الثلاثاء ١١ أيار (مايو) ٢٠٢١
حوار مع
بقلم ميمون حرش

الكاتب المرموق، والمفكر المقتدر التجاني بولعوالي

"كلمني عن"سلسلةُ دردشةٍ خفيفة، عن أسرار تُكشف لأول مرة (في الجزء الثاني منها)،تراهن على مواقفَ طريفة، في حياة حملة الأقلام من المفكرين، والمبدعين، وكل من يترك أثراً طيباً من خلال تخصصه، وتسائل الذاتَ حين تفرح بشدة، أو تحزن بقوة، وتكشف، أيضاً، الطرفة المُستملحة، والابتسامة المغتصبة من واقع مرير، من خلال أسئلة"طريفة"، والدكتور الراقي"التجاني بولعوالي"أحد ضيوفها الكرام، هو شاعر مغربي، وروائي، ومفكر مقتدر، وأستاذ وباحث في قضايا الإسلام، والغرب (جامعة لوفان ببلجيكا)، يتكلم لغات كثيرة، منها الهولندية، والإنجليزية، وللرجل حضور قوي، ووازن، في تظاهرات علمية، وثقافية، وأدبية مهمة سواء في بلجيكا حيث يقيم، أو في أماكن عديدة، لاسمه كاريزما خاصة، شارك في صنعها عصاميتُه، وثقافته، و وأريحيته"الريفية"، وتواضعه، وغزارة علمه، يحق للمغرب، وللريف أن يفخر بباحث من طينته، له في كل مكان سمعة أدبية، وأصدقاء مفكرون، كبار، لهم حظوتهم، قال عنه الروائي المتميز مصطفى الحمدواي"الشاعر والروائي المقتدر، والمفكر الكبير (التجاني بولعاولي)، أمتعنا بأفكار عميقة، تحفر في جذور القضايا الكبرى المؤسسة للإبداع، والفكر، والكتابة في شتى المجالات.. له مسار طويل وغني، ومنتج".
من مؤلفاته المهمة"الخوف المتبادل بين الإسلام والغرب"نحو مقاربة أصيلة، وتفكيكية لظاهرة الإسلاموفوبيا.

مرحباً بك دكتور التجاني بولعوالي في هذه الفسحة،

س- ورطة، دُبرت لك عمداً، أو نسجتها الأيام لك، وكيف تخلصت منها؟

ج- هي في الحقيقة ورطة غريبة، بطعم الطُّرفة! ذات سفر قدّم لي شخص خدمة بسيطة في إحدى المطارات، ويبدو من شكله عاملا بسيطا. وكنت آنئذ على عجل، وضعت يدي في جيب سترتي الداخلية بسرعة، فجذبت ورقة من عشرة يوروهات، وأعطيته إياه. لكن عندما نزلت من الطائرة في مطار أمستردام، اكتشفت أني أعطيته ورقة خمسين يورو بدل عشرة يوروهات.

س- هل حصل أن استيقظت، صباح يوم ما، وأنت تنظر في المرآة، فمددت لنفسك لسانك ساخراً من خطأ ارتكبته؟

ج- من عادتي أني أحمد وأشكر الله تعالى أنه مدّ في عمري يوما آخر، لأراجع نفسي من جديد، وأحاسبها على ما ارتكبته من أخطاء، التي منها ما يبعث على الندم، ومنها ما يبعث على السذاجة، ومنها ما يبعث على السخرية، تماما كما يحدث لـ Mr. Bean الذي يجعل من نفسه سخرية للأطفال، لكن لهدف بيداغوجي يتعدى ما هو فكاهي ومونودرامي كما يبدو للبعض. عندما أسخر من خطأ ما، فهذا يعني في الوقت ذاته أني أكتشف جوانب أخرى في شخصيتي التي أحملها.

س- أسوأ تعليق طالك في مجال تخصصك (الكتابة و التأليف) أو رأي غريب وطريف، عن نشاطك الأدبي، سواء سمعته مباشرة، أو كُتب عنك في تدوينة، أو مقال، أو حوار؟

ج- سبق لي وأن كتبت مقالة قصيرة عن أسوأ القراء الذين لا شأن لهم إلا أن يطلقوا أسوأ التعاليق على ما كل يكتب دون أن يقرؤوه، وتجربتي مع هؤلاء تكاد تكون يومية.

فإذا كان للجاحظ بخلاؤه، فإن للفايسبوك هذه الفئة من الجمهور، التي لا يمكن أن نطلق عليها قراء، لأنهم ليسوا في الأصل قراءً! وقد ميزت بين صنفين من هؤلاء"القراء"على الشبكات الاجتماعية: صنف لا يقرأ أو لا يفهم ما تكتُب، فيحكم على شخص الكاتب لا على ما يكتب. وصنف يقرأ ويفهم ما تكتب، لكن لا يقبل ما تكتب إذا خالف هواه، فيسعى إلى أن يضع الوصاية عليك، واذا لم تذعن أو ترتعد مارس عليك إرهابه السيكولوجي.

إن الصنف الأول يمكن أن يُعذر لجهله الفكري أو الأخلاقي، فهو عندما يحس بالفشل وعقدة النقص يتلذذ بضرب الآخرين في أعراضهم. أما الصنف الثاني فلا يمكن أن يُعذر، لأنه لا يعترف بالرأي الآخر، وإن أدرك أنه يحمل الحقيقة. فهو يريد أن تَكتُبَ ما يرضي هواه، ويناسب إيديولوجياه، إنه عدو الرأي الآخر والحوار والتنوع! لا تُغمض له عين، ولا تفتحُ له شهية، ولا يهدأ له بال، عندما يدرك قوة وقيمة ما يكتبُ الآخر.

س- ما هو القرار الذي اتخذته بعد تفكير عميق، أو بعجالة، فندمت عليه ندماً شديداً؟

ج- القرار الذي كنت قد ندمت على اتخاذه في حياتي هو دراسة الأدب. عندما تخرجت وجدت نفسي دون عمل وأفق، لاسيما في الريف حيث كانت أبواب الأمل موصدة في وجوهنا، وكان ذوو التخصصات الأخرى يتمكنون ولو بشكل جد نسبي من إيجاد فرص عمل، ولو في الأبناك والصيدليات وبعض الشركات.

بعد مرور حوالي ربع قرن، اكتشفت أن اختياري القديم لدراسة اللغة العربية وآدابها كان صائبا، وأن القدر كان يخبيء لي ما لم أكن أعلمه، وأن اللغة العربية ودراسة الإسلام سوف يكون لهما شأن كبير في مستقبلي الفكري والأكاديمي، وهذا ما يحصل لي اليوم، حيث إنه من دون دراسة اللغة العربية ما كان لي أن أصل إلى ما أنا عليه الآن. فالحمد لله أولا وأخيرا على فضله.

س- سر قررت أن تميط اللثام عنه، لأول مرة؟

ج- اكتشفت أن صديقا (كنت) أحترمه سرق مقالة لي ونشرها باسمه في إحدى الصحف، اكتفيت بالصمت الحكيم، لأني أدركت أن هذا على الأقل دليل على أن ما أكتبه يستحق أن يُسرق ويُنشر، والأهم أن الرسالة التي يحملها فكري وصلت إلى القراء، إن لم يكن بواسطتي، فبواسطة سارق المقالة، الذي أشكره ليس على سرقة المقالة، فهذا عمل مشين، بل على المساهمة في نشر أفكاري!

س- كلمة استثنائية منك.

ج- أثمن هذه المبادرة الفريدة من نوعها، لأنها فرصة تجعل كل كاتب يعود إلى ذاته، ويحفر في ذهنه عبر التداعي إلى الماضي، علّهُ يتمكن من إيجاد أجوبة مناسبة لهذه الأسئلة التي تبدو في الظاهر محرجة، غير أنها في العمق تجعل الكاتب يعيد اكتشاف أناه وسيكولوجيته وحقيقته، لاسيما في عالم متسارع يفتقد فيه الإنسان الرغبة في التفكر، والقابلية لأن يركن إلى نفسه ولو لهُنيهات قصيرة.

"كلمني عن"- الجزء الثاني – ميمون حرش

الحلقة الثانية عشرة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى