الأربعاء ٤ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥

أصوات من أجل العدالة

إصدار جديد للدكتور أيوب أبو دية، يستعرض فيه مسار 67 مفكراً وأديباً وسياسياً وأكاديمياً يهودياً، يُعارضون الصهيونية ويدعمون حقوق الشعب الفلسطيني.

صدر حديثاً "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن، كتابا جديدا بعنوان "أصوات من أجل العدالة: 67 يهوديا إنسانيا"، من تأليف الدكتور أيوب أبو دية، الذي يعالج فيه ظاهرة "ما بعد الصهيونية"، باعتبارِها تيارا وتوجُّها فكريا مُتنامٍ بين الأكاديميين والمفكرين اليهود، الذين أعادوا النظر في "الصهيونية" مفهوما وفكرا وسياسة، وأبدوا اعتراضَهم على سياساتِها وانعكاساتها السلبية، ليس فقط على الفلسطينيين، بل أيضاً على اليهود أنفسِهم.

يسلط هذا الكتابُ الضوءَ بالتحليل والدراسة على شهادات وآراء ومواقف 67 مثقفا وأكاديميا يهوديا من إسرائيل ومن مختلف أنحاء العالم، يُصنفون فكرهم ضمن التيار المناهض للصهيونية التقليدية، ويدعون إلى الاعتراف الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني والتضامن معه إزاء ما يتعرض له من تنكيل وإبادة وظُلم.

يُعد الكتاب إضافة فكرية نوعية حول قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، خصوصا كونه يأتي في مرحلة حساسة تَشهدُ تطورات سريعة ومتلاحقة من تاريخ هذا الصراع الطويل والممتد، إضافة إلى كونِه يعكس منظورَ الطرف الآخر، مُمثَّلاً في اليهود الذين يتبنَّونَ القضايا العدالة للشعب الفلسطيني ويقدمون رؤية مغايرة لتوجه المجتمع اليهودي نفسِه، على أمل بناء جسور التعايش بين الشعبين، وتعزيز الحوار الهادف حول حقوق الإنسان وإحساء واستدامة السلام، في منطقة شديدة الاضطراب والتقلب والحساسية.
نقرأ على الغلاف الأخير "ظهرت في إسرائيل خلال العقد الأخير من القرن العشرين ظاهرة ثقافية جديدة أُطلق عليها "ما بعد الصهيونية". والمقصود بها أن مجموعة من العلماء والمثقفين والفنانين والكتّاب اليهود الإسرائيليين، بدأوا التشكيك في البديهيات الأساسية للصهيونية.

بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، تراجع بعض هؤلاء اليهود الإسرائيليين المنتقدين للصهيونية وتابوا عن انتقاداتهم، وعادوا إلى الأحضان الدافئة للأيديولوجية الصهيونية. لكنّ عدداً غير قليل منهم استمروا في التعبير عن انتقاداتهم، حتى لو أجبرهم ذلك على مغادرة إسرائيل. إلى جانب ذلك، بدأنا نسمع انتقادات مماثلة في أوساط اليهود حول العالم. وهكذا، أصبحت مقولة «ما بعد الصهيونية» مصطلحاً عامّاً جداً يُغطي طيفاً من وجهات النظر، بدءاً من معاداة الصهيونية وانتهاءً بالصهاينة الليبراليين.
جمع د. أيوب أبو دية هنا 67 مثقفاً يهودياً من إسرائيل والعالم اليهودي يندرجون ضمن هذه الفئة الموسعة التي يُصنَّف فكرها بـ"ما بعد الصهيونية". ومن بينهم أولئك الذين أكملوا رحلة الخروج من "الصهيونية" إلى مرحلة "النشاط الكامل" في التضامن مع الشعب الفلسطيني. ولكن ما زال هناك مَن يعتبر نفسه صهيونياً ولا يدرك تماماً شرور الصهيونية في الماضي والحاجة الماسة إلى تفكيكها وإنهاء الاستعمار في فلسطين التاريخية، وذلك إذا كانت المصالحة ممكنة في المستقبل.
هؤلاء المثقفون اليهود الذين اختارهم المؤلف بعناية ومعقولية هل سيكونون جزءاً من التغيير؟ ربما ما زال يتعين علينا الانتظار، لكن وجودهم وأعمالهم وحقيقة أن هذا الكتاب سيكون معروفاً للعالم الناطق باللغة العربية، كلّ ذلك قد يفتح نافذةَ أمل في لحظةٍ مظلمة للغاية في تاريخ إسرائيل وفلسطين".

يقدم هذا الكتاب نافذة تحليلية مستفيضة حول أفكار ومواقف وأطروحات 67 شخصية من المفكرين والأكاديميين اليهود والإسرائيليين في مجالات الفلسفة والسياسة والقانون والاقتصاد، الذين يتحدون الولاءات والانتماءات الإيديولوجية التقليدية في إسرائيل، ويتصدون للتيارات الصهيونية السائدة والمتنامية في المجتمع الإسرائيلي. ويقترحون بدلا عن ذلك نموذجا للتعايش، يقوم على تبني قيم العدالة الإنسانية والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، بما يُفضي إلى إنهاء الاحتلال وإرساء دعائم السلام العادل والشامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

يتناول الكتاب أيضا؛ القضايا المحورية لأصول الصراع العربي الإسرائيلي، من قبيل مسألة تقرير المصير، وحل الدولة الواحدة، وحل الدولتين، ورفض الفكر الصهيوني الاستعماري، وتحدي السياسات الأمريكية والغربية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.
لكن الأهمية القصوى للكتاب، تتمثل في كونه يعرض لعدالة القضية الفلسطينية من وجهة نظر إسرائيلية، ليس من الإسرائيليين فحسب، بل من النخبة الإسرائيلية، خصوصا إذا علمنا أن هذه الشخصيات الموثَّقة شهاداتُهم في هذا الكتاب، يُمثلون مختلف أجيال ومراحل ومحطات الصراع العربي الإسرائيلي، بما في ذلك أولئك الذين وُلدوا بعد النكبة.
الكتاب غني بالمعلومات، ويوجه دعوة صريحة، مباشرة ومنهجية للحركة الصهيونية المتأصلة في المجتمع الإسرائيلي والمتنامية أيضا لدى اليهود في الخارج ولداعميهم من الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة، لإعادة قراءة الواقع الإسرائيلي بطريقة أكثر واقعية ومنطقية، وفهم واستيعاب أكثر لمتغيرات المرحلة التي تعيشها المنطقة، والإيمان والاقتناع بأن مستقبل الشعب الإسرائيلي في فلسطين لا يمكن رسمُه بالحواجز والمعابر والحصار والبطش والقوة الغاشمة وسياسة الاستيطان، وإنما بمد جسور التعايش والتفاهم وإحلال العدالة وإحقاق الحق وإشاعة السلام والأمن.

ومن الجدير ذكره أن الدكتور أيوب ابودية مهندس يحمل درجة الدكتوراه في الفلسفة، وهو باحث بيئي معروف، وله عدد كبير من المؤلفات العلمية والفكرية والأدبية. وحصل على العديد من الجوائز من بينها: الجائزة الذهبية للأبنية المبنية للشرق الأوسط من بريطانيا لعام 2010 عن البيت البيئي الأخضر في دارة الكمالية– عمّان، ودرع البطل الأخضر لعام 2010 لمجمل أعماله في العمل البيئي الأخضر، من المؤسسة البريطانية الخضراء بالتعاون مع وكالة البيئة الوطنية ومعهد الصحة البيئية الإنجليزي، وجائزة داعية البيئة لعام 2015 من منظمة المدن العربيّة، جائزة جامعة فيلادلفيا لأفضل كتاب علمي مؤلّف (كتاب: سقوط الحجاب عن الطاقة النووية) لعام 2016، وجائزة العمارة بالاشتراك من منظمة العواصم والمدن الإسلامية عام 2024.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى