جدران شطة تصرخ خجلا
الألم يأخذني فلا اعرف العودة الى ذاتي, وذاكرتي تجلدني بنزيفها, والدم الأزرق الفاسد أمام نظري لشرطي مخوَل إنسانيا بحبس أجساد تمردت أرواحها حتى ألولادة وكأن الشيطان يقف وراء جيش ألملائكة, أشخاص بلا ملامح......فزّاعات.
وصلت الى حدود جدرانِِ ٍ تصرخ بصمت....يسمعه كل من له ضمير وكرامة
"أنا وكل فتات حجر بي ينزف خجلاَ ً من عيون وطنِِِ ٍ يكبر برجاله حتى أصبحوا عمالقة الجدران "
وصلت الى بوابة جهنم, يحرسها ابن أرضي, يحمل مفاتيح سجن ٍ لأوراق ياسمين طاهرة بيضاء, ونعناع وطن ٍ رائحته تمردت وتخطت حدود ألسماء, أفيقدر عليها جدران وأسلاك.
بخطوات مرتجفة وبغضب يشتعل تقدمت, نظرت بعيونه وسؤال يصرخ في حلقي:
أين الإنسان فيك؟
يجيب الصدى…بعيداً جدا ً جداً, بلا جواز سفر ولا هوية ولا قرار, زاده حزنه واسمه, رقمه ولون بدلته, حاسر الرأس فاقد البصيرة".
آه يا ابن بلدي, قد عودكم أسيادكم أن تكونوا أجلافاً, تقبلون الأحذية التي تدعس رؤوسكم, يا قاسم الشر ويا يوسف الذي أكلته المغريات...أتذكر أن الطفولة قد صادروها ؟ وأن كل الأرامل قد تكورت بطونهم ويوما ً ستلدن ذئباً يعوي في الصحراء وسيسألك حتماً...
هذا البيت لمن؟ من يسكن فيه والكل عراة, والواحد منهم لا يملك ورقة توت؟ أخذك اللحد مني لتختبر صبري, فلا صادقاً في هذه الزمرة التي تكيد لي, هذا عين صوت ألصمت الأخرس الذي يجمع الناس كي يذبحوا ألجمل, والكل هنا شارك في إسقاط ألجمل أرضاً وشدوه بالحبال, ثم بدأو بالطعن...الطعن ...ألكل يطعن والجمل الصبور يرفس برجليه ويطعن الكل على واحد...هذا عين ألصوت ألصمت الأخرس ألذي طعننا جميعاً, أخذ منا صبر الجمل وسلّم الرقاب لسيف الذبح..
وأنت يا أبي دقوك على رأسك بباب السيد... ووقفت تنتظر حتى ألِفتك ألطيور حولتك من فزاعة إلى لعبة للطيور, تتأرجح فوقها صغارها وتقيم الولائم ولا من خوف.
تضحك الطيور وتلعب فوق ذراعك فترتجف وتقول بصمت قاتل:
تآكلت بالطيور التي تسقط من ذراعي فأرفعها فتغضب مني وتنقرني, حفرتني ألسنين وأنا أنتظر...تآكلت , أحس بأني آكل نفسي وتسمن ألطيور , طيور ألله تلك عرفتني ..عرفت همي وبكت علي بكاء مراً وهي تجرجر مني بعض ألحزن, تضحك مني وتقول: يا فزاعة ما عدت للخوف وقد ضيعك ألصبر فلم تفلحي إلا بالخوف وما جمعتنا من ألصبر إلا بقايا حطمت هذه ألضلوع ".
أتقدم نحو شباك الفزّاعة حيث بنت الطيور أعشاشها , وكان ألدم يرسم شموساً صغيرة, طلب مني ألهوية , ناولته إياها فأطل الزعتر برأسه ونبتت من بين أصابعه أوراق نعناع وأحلام.
مجرمة حربٍ أنت ؟
نعم مجرمة حرب أنا...فقد قدت سيارتي بعكس الاتجاه, وسبحت ضد ألتيار, قاطعت حليب ألمستوطنات, وقفت في ألجموع الغاضبة, قاومت الاحتلال وعشقت أرضي وأبناء بلدي.
أخذ يركض بعيداً وتسقط من حوله الجدران.
من هنا في ذالك الاتجاه.. يقول,
أمشي وراءه وأشعر أن العالم صغير لا يستطيع أن يستوعب أنفاسي, أكاد أن أسقط وعيون ألطفل حكيم تستجديني:
اهدئي أرجوك, ألذاكرة لا تحفظ العابر من ألأيام ولا تخلّد الصغائر منها, أما هذا أليوم فيدعوك لأن تستفزي كل قواك وتحضري روحك كي تسجلي وقائعه هو ليس يوماً عابراً, فكوني معي يقظة, ودعك من كوابيسك وتعالي لنمتطي صهوة الجواد ونعبر القارات.
والزوجة حال لسانها يقول: لقد طال الانتظار ولم يبق عندي أحمر الشفاه, عندي ذكرى...ذكرى ألأشياء..., عندي بؤسي يحفر وجهي ويحدد ملامحي أحسن تحديد..والشوق يهزني حين يقترب موعد اللقاء.
دخلنا في عالم ألزمن الموازي "كما سماه وليد دقة " ومن ثقوبٍ في الجدار أضاءوا ألمكان, إنتصبوا أمامي عمالقة الجدران ألزجاجية وعيونهم تصرخ:
أيها ألهواء خذني فأنا أستحق الطيران....
, وكان هواء بيسان ساكناً كالطين والطين كالدم والدم لا أهمية له بعد أن تتحول إلى رقم.
ها هي أمه...يفصلهم عالم زجاجي...ترى هل يبكيها أم تبكيه؟ يمد يده ليخترق الجدار الزجاجي وكأنه يقول لها...
أنا أبنك وأنت أمي وهذه هي ألأعجوبة, كنا معاً ملتحمين في جسد واحد, أشحذ ألحياة منك, أنام وأستيقظ وأبكي, كنت مرهوناً بك أتغذى ألسكينة عبر حبلك ألسري, واليوم نحن منفصلان تحيطنا الغربة والدهشة وبضع كلمات, ونحن على قاب عمرين أو أدنى, وعلى قاب جرحين أو أدنى.
وكانت أللحظة مدببة........ وعقلي الذي أستيقظ مقلوباً على عقب, أركض وعمري ينزلق تحت أقدامهم, وضعت في دهاليز ألمرايا أللامتناهية وصرت أبحث عن وجهي ألذي ضيعته منذ ولادتي, وحقيقتي لم تكن حقيقتي,
"ما عليك إلا أن تعيش التجربة حتى تفهمها " كنت مثل غيري,( وما أكثر غيري في داخل زمننا) أوغل بعداً في مدارات ألغربة مثل كوكب يرفضه مداره ألمألوف, لقد مِتُ والآن يبدأ احتضاري, نموت في ثانية ثم نحتضر طويلا ً فالاحتضار وعي الموت, وعي ألحقيقة, وبدأت تتوالى أمام عيني ألحقائق ألجلفة لزمننا ألمصقول والجذور ألمسمومة لأشجار حدائقنا...
الثراء والسلطة والقسوة والجمال واحتقار ألانا.
وداعاً أيها السيرك, وداعاً ألأضواء ألحارة ألتصفيق, ألشهييييق.
خرجت من سجن شطة وألفزاعات ورائي يمشون بوحل أحذيتهم على أحلامي لأركض داخل تلك ألغابة, حيث يطلق ألقلب عقيرته للريح وللصراخ ألأخرس بلغة جديدة, وداعاً ذالك ألزمن ألمشئوم.....لقد سدّدت فواتيري كلها واشتريت نفسي بنزف روحي ألسري.
أما أنتم يا عمالقة هذا ألوطن ألرابض في صدري, فاملئوا ألدنيا بضحكاتكم من تعاسة من لا يعي بأن زنزانتكم أرحب من دنياهم.
يا لكم من مستحيل ٍ يتحقق عندما تغيب قدرة الرجال
رسالتي هذه إثر زيارتي للسجناء السياسيين لأول مرة في سجن شطة