أمامنا ساعة واحدة فقط!
خرجنا من الكلية مع السادسة مساء بخطى هائمة. كانت تلتصق بي بين الحين والآخر، وأنا المغلوب على أمري أحاول جاهدا أن أتحكم في نفسي كي لا أنفضح في الشارع. سرنا في ممر طويل وسط الأشجار. وبعدما نعمنا بستار من الظلام، طوقت خصرها بذراعي وجذبتها نحوي لألتهم شفتيها في قبلة طويلة لذيذة.
مر على علاقتنا أشهر قليلة، كنا قد التقينا أول مرة في مدرجات الكلية حيث تبادلنا أولى نظرات الإعجاب. بعد لقاءاتنا المتكررة في المسارب المظلمة، كنت أشعر بنداء خاص من جسدها إلي، برغبات مكتومة تنتظر الفرصة لتبوح بألغاز عصية على التأويل، فتشجعت هذه المرة -بعدما كنت أبلع لساني في مرات سابقة مخافة أن تصدني- واقترحت عليها لقاء استثنائيا في منزل أحد أصدقائي. وبينما أنظر إلي عينيها وأنتظر جوابها على اقتراحي، قالت:
– موافقة، نلتقي غدا على الساعة الثالثة زوالا.
مر الليل طويلا مملا... كانت الخيالات تداعبني، وكانت الرغبة تغلي في عروقي كما يغلي الماء في القِدر، لدرجة أنني لم أقدر على إغماض عينيّ تلك الليلة.
فور وصولي في موعدنا المحدد، اتصلت بها لإخبارها بأنني أنتظرها ثم ذهبت لتفحص المكان الذي يتواجد فيه المنزل. كان هدوء مريح يسبغ المكان مما أشعرني نوعا ما بالطمأنينة، لاحظت أيضا أن هناك محل نجارة على يسار المنزل لكن لحسن حظنا كان مقفلا. اتصلت بعد ذلك بصديقي الذي أخبرني بأن زملائه في السكن لم يخرجوا بعد، لذلك كان علي الانتظار قليلا. في نفس اللحظة كلمتني صاحبتي تقول إنها جاهزة للقائي، وتلافيا لأي إحراج محتمل دعوتها لنتمشى قليلا.
كنت مشوش الفكر، لا أستطيع التركيز إلا في قلقي. خفت من صدفة ما قد تقلب هذا الموعد الغرامي إلى فضيحة مدوية. أما هي فقد بدا عليها الارتباك، حينما كانت تتطلع إلي بين الحين والآخر بنظرات زائغة وحائرة. حاولتُ جاهدا أن أواري اضطرابي فأمسكتُ يدها الباردة والناعمة بين يدي وسرنا معا.
بعدما يئست من عد الدقائق الطويلة، وبعد مرور ساعة تقريبا ونحن نتلهى بالانتظار القاتل في الدروب والأزقة، اتصل بي صديقي لكي يعطيني المفتاح. تركت صديقتي تنتظرني في أحد المحلات ريثما تلحق بي وذلك طبعا كي لا نثير الشبهات. وبمجرد صعودي أولى الدرجات المؤدية إلى الباب سمعت صوت كراج يفتح. قلت في نفسي: لا شك أنه النجار. يا للنحس! واصلت الصعود، أدرت المفتاح في القفل، ودخلت.
كان كل شيء يبعث على الغثيان: بقايا الأكل التي كان يغلي عليها الذباب لا زالت فوق المائدة. جوارب لا شك في أنها تقطر من العفونة ملفوفة ومرمية فوق الأرضية. ملابس منزوعة على عجل فوق الكرسي البائس... أردت أن أتفادى النظر إلى كل هذا القبح المحيط بي لكني لم أستطع، لقد كانت البشاعة تفرض نفسها على حواسي. عبرت الممر الطويل صوب غرفة صديقي إلى اليمين التي كانت أرحم نوعا من باقي المنزل. كان الفراش الموضوع على الأرض مرتبا بعناية، كما كانت ملابسه معلقة فوق المشجب والأغطية مطوية وموضوعة في الزاوية. فجأة سمعت صوتا خافتا ينادي علي، اتجهت مباشرة صوب الباب فوجدتها هناك متسمرة في مكانها. ودون أن أسمعها أو تسمعني أمسكتها من يدها بيد وأقفلت الباب باليد الأخرى ثم دخلنا الغرفة.
جلست على الكرسي، وقمت بنزع حذائي وسترتي. تطلعت إليها وأنا أنزع الفردة الثانية من الحذاء وقلت:
– أمامنا ساعة واحدة فقط.
– لم أفهم.. لماذا؟
قلت والحسرة تغلف كلماتي:
– لأن زملاء صديقي سيعودون إلى المنزل بعد ساعة.
حينما وقفت قبالتها شعرت وكأنني أستيقظ للتو من نوم عميق.. كان يلزمني بضع دقائق حتى أستفيق من هذا الكابوس الذي أقحمت نفسي فيه، حتى أعي جيدا ما يدور حولي. كان عالمي الذي بنيته رغبة إثر رغبة ينهار من حولي، والأحلام التي حلمت بها تتساقط أمامي تباعا. تداركت بسرعة هذه التناقضات التي ألمت بي، فهممت لفعل ما أتيت لأجله، فجعلت أقبلها وأنزع بلوزتها في نفس الوقت. حملتها بين ذارعي ووضعتها فوق الفراش. نزعت سروالي واضطجعت فوقها. لا أدري ما الذي حل بي ولا أعرف لماذا باغتني فجأة إحساس بأن صخرة ثقيلة قد وضعت فوق جسدي. فأخذت أنظر إليها، نظرت إليها مطولا... دون أن أقدر على قول كلمة واحدة.
وفي تلك اللحظة التي كان علي قول شيء ما وفعل أشياء كثيرة، شعرت بأن رغبات كثيرة قد تعطلت داخلي كما يتعطل محرك سيارة عن الدوران. شعرت بأن لساني قد بتر وبأن حلقي قد وخزته سكاكين حادة. وإذا كان للعجز والانكسار رائحة ما، فقد شممتها لحظتها واستنشقتها!
من داخل غيبوبتي سمعتها تردد:
– ماذا بك؟ ما ذا حصل؟
كنت أود قول شيء مختلف. لكني سمعت نفسي أقول:
– لا أستطيع لا أستطيع... أشعر ب.. هيا بنا لنخرج من هنا.