الخميس ٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
السيف أصدق إنباءً من الكتب
الشاعر: أبو تمام
السيف أصدق إنباءً من الكتب | في حده الحد بين الجد واللعب |
بيض الصفائح لا سود الصحائف في | متونهن جلاء الشك والريب |
والعلم في شهب الأرماح لامعةً | بين الخميسين لا في السبعة الشهب |
أين الرواية بل أين النجوم وما | صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذب |
تخرصاً وأكاذيباً ملفقة | ليست بنبعٍ إذا عدت ولا غرب |
عجائباً زعموا الأيام مجفلةً | عنهن في صفر الأصفار أو رجب |
وخوفوا الناس من دهياء مظلمةٍ | إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب |
وصيروا الأبراج العليا مرتبة | ما كان منقلباً أو غير منقلب |
يقضون بالأمر عنها وهي غافلةٌ | ما دار في فلكٍ وفي قطب |
لو بنيت قط أمراً قبل موقعه | لم تخف ما حل بالأوثان والصلب |
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به | نظمٌ من الشعر أو نثرٌ من الخطب |
فتح تفتح أبواب السماء له | وتبرز الأرض في أثوابها القشب |
يا يوم وقعة عمورية انصرفت | عنك المنى حفلاً متسولة الحلب |
أبقيت جد بني الإسلام في صعدٍ | والمشركين ودار الشرك في صبب |
أم لهم لو رجوا أن تفتدي جعلوا | فداءها كل أمٍ برةٍ وأب |
وبرزة الوجه قد أعيت رياضتها | كسرى وصدت صدوداً عن أبي كرب |
بكرٌ فما اقترعتها كف حادثهٍ | ولا ترقت إليها همة النوب |
من عهد إسكندرٍ أو قبل ذلك قد | شابت نواصي الليالي وهي لم تشب |
حتى إذا مخض الله السنين لها | مخض البخيلة كانت زبدة الحقب |
أتتهم الكربة السوداء سادرةً | منها وكان اسمها فراجة الكرب |
جرى لها الفأل برحاً يوم أنقرةٍ | إذ غودرت وحشة الساحات والرحب |
لما رأت أختها بالأمس قد خربت | كان الخراب لها أعدى من الحرب |
كم بين حيطانها من فارسٍ بطلٍ | قاني الذوائب من آني دمٍ سرب |
بسنة السيف، والحناء من دمه | لا سنة الدين والإسلام مختضب |
لقد تركت أمير المؤمنين بها | للنار يوماً ذليل الصخر والخشب |
غادرت فيها بهيم الليل وهو ضحى | يشله وسطها صبحٌ من اللهب |
حتى كأن جلابيب الدجى رغبت | عن لونها وكأن الشمس لم تغب |
ضوءٌ من النار والظلماء عاكفةٌ | وظلمةٌ من دخانٍ في ضحىً شحب |
فالشمس طالعة من ذا وقد أفلت | والشمس واجةٌ من ذا ولم تجب |
تصرح الدهر تصريح الغمام لها | عن يوم هيجاء منها طاهرٍ جنب |
لم تطلع الشمس فيه يوم ذاك على | بانٍ بأهلٍ ولم تغرب على عزب |
ما ربع مية معموراً يطيف به | غيلان أبهى ربىً من ربعها الخرب |
ولا الخدود وقد أدمين من خجلٍ | أشهى إلى ناظري من خدها الترب |
سماجةٌ غنيت منا العيون بها | عن كل حسنٍ بدا أو منظرٍ عجب |
وحسن منقلبٍ تبدو عواقبه | جاءت بشاشته من سوء منقلب |
لو يعلم الكفر كم من أعصرٍ كمنت | له العواقب بين السمر والقضب |
تدبير معتصمٍ بالله منتقمٍ* | لله مرتقبٍ في الله مرتغب |
ومطعم النصر لم تكهم أسنته | يوماً ولا حجبت عن روح محتجب |
لم يغز قوماً ولم ينهد إلى بلدٍ | إلا تقدمه جيشٌ من الرعب |
لو لم يقد جحفلاً يوم الوغى لغدا | من نفسه وحدها في جحفلٍ لجب |
رمى بك الله برجيها فهدمها | ولو رمى بك غير الله لم يصب |
من بعد ما أشبوها واثقين بها | واللهم مفتاح باب المعقل الأشب |
وقال ذو أمرهم: لا مرتعٌ صددٌ | للسارحين وليس الورد من كثب |
أمانياً سلبتهم نجح هاجسها | ظبي السيوف وأطراف القنا السلب |
إن الحمامين من بيضٍ ومن سمرٍ | دلوا الحياتين من ماءٍ ومن عشب |
لبيت صوتاً زبطرياً هرقت له | كأس الكرى ورضاب الخرد العرب |
عداك حر الثغور المستضامة عن | برد الثغور وعن سلسالها الحصيب |
أجبته معلناً بالسيف منصلتاً | ولو أجبت بغير السيف لم تجب |
حتى تركت عمود الشرك منقعراً | ولم تعرج على الأوتاد والطنب |
لما رأى الحرب رأي العين توفلسٌ | والحرب مشتقة المعنى من الحرب |
غدا يصرف بالأموال جريتها | فعزه البحر ذو التيار واللجب |
هيهات زعزعت الأرض الوقور به | عن غزو محتسبٍ لا غزو متكسب |
لم ينفق الذهب المربي بكثرته | على الحصى و به فقرٌ إلى الذهب |
إن الأسود، أسود الغاب همتها | يوم الكريهة في المسلوب لا السلب |
ولى وقد ألجم الخطي منطقه | بسكتةٍ تحتها الأحشاء في صخب |
أحذى قرابينه صرف الردى ومضى | يحثث أنجى مطاياه من الهرب |
موكلاً بيفاع الأرض يشرفه | من خفة الخوف لا من خفة الطرب |
إن يعد من حرها عدو الظليم فقد | أوسعت جاحمها من كثرة الحطب |
تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت | جلودهم قبل نضج التين والعنب |
يا رب حوباء لما اجتث دابرهم | طابت ولو ضمخت بالمسك لم تطب |
ومغضبٍ رجعت بيض السيوف به | حي الرضا من رداهم ميت الغضب |
والحرب قائمةٌ في مأزقٍ لججٍ | تجثو الكماة به صغراً على الركب |
كم نيل تحت سناها من سنا قمرٍ | وتحت عارضها من عارضٍ شنب |
كم كان في قطع أسباب الرقاب بها | إلى المخدرة العذراء من سبب |
كم أحرزت قضب الهندي مصلتةً | تهتز من قضبٍ تهتز في كثب |
بيضٌ إذا انتضيت من حجبها رجعت | أحق بالبيض أتراباً من الحجب |
خليفة الله جازى الله سعيك عن | جرثومة الدين والإسلام والحسب |
بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها | تنال إلا على جسرٍ من التعب |
إن كان بين صروف الدهر من رحمٍ | موصولةٍ أو ذمامٍ غير منقضب |
فبين أيامك اللاتي نصرت بها | وبين أيام بدرٍ أقرب النسب |
أبقت بني الأصفر الممراض كاسمهم | صفر الوجوه وجلت أوجه العرب |
الشاعر: أبو تمام
مشاركة منتدى
22 نيسان (أبريل) 2014, 15:37, بقلم روميساء
رائع و كلماته في الصميم
1 شباط (فبراير) 2015, 19:46, بقلم said hassoune
it’s very good
12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, 07:33, بقلم الصمت لغة العظما،
ممتاز واكتتر من ممتاز
18 شباط (فبراير) 2016, 08:07, بقلم صديق
في غاية الجمال
صديق من كسلا
27 نيسان (أبريل) 2016, 19:51, بقلم issa ibrahim
أيهما أصح أنباءً أم إنباءً ةلماذا ؟
21 كانون الأول (ديسمبر) 2016, 16:38, بقلم احمد
اعراب وصيروا الابرج العليا مرتبة ما كان منقلبا او غير منقلب
26 حزيران (يونيو) 2018, 17:01, بقلم Issam tihami
قصيدة الشاعر أبي تمام ترسم بعض المجد الذي افتقده المسلمون بعد وفاة هارون الرشيد إلى أن أمسك المعتصم بزمام الأمور خصوصا أن الدولة العباسية كانت منهكة من خلال الاختلاف الذي ظهر بين السنة والمعتزلة وقد كان الخلافاء بعد هارون الرشيد أو بعد الأمين يميلون لمذهب المعتزلة بداية بالمأمون أما أبو تمام نجده تواقا للنصر ولعز المسلمين فقد استهل قصيدته بالبيت الشهير وقد أوضح فيه قيمة السيف الذي لم ينتصر به الخلافاء منذ زمن إلا بمجيء المعتصم وقد أولو أهمية بالغة للعلم وبهذا أبو تمام لا يحتقر العلم ولكنه يضع لكل مكانته وعوما امتزج غرض القصيدة حول ثلاثة مواضيع وهي الفخر بالنصر في معركة عمورية ومدح المعتصم قائد الجيش وخليفة المسلمين ووصف نفسية الكفار وكذا وصف بعض الأمكنة أو وصف السيوف...
للقصيدة قيمة أدبية غنية في الأدب العربي ويمكن اعتمادها وثيقة تاريخية
والله أعلى وأعلم
وشكرا
28 كانون الأول (ديسمبر) 2018, 21:39, بقلم Nou Nou
ما اعراب كلمة أمير في قوله لقد تركت أمير المؤمنين بها
9 كانون الثاني (يناير) 2020, 22:38, بقلم هشام
بارك الله فيك شرح مبسط ووجيز بلغت به عقول القارئين
22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021, 15:42
اين الاساليب البلاغية ؟؟؟
1 كانون الأول (ديسمبر) 2022, 21:39, بقلم حسين البكار
لماذا في كلمة ( أنباء و إنباء ) كتبت الهمزة تحت الألف في العنوان وكتبت فوق الألف في أول بيت؟ وما هي الكلمة الأصح أنباء ام إنباء
3 كانون الأول (ديسمبر) 2022, 11:56, بقلم عادل سالم
الصحيح هي إنباء، أي قطع الشك باليقين، شكرا للتنبيه فقد صححناها، تحياتنا
17 كانون الأول (ديسمبر) 2023, 21:51, بقلم محمد عدوي
هل هي أنباء او إنباء او كلاهما وارد؟