الخميس ٢١ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم محمد عليان

اضاءات حول رواية جنة الجحيم

1. عنوان مثير للجدل

اطل علينا الكاتب جميل السلحوت بالجزء الثاني من روايته ظلام النهار تحت عنوان مثير للجدل "جنة الجحيم" . فإذا كان عنوان الرواية الأولى يحمل ضدين : ظلام ونهار فقد كان سياق الرواية ومنطق الإحداث يبرر اختيار،هكذا عنوان، فهو يعبر عن الحياة الاجتماعية التي يعيشها المجتمع في زمن الرواية ، الحياة التي تمتاز بالفقر والجهل والتخلف والعصبية وظلم المرأة واضطهاد القوي للضعيف ، ونهار هذا المجتمع كان اشد سوادا من الليل. أما "جنة الجحيم" فنحن مرة أخرى أمام عنوان يحمل ضدين: الجنة والجيم ، الجنة بكل ما تحمله من جمال وخير ورغد العيش، والجحيم بكل ما يحمله من فقر وشقاء وعذاب ومعاناة . العنوان الأول متشائم لا يعبر عن الأمل أو الثقة بإمكانية التغيير فالظلام (السوداوية والتشاؤم "يحجب ضوء النهار (الأمل والتفاؤل) ولا يترك بصيصا من ضوء يثير فينا الأمل بالتغيير، أما العنوان الثاني فهو متفائل يعبر عن أمل الكاتب في التغيير، بل وثقته بان هذا المجتمع الآيل للاستقرار سيتطور وفق منطق التاريخ، والجنة هنا بكل ما تحمله من خير تدخل في زوايا الجحيم بكل ما يحمله من ألم ومعاناة. والجنة هنا تحمل معنى نسبيا، فإذا كانت الشمعة وسط محيط من الضوء الساطع تعتبر خافتة، وربما غير ملحوظة، فهي تبدو ساطعة إذا أضيئت في محيط مظلم دامس الظلام، ولا شك أن بذور الخير وبشائر التغيير التي تبثها لنا الرواية هي جنة وسط هذا الجحيم الذي يعيشه المجتمع في زمن الرواية، فهل تنمو البذور وتتحقق البشائر في الجزء الثالث؟ فلننتظر.

2. أبو سالم هذا العصر

تمحورت معظم أحداث الرواية حول دخول الأحزاب السياسية إلى المجتمع المحلي، صحيح أن عمل الأحزاب كان وفقا لإرادة النظام الحاكم(وهو النظام الأردني) إلا انه كان لها الأثر الكبير في التطور الاجتماعي والسياسي في تلك الحقبة. وقد أبدع الكاتب في تسليط الأضواء على شخصية " أبي سالم " الذي حاول استغلال مهاراته في النفاق والتزلف للمرشحين وممثلي الأحزاب، لكي يحقق أكبر قدر من المكاسب الشخصية، و كانت هذه الشخصية معروفة وشائعة في تلك الحقبة، ولقيت تشجيعا من ممثلي الأحزاب والمرشحين ورجالات الدولة الذين استخدموها لكسب الأصوات في صناديق الاقتراع وكسب التأييد الشعبي القائم على المصلحة والمحسوبية، وما أشبه اليوم بالأمس، لم تنته شخصية أبي سالم بانتهاء زمن الرواية، بل امتدت حتى يومنا هذا، وشخصية أبي سالم اليوم أخطر وأدهى من شخصية الرواية، في هذا العصر، بل في هذه الأيام تجد أبا سالم في كل مكان، تجده في الوزارات والمؤسسات الأهلية والحكومية، في الأحزاب والحركات، في المدينة وفي القرية، إنه القاعدة وليس الإستثناء. وإذا كانت هذه الشخصية، في زمن الرواية تلقى الاستنكار العفوي من وسطها الاجتماعي ، فقد أصبحت اليوم تتمتع بالنفوذ والسلطة، وتتحكم بمصير الناس. لقد نشأت شخصية أبي سالم في "جنة الجحيم" وسط الفقر والجوع وربما بسببهما، أما شخصية أبي سالم اليوم فقد نشأت وسط مناخ من السعي وراء الثراء الفاحش، ونهب أموال الشعب ومقدراته وباسم الله والوطن، فالحذر الحذر من أبي سالم هذا العصر.

3. مرة أخرى ارحموا "خليل"

لا أدري لماذا يصر الكاتب على أن يجعل من شخصية خليل(الشخصية المحورية في ظلام الليل) شخصية سوبرمانية تحتمل ما لا يحتمله أي طفل في جيله، في الرواية الأولى(ظلام النهلر) أقام علاقة جنسية مع امرأة بريطانية تكبره سنا "ستيفاني" وفي الرواية الثانية، وبعد ستة شهور فقط من عودته من لندن، (أي نهاية الرواية الأولى) يتعرض إلى تجربة جنسية أخرى من بروفيسورة جاسيكا وهي بريطانية يهودية اكبر من والدته، ورغم كل ما تحمله هذه التجربة من معان سياسية وهي السعي الصهيوني لنهب التاريخ الإسلامي والعربي في القدس، إلا أنها كانت تجربة ثقيلة جدا على خليل الطفل، ولم تأت في السياق الطبيعي للنص.

4. جاسيكا وكرستينا :

جاسيكا الصهيونية التي تعشق القدس وتعتبرها أغلى من يدها اليمنى تحاول السيطرة على خليل كناية للسيطرة على القدس وتراثها، إلا أن القدر يسخر ستيفاني المرأة البريطانية لإنقاذ خليل من جاسيكا في اللحظة الأخيرة، وتفشل في خطتها للسيطرة على خليل، وحيث الرواية تحمل بعدا سياسيا واجتماعيا وتاريخيا فان الكاتب قد جانبه التوفيق مرة أخرى، رغم انه أكثرنا وعيا لدور بريطانيا في بناء وتطور الحركة الصهيونية.

5. حبكة فنية ولغة جميلة

باستثناء بعض الهفوات الفنية هنا وهناك والتي لم تؤثر على المبنى الفني للرواية، مثل إقحام بعض الأحداث مقطوعة السياق (انظر ص 70 داود المهندس الزراعي مثلا) والتقريرية في بعض الحوارات (مثلا الخطابات السياسية لممثلي الأحزاب) فإننا أمام عمل روائي جدير بالقراءة، عمل روائي محكم وحبكة فنية متينة ولغة سرد جميلة، وحوار متنوع المستوى وفقا للشخصيات، ومن يتابع أعمال الكاتب السلحوت يلحظ بوضوح انه يستفيد كثيرا من الأخطاء التي سقطت في أعماله السابقة ، وهو بهذا العمل يرتقى عاليا في الفن الروائي، ولم يكن ليصل إلى هذه المرتبة لو لم يصغ إلى الملاحظات بتواضع الكاتب المبدع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى