الثلاثاء ١٣ آب (أغسطس) ٢٠٢٤
زيارات الأسرى في كتاب حسن عبّادي
بقلم فراس حج محمد

يوميات الزيارة والمزور

صدر مؤخرا عن دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافية للنشر والتوزيع في رام الله وعمّان كتاب "يوميات الزيارة والمزور- متنفس عبر القضبان" للكاتب الفلسطيني المحامي حسن عبادي. ويقع الكتاب في (230) صفحة، واشتمل على زيارات المحامي عبّادي لمجموعة من الأسرى؛ بدأت صباح يوم الاثنين 3/6/2019، واستمرت حتى 13/8/2023. أربع سنوات تقريبا من الزيارات لسبعين أسيرا فلسطينيا، وخصصها لزيارة الأسرى الكتّاب. وقد وظّف الفنان ظافر شوربجي صور هؤلاء الأسرى لتشكيل لوحة الغلاف مع إثبات اسم كل أسير، تحقيقا لمقولة إن لكل أسير قصة واسم، وليس مجرد رقم أو حالة عديمة التاريخ الإنساني والامتداد الاجتماعي في الأرض الفلسطينية.

يهدي المؤلف كتابه بالإضافة إلى ابنتيه وأحفاده والأسرى الراحلين، إلى زوجته سميرة التي يعترف بفضلها في هذه الزيارات؛ فهي التي ألهمته الفكرة وتنفيذها "ولها الفضل في استمراريتها". كما أنها كانت حاضرة في بعض تلك الزيارات في ثنايا الكتاب، والحديث مع الأسرى.

أشرف على الكتاب وحرره الكاتب فراس حج محمد، وجاء في كلمته: "يأتي هذا الكتاب المتبلور من مشروع الزيارات للأسرى الكتّاب، وقد حرص [مؤلّفه] أن يجعله "متنفسا عبر القضبان" للأسرى، يتنفسون فيه ومنه، من رئتين: رئة التواصل الاجتماعي مع المحيط والبيئة المهتمة بالأسير، ورئة الكتابة، وقد ساعد هذا المشروع على ولادة كثير من الكتب للأسرى الكتاب، وتشجيع آخرين على الكتابة". كما أعدّ المحرر في نهاية الكتاب مسردا تعريفيا لهؤلاء الأسرى الذين تمت زيارتهم، شاملاً بلد الأسير، ومولده، ومدة حكمه.

تنوعت الأحكام الصادرة بحق هؤلاء الأسرى ما بين الإداري لعدة شهور، تجدد كل مرة، إلى الحكم بالمؤبد 27 مرة للأسير عمار الزبن، وثمة أحكام تثير السخرية المرة كالحكم الصادر بحق الأسير ناصر عويص ومدته (14) مؤبدا و(50) عاماً و(4) شهور، وتراوحت أعمارهم؛ فمنهم من ولد عام 1956، وهو الأسير كريم يونس، وأصغر أسير وهو الأسير المقدسي زكريا البكري، حيث ولد عام 2001، كما تنوعت بيئاتهم الاجتماعية والجغرافية وخلفياتهم السياسية التي يمثلونها، فقد كانوا يمثلون فلسطين من بحرها إلى نهرها؛ من مدن فلسطين وقراها ومخيماتها، ومن الضفة الغربية، ومن القدس وغزة، ومن فلسطين المحتلة عام 1948.

أنتجت هذه الزيارات (147) لقاء، إذ كان يلتقي المؤلف بعدة أسرى في اليوم الواحد، وزار بعضهم عدة زيارات، وكانوا يتناولون بالحديث الأوضاع العامة الإنسانية والاجتماعية، وأوضاع الثقافة والكتابة والتأليف، إضافة إلى ما يتعرض له الأسرى من تنكيل وتعذيب من إدارات السجون التي هم فيها. ويعدّ الكتاب وثيقة مهمة لما يحدث داخل السجون الصهيونية من إجراءات، وكيف يعيش الأسرى، وكيف يفكرون، وكيف يشكلون مجتمعا منظما داخل تلك السجون.

كما أن ما اشتملت عليه المادة وأفق الحوار مع الأسرى الكتاب يكشف عن أمنياتهم وتطلعاتهم وأفكارهم وما اشتملت عليه كتبهم ومشاريعهم الثقافية، وأسماء كتبهم، ومراحل التأليف وما يتعرضون له من إجراءات قد تودي بتلك المشاريع، وأسماء السجون وأماكن وجودها، وما صاحب تلك الزيارات من مشقة الطريق والسفر التي وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من خمس ساعات في الذهاب وأخرى مثلها في الإياب.

جاء في مقدمة المؤلف للكتاب "استخدمت سلطات الاحتلال السجون كوسيلة لمعاقبة المناضلين الفلسطينيين واستهدافهم نفسياً وفكرياً في محاولة بائسة لتطويعهم وسحق إنسانيتهم ووطنيتهم عن طريق الحرمان من أبسط الأمور، ومحاولاته المستدامة والمميتة هذه هدفها تطويع الدماغ وتحطيم المعنويات وصهر الوعي وكسر الإرادة الوطنية وشيطنته لعلّه يفقد آدميّته". ولذلك فقد جاءت هذه الزيارات وتسجيل ما تمّ فيها للرد على هذه الاستراتيجية الاحتلالية القامعة للنضال الفلسطيني، وقد كانت واضحة ليس بالإجراءات التعسفية بل بنزعة الانتقام من الأسرى، والحكم عليهم أحكاما عالية مبالغا فيها، تنم عن لا إنسانية المؤسسة الصهيونية، فالأسير ربما سيظل سجينا بعد الموت، لأنه ببساطة لم تنته مدة حكمه البالغة ثلاثة مؤبدات أو أربعة وأحيانا قد تصل إلى تسع مؤبدات، وبهذا المنطق يحتجز الكيان الصهيوني بعض جثامين الأسرى الشهداء، بحجة عدم انتهاء مدة حكمه، كالأسير الشهيد وليد دقة الذي استشهد بتاريخ: 7/4/2024.

ويختم المؤلف كتابه بتمنيات التحرر للأسرى جميعا، ليحقق أمنيته وأمنيات الأسرى الكُتّاب في صهر مفاتيح السجن، وعمل تمثال حرية منها، وفي زيارة بيت المؤلف في حيفا حيث سيسهرون على تلك (البلكونة) التي احتضنت أحلامهم، وقد جعل منها المؤلف منصة ثقافية يعرض فيها كتب الكتاب الأسرى، محتفيا بها، كلما صدر لأحدهم كتابا جديداً، حتى غدت تلك البلكونة (الشرفة الحيفاوية) مشهورة لدى الأسرى ولكل من يتابع مؤلفاتهم، إذ ارتبطت كتبهم والأخبار عنها والقراءات النقدية ونشاطات الإشهار بتلك الصور الملتقطة من هناك.

ومن الجدير بالذكر أن كتاب "يوميّات الزيارة والمزور" واحد من سلسلة كتب انبثقت من مشروع المحامي الحيفاوي حسن عبادي مع الأسرى، سبقه كتاب "الكتابة على ضوء شمعة"، وسيتبعه كتب أخرى لتوثيق زيارات الأسيرات اللواتي زارهن عبادي، وكذلك زيارات الأسرى الآخرين التي تمت بعد آخر زيارة توقف عندها الكتاب وهي 13/8/2023.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى