بنت وثلاثة أولاد في مدينة الاجداد
يظن البعض ان أدب الأطفال او الفتيان هو من أسهل الأصناف الادبية.. يكفي أن تكتب حدوثة صغيرة عن حيوان أو طائر، وان تكون أحرفها كبيرة وألوانها زاهية وصورها جميلة وخيالها واسع حتى تنتج أدبا للاطفال يمكن نشرة وتوزيعه على طلاب المدارس وربما تحقق ربحا وفيرا وربما شهرة لا تحلم بها.. ربما يندهش البعض اذا قلت ان أدب الاطفال هو من أصعب الاصناف الادبية على الاطلاق.. حيث انه ليس من السهل ان تكتب بلغة يفهمها الطفل دون عناء.. ويستمتع بها على نحو يفضلها عن افلام الكرتون.. ويثري بها مفرداته القليلة.. كما انه ليس من السهل ان تحكي للطفل حكاية بسيطة يفهم مضمونها ورسالتها وتنمي خياله الطفولي وتغرس في ذاكرته المفاهيم التربوية الصحيحة وتكرس لديه القيم الانسانية والاجتماعية السليمة.. وتنمي معارفه وتقوي محاكماته العقلية وتساهم في اغناء حسه الجمالي والوجداني، وتتضمن صور فنية ترقى الى مستوى خياله وتلائم افكاره وتوجهاته. انها مهمة صعبة ومسؤولية ادبية اجتماعية اخلاقية عالية جدا.. واذا كان قارىء ادب الكبار، ان صح التعبير، يستطيع التمييز بين الجيد والسيء، بين الصحيح والخطأ، بين الصالح والفاسد، فان قاريء ادب الاطفال تنقصه القدرة على التمييز ويأخذ كل ما يقرأه كما هو ويتأثر به بل يتبناه ويقلده..وينظر الى احداثها باعتبارها حقيقة واقعة يفرح لها وينسجم مع احداثها ويفرح لها.. ومن هنا تكمن اهمية ادب الاطفال وصعوبته وعظم المسؤولية التي تقع على كاهل الكاتب.. ومن هنا ايضا نستطيع ان نقيم أي عمل ونحكم ما اذا كان هذا العمل او ذاك يندرج في اطار ادب الاطفال ام لا.
قصة " بنت وثلاثة اولاد في مدينة الاجداد " للكاتب محمود شقير تندرج تحت تصنيف ادب الاطفال وفئة الفتيان تحديدا، فهي مكتوبة بلغة سليمة سلسة وبسيطة ومفهومة تتناسب مع ثقافة الطفل ومستواه التعليمي وتتضمن صورا فنية جميلة وممتعة وتحمل معان تربوية عظيمة ورسالتها توجيهية رائعة ولعل فكرة العمل البناء والمبادرة هي ابرز الرسائل التربوية التي ركز عليها الكاتب الذي خلص الى نتيجة ان اخذ زمام المبادرة هو افضل الطرق لحل اية مشكلة، ولا يجب ان نكتفي بعقد الاجتماعات وتشكيل الاطر والتنظيمات واطلاق التهديدات بل علينا ان نقوم بعمل على ارض الواقع، وان نبادر الى تنظيم انفسنا لتنظيف شوارع مدينتنا ليس فقط لان النظافة تزيد المدينة جمالا بل ايضا لانها تحمينا من اي ضرر. وتضمنت القصة ايضا رسائل تربوية اخرى لا تقل اهمية مثل توجيه الاطفال حول اهمية تنظيم انفسهم واحترام الرأي الاخر وعدم التسلط في الرأي والقصة زاخرة بالمعلومات التاريخية والجغرافية والسياحية والتنظيمية في مدينة اريحا وهي تحث على حب الوطن والحرص على المصلحة العامة وسلامة المواطنين وعدم المس بالاماكن العامة والاثرية واحترام الوقت واستغلاله وتنمية الموهبة القيادية لدى الاطفال والفتيان واحترام مشاركة المرأة في الفعل الاجتماعي واستقلالها في الرأي.
وهذه العبر التربوية الكثيرة في القصة لم تكن مقحمة او غريبة عن الحدث بل كانت مبررة ووليد طبيعي لاحداث القصة وتطورها.
كتبت القصة بلغة امتازت بالجمال والوضوح والايقاع وطبعت على ورق مصقول مع رسوم توضيحية جميلة بالوان زاهية على نحو يتناسب و المستوى التعليمي والثقافي والتربوي للاطفال وطريقتهم بالتفكير وخيالهم الجامح
خاض كاتبنا الكبير محمود شقير غمار الادب بكل اصنافة فقد كتب القصة القصيرة والقصيرة جدا والرواية والسيرة الذاتية وادب الرحلات واليوميات والنص المسرحي والمسلسلات وكتب للاطفال والفتيان، واذا كان قد ابدع في القصة القصيرة وتميز بالقصة القصيرة جدا وتألق بالقصيرة جدا جدا فان هذا العمل ربما كان مقارنة بما تحتوية مكتبتنا الوطنية، هو الاكثر استجابة لمعايير ادب الاطفال. لكنه ليس الافضل في اعمال محمود شقير.