 18:06, بقلم مفيد فهد نبزو
قصة معبرة هادفة للأديب والكاتب السوري الشاعر الملهم الأستاذ سلوم درغام سلوم المحترم ، وكل الشكر باحترام وتقدير ومودة لديوان العرب ومدير الموقع الأخ الأستاذ عادل سالم المحترم .