الأربعاء ١٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٨
بقلم محمد غاني

سجادة لا تبهت تحت الشمس

يعتني معظم أفراد البشرية بمظهر ملبسه و مسكنه ليكون ذلك مرآة شخصيته في ذهنية الرائي، لكن يتناسى أغلبهم الاعتناء بما هو دائم لا يهترأ بمرور الزمن، مثل أن نفرش بيوتنا بالابتسامة المتكررة و الترحيب القلبي الدائم و ان مع قلة ذات اليد.

انه بالاعتناء الدائم بالرأسمال المتواجد في اليد، يمكننا التطور و الترقي و تنمية الرأسمال ذاك، و إلا فانه كم من شخص حصل على المال الوافي عن طريق الهبة او الارث و لم يحافظ عليه لا لشيء سوى أنه غير مؤهل من ذي قبل لكل تلك المتغيرات في حياته.

يقول جيمس ألان في كتابه القيم "كما يفكر الانسان يكون" مخاطبا القارئ "ربما تعيش في كوخ صغير محاطا بمؤثرات غير صحية و ربما ضارة، و ترغب في منزل أكبر و أكثر ملاءمة من حيث شروطه الصحية، عليك إذن أن تكون ملائما للاقامة في مثل هذا المنزل، و تفعل هذا أولا بأن تجعل الكوخ الذي تعيش فيه جنة صغيرة قدر الامكان....افرش منزلك بالابتسامات و الترحيب و ثبت هذه بمسامير الكلمات اللطيفة و مطرقة الصبر، مثل هذا السجاد لا يبهت تحت الشمس و لا يهرأ من الاستخدام المتكرر".

بمثل هذا التعهد الذي يطلبه منا هذا المفكر الامريكي لرأسمالنا اللامادي يمكننا ان نحافظ على رأسمالنا المادي لان جواهر المعاني و القيم اغلى في حقيقة أمرها من الجوهر و اللؤلؤ المادي، فالاولى دائمة و الثانية فانية، ليس فقط في نظر الزهاد كما قد يتبادر الى الذهن بل بمنظار المنطق و العقل لانه بالحفاظ على رأسمالنا اللامادي نكون مؤهلين للحفاظ أولا ثم لتنمية راسمالنا المادي.

عند الترقي في معارج الوعي تتغير نظرتنا للأمور فتنقلب المساوئ الى محاسن، فالكل مسخر للانسان ليستعمله في تحقيق مقاصده، الا انه حين تغلف البصيرة بحجب المادة لا تظهر الاشياء على حقيقتها فيخطئ الانسان طريقه من حيث يظن انه على الصواب، و العكس دوما صحيح، فبقدر تقدمه في عملية الصعود الافقي في معارج الوعي، كلما انجلت حجب استار الران عن قلبه لتنجلي له حقائق الاشياء كما هي، فتعظم قيمة المعاني الراقية في باطنه، وبرأسماله اللامادي ذاك يحافظ و ينمي رأسماله المادي.

ان "افتقاد الوقت و نقص وقت الراحة" مثلا يضيف نفس الفيلسوف مخاطبا قارئ كتابه "كما يفكر الانسان يكون"، "ليسا دوما بالشر الذي تتخيله، و اذا كانا يعيقان تقدمك فهذا لانك ألبستهما ضعفك أنت، و الشر الذي تراه فيهما كامن فيك أنت"

لذلك فإن تطهير الذهن من الخلفيات الفكرية العالقة به شيء لا بد منه لتحقيق القدر الضروري من الصفاء الذهني المراد تحصيله، لتتضح الرؤية و تصفو مرآة الاسطرلاب، الذي يمكن استخدامه لاكتشاف شوائب الطريق و تجنب المكاره، بل و تحويلها الى بنزين و دوافع حقيقية لبلوغ المراد.

يمكن للمرئ حسب جيمس ألان ان يستخدم فقره ليؤسس عندها للصبر، و الامل و الشجاعة، و يمكن توظيف نقص توفر الوقت لاكتساب المزيد من الهمة في العمل، و السرعة في اتخاذ القرار، و استغلال اللحظات الثمينة التي تقدم نفسها للمرئ، و عليه ان يقبها كما هي، فاجمل الازهار في نظره يمكن ان تنمو في اقذر الترب.

كم من الحجب الفكرية و الاستار الوهمية هي سبب تأخر الافراد و الجماعات و الامم، فكم نحن محتاجون اليوم اكثر من اي وقت مضى لوثبة روحية تصفي الاذهان من التعلقات القلبية برأسمال مادي، لا نقول بالغائه، لكن ندعو الى الوعي به و الحفاظ عليه و تنميته بالوعي بتراثنا اللامادي المتجلي جواهر المعاني و القيم الاخلاقية التي تحويها فطرتنا الانسانية ك"أسماءٍ كلها" علما الحق لآدم ليحقق مصالحه دون سفك للدماء، لا لشيء سوى أن الاخلاق هي لجام الطمع و الجشع الانساني غير المنضبط لضوابط النواميس الكونية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى