الخميس ١٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٠
بقلم عاطف أحمد الدرابسة

ماتَ بعد أن علَّمَها الطَّيران ..

قال لها:

هل أنا حياتُكِ
أو هل أنا مرآتُكِ
ما الفرقُ يا أنتِ بين الحياةِ .. الحياةِ
والمرآةِ؟

حينَ تقفينَ طويلاً أمامَ المرآةِ
هل تأتيكِ صورٌ من أمسكِ العتيقِ
من طفولتكِ؟
هل تلمحينَ وجهيَ هناك؟

حينَ تغرقينَ في تلك المرآةِ
وتغيبينَ غيبةَ الحُلمِ
هل تأتيكِ صُوري؟

هل ترينَ ملامحَ وجهي
تسيرُ كغيمةٍ ماطرةٍ
في منعطفاتِ دروبٍ بلا ظِلال؟

هل سألتِ أحلامكِ
التي تدورُ حولَ الماءِ
هل سألتِها يوماً
كيف استطاعتْ أن تلِدَنِي
أن تخلِقَني
على هيئةِ بشرٍ
أو شجرٍ
أو عطرٍ
أو مطر؟

أصغِي لصمتِ المرآة
حاوري صمتَها بعينيكِ
واسألي عن تلكَ الطِّفلةِ
التي تسكنُ في أعماقِكِ
هل أنجبَني خيالُها
دون أن تدري؟

استحضري تلكَ الطِّفلة
وافتحي لها
أبوابَ تلك المرآةِ المُوصدةِ
واسأليها عن أوَّلِ لعبةٍ
ضمَّتْها بين ذراعيها
هل كنتُ الرُّوحَ فيها
أم كنتُ الدَّمَ
أم كنتُ اللَّغزَ الخفيَّ فيها
أم كنتُ الحُبَّ المُحتَشِدَ بصمتِها
أم كنتُ خياليَ الذي يأتيكِ في الأحلامِ
ممتلئاً حُبَّاً وحنين؟

افتحي نوافذَ المرآةِ
واستخرجي الذِّكرياتِ من أمسِكِ القديم
هناك ستلمحينَ زهرةً تبكي
وشمعةً تخبو نارُها شيئاً فشيئاً
وخلفَ تلك الذِّكرياتِ
يتجمَّعُ قلبٌ مطعونٌ بسكِّين ..

وعلى الضِّفةِ الأخرى
ستجدينَ حروفاً من مشاعري
تقطُرُ دمعاً
يصيرُ ندىً
يسقي زهرَ الدَّحنون ..

وعلى الضِّفةِ الأُولى
يتسلَّلُ إيقاعُ أغاني الحبِّ والموت
وآااهٍ تخرجُ من صدرِ صراخٍ ثَمِلٍ مجنون
وهناك في أقصى حديقةِ الذِّكريات
ثمَّةَ شجرة لا شرقيَّةٌ ولا غربيَّةٌ
تمدُّ إليكِ يداً من ضوء
تأتيكِ على هيئةِ طائرٍ
يحطُّ على كاهلِكِ
يأخذُكِ نحو حافَّةِ ذلك الوادي السَّحيق
يقولُ لكِ:
انظري كيف تتضاءلُ الأشياء
التي كنَّا نحسبُها يوماً عظيمةً
في قاعِ الواد
وانظري كيف تخبو النَّارُ
في عروقِ هذا الواد
اتبعيني
سنُحلِّقُ معاً
وإيَّاكِ أن تنظري إلى الوراء
اتبعيني
فهذا الضُّوءُ المُتدفِّقُ من جناحيَّ
سيُعلِّمكِ الفرقَ
كيف يكونُ السُّقوطُ
وكيف يكونُ الطَّيران ..

هامش:
تقولُ الاسطورةُ:
إنَّ هذا الطَّائرَ قد فارقَ الحياة
وبقي في المرآة
بعد أنَّ علَّمَها الطَّيران ..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى