الأحد ٤ آذار (مارس) ٢٠١٨
شهداء أماجد، وراحلون نيّرون،
بقلم رواء الجصاني

في ذاكرة سياسي.. متقاعد! (1/3)

ربما منذ عقد ونيف وانت تتهيّب (أيها السياسي المتقاعد!) في ان تشحذ الذاكرة وهي فياضة اصلاً، لكي تتمم مشروعاً له سمات انسانية وتوثيقية، وما بينهما كثير، ولكـن!... وكم هي مؤثرة وحاسمة تلكم الـ "لـكن"الاستدراكية، في حياتنا ومواقفنا وحواراتنا..

والمشروع هو بأختصار ان توثق للناس والتاريخ، ولو بكلمات وسطور شحيحة، عن اعزاء كثار رحلوا، وتركو ما تركوا من عطاء.. وهل هناك من لم يسمع بالمقولة / الرؤية، التي تؤشر الى أن نصف بني البشر فقط هو من يعطي؟!.. ولست بمثير نقاشٍ هنا حول مدى صواب ذلك...

والان، يبدو انك قد تجرأت ايها الرجلُ، وها أنت في سطوركَ الاولى على تلك الطريق، فهل ستستمر يا ترى؟ ام ستتراجع ولا تكمل ما عندك من ذكريات ووقائع، تسردها بكل ما تستطيع من ايجاز، ولأكثر من سبب يقودك لذلك، اليوم على الاقل!..

ولعلك لن تتردد هنا، وبالمناسبة، في البوح بما يجول في الذهن وأنت مقدمٌ على ما أنت مقدمٌ عليه، من ابيات الجواهري الخالد، في تعريف بارع متبسط لذلك الذئب / الموت الذي ما برح، ومنذ بدء الخليقة يلاحقنا بلا اسثناء أو استئذان، واهمها برأيك، غير المتواضع:
ذئبٌ ترصدني وفوق نيوبه، دم اخوتي واحبتي وصحابي

لقد شِيئ لك – ايها السياسي المتقاعد – ان يكون اولئك الاحباب كثيرين متنوعين في العدد والسمات، على مدى عقود مديدة، كنت طوالها ناشطا عاماً، طوعاً او كراهية، في شتى مجالات النشاط: السياسي والمهني والثقافي والاعلامي... وفي غيرها، ولا تطلْ أو تسهبْ أكثر!...

ولربما لن تكتشف القمر – ايها الرجلُ- حين تقول بأن استذكار عزيز واحد، يؤلم بلا حدود، فكيف ان كان هؤلاء الاعزاء بالعشرات: رفقة نضال، وصحبة عمل، وجيرة وبنوة واخاء... ولكن قد ما يخفف الحزن انكَ نويّتَ، فحسمتَ، ان يقتصر هذا التوثيق، في مرحلة اولى، ليدور عن الشهداء والراحلين، من السياسيين والمثقفين خاصة، بمناسبة ذكرى عزيزة، هي السنوية الرابعة والثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي، الاعرق في البلاد.. ولا تمدح أكثر، فشهادتك مطعونٌ بها، لأنك عشت في صفوف ذلك الحزب، ومعه، وحوله، أزيد من نصف قرن!..

ومما قد يهوّن من الامر ايضا، انــك – ايها الرجل المُبتلى بداء التوثيق- قد عزمتَ على ان توجز، وذلك ايضا مما قد يخفف من ألم الاستذكار، واستحضار الاحداث.. فما اكثر التفاصيل، وما اجملها، ولكن ما أشدها في آن واحد، ولتلوحْ لذلك الالم ببيت شعر للجواهري ايضا، يوصف، أو يقرب القصد:

قدْ يقتلُ المرءُ من أحبابهُ، بعدوا عنهُ، فكيفَ بمن احبابهُ (فقدوا)

ولتتوقفْ عن الكلمة الاخيرة من ذلكم البيت، والتي قوّستها للتأكيد، وتستدركْ مخففا الام الاستذكار، وقلْ متسائلاً: هل انهم فقدوا حقاً؟! اما هم خالدون هناك وهنا، في القلوب والتاريخ والكتابات، وأن بأقل مما يستحقون؟!.

ولكي تسبق هذا التساؤل، أو ذلك، من صديق ومحب هنا، وغير محب أو متصيد هناك، عليك ايها الرجل ان تستبق الامر، وتوضح بأن ما عزمت عليه، وتحددَ في السطور التاليات، قد اعتمد احرف الهجاء العربية لتكون اساس تسلسل االحديث عن احباء واعزة سيرد ذكرهم، مع حفظ كل المواقع والالقاب، والقرب والبعد...

كما عليك – ايها الشكوك الدائم- ان تحترز ايضا ممن سيدعي أو سيقول بأن ما جاء، وسيأتي في هذا الاستذكار، يحمل تباهياً غير قليل!.. وأجبْ، ولا تتردد بالقول نعم، بل وزدْ وقل: ولمَ لا؟!..برغم ان أولئك الذين تعنيهم من القوالين قد صدقوا، ولكن بحرف (القاف) وحده وحسب، متمثلا بما قاله الجواهري:

كذبـوا، وإن كانوا أصابوا من حروفِ (الصدقِ) قافـا اذ هناك في المبتغى من هذه التأرخة العجول، هدفان آخران – الى جانب التباهي، ولمَ لا من جديد!؟- قد حرضاك على ما تكتبه الان، أولهما: الاعتراف ببذل وعطاء وتميّز الشهداء والراحلين، وثانيهما: توفير رؤوس نقاط على الاقل للقادمين ممن سيوسعون وسيكتبون للتاريخ، الشاهد العدل العزوف عن الرياء.

وأخيرا في هذا الاستهلال، قلْ ايضا ان هناك في سابق كتابات لك على مدى الاعوام، وربما العقود القليلة الفائتة، توثيقات عن اعزاء جهدت ان تؤرخ لهم وعنهم، وبشكل مفصل نسبياً، ولذلك لن يكونوا مع اقرانهم في هذه التأرخة، ومن بينهم – الى جانب الجواهري الكبير، والرائد محمود صبري، والشهيد الباسل وصفي طاهر- الاحبة: حسين العامل، صفاء الجصاني، فالح عبد الجبار، عادل مصري (ابو سرود) ونضال الليثي.. كما نوه ايها الرجل الى انك قد أجلت في هذه المرحلة، مؤقتا، الكتابة عن الراحلين من العائلة وذوي القربى المقربين... والأن "أعقلها وتوكل "فلربما أطلت دون اضطرار أو حاجة لذلك:

1/ اسعد خضر اربيلي

تذكرْ ايها السياسي المتقاعد، ذلك المناضل، والسياسي الكردي الذي تعرفت عليه في بغداد اولا وكذلك في دمشق، وبعدهما في براغ الذي زارها مع عدد من افراد عائلته، اواخر الثمانينات الماضية، فقضيتم لقاء هنا وآخر هناك، ونزهة الى ضواحي "جنة الخلد"وكانت كل المحاور تدور في رحاب، وأنسانيات السياسة والوطن المبتلى...

2/ آرا خاجودور- ابو طارق

وكم جمعتكَ – ايها الرجل- مع القائد المناضل الارمني العراقي- ابي طارق، مهام وتكليفات، ولقاءات، كما وأمسيات، منذ اواخر السبعينات الماضية، وحتى رحيله الاليم اواخر عام 2017... مرة لوحدكما، ومرات مع احباء واصدقاء، من اهل براغ وخارجها... اما عن المهام والتكليفات التنظيمية والحزبية، فدعها – ايها السياسي الموثق- لفترة لاحقة، اذ المجالس امانات في بعضها! وقد يحين وقت التحدث عنها قريبا!..

3/ بشرى برتـو

الشخصية الوطنية المناضلة.. مسؤولتك – ايها السياسي المخضرم - في المكتب المهني المركزي للحزب الشيوعي ببغداد عامي 1975-1976، وبعدها مسؤولتك في مختصة العمل الديمقراطي في الخارج، اواخر الثمانينات... كما تذكّر علاقات الصداقة الشخصية والعائلية معها، وزوجها الفقيد رحيم عجينة، والتي لم تخلُ من بعض (منغصات) هنا واخرى هناك، ولكنها لم تكن سوى "عواصف في فنجان"كما يقول العرب في بعض مقولاتهم.

4/ تالي المالكي

وهو الناشط الطلابي، والشخصية البصراوية،الذي تعرفت عليه، مع بدء الاغتراب الاضطراري الى براغ، اواخر السبعينات الماضية، وعملتما معا في هذا المجال الطلابي، وذلك العمل السياسي، بحكم ما أوكلَ اليك – ايها المذكّر والمتذكّر – من مهام ومسؤوليات، وبقيت علاقتكما وطيدة ولحين رحيله المبكر، وفي براغ ايضا...

5/ ثابت حبيب - ابو حسان

وهنا تتعدد المحطات في العلاقة مع أبي حسان، القيادي الشيوعي، والمناضل الوطني، وبعضها مؤجل الحديث عنها ايضا، ولكن أوجز – ايها الموثق- وقلْ ان العلاقة التنظيمية والشخصية معه ابتدأت اولا في بغداد، خلال نصف السبعينات الاول، ولم تنقطع حتى آوان رحيله.. اما في براغ، فتوطدت تلك العلاقة بحكم ما تكلفتَ به من مهام، وكان هو مسؤول الخارج للحزب عام 1979 وأنت في هيئات حزبية مركزية. ثم تواصلت الصلات الصداقية – الاجتماعية لاحقا، في عواصم عديدة ومن بينها دمشق وبودابست وبراغ..

6/ جميل منير

الاكاديمي، والمناضل والسجين الشيوعي، شقيق الشهيد الخالد توفيق منير.. وهو زميلك وصديقك الشخصي، ومشارككَ في العمل السياسي والحزبي، حين تواجدتَ – ايها الرجل الموثق- في موسكو لعام كامل (1972-1973) وكان هو يكمل دراسته الاكاديمية في جامعة موسكو، وكم جمعتكما صداقة شخصية وعائلية حميمة، تعمقت لاحقا في بغداد، وثم في براغ، مرات ومرات..

7/ سامي العتابي

رفيق الايام الاولى في جريدة (طريق الشعب) العريقة، قبل 45 عاما، وتذكّر عنه، وله، مثابرته وحلو طباعه وهو في القسم الفني، وأنت – ايها المتذكّر- في الغرفة المجاورة، حيث تحرير صفحة (الطلبة والشباب).. كما ووثق للشهيد حيويته في سفرات واحتفالات الجريدة وخاصة في عاميها الاوليين. كما لا تنسَ الخبر الصاعق الذي انتشر عن استشهاده/ اعدامه في الثمانينات خلال حكم البعث الجائر..

8/ شذى البـراك

وهل تستطيع أن تنسى – ايها الموثق – تلك المناضلة العنود، الشهيدة الباسلة، ابنة العائلة الوطنية، وقد تعارفتما وكلاكما في ساحات ومهمات العمل الحزبي والجماهيري، قبل نحو نصف قرن، ثم جمعت بينكما علاقات صداقية وعائلية حميمة.. فلتفتخرْ إذن بأنك عرفت وعن قرب (شذى) تلك الشمعة، بل الشعلة، التي انارت – حقا لا مجازاً- للاخرين، وشمخت في دروب المجد..

9/ صالح دكلة- ابو سعد

وكم سمعت عن تلكم الشخصية الوطنية والمناضل الحزبي البارز في العراق، قبل ان تغترب الى براغ.. ثم تعارفتما في دمشق، وبراغ، في لقاءات سياسية اولاً، ومن ثم في علاقات شخصية واجتماعية تعززت بصداقات عائلية حميمة في التالي من السنين، وامتدت حتى رحيله المبكر في لندن، ثم لتستمر بعد ذلك تلكم العلاقات الانسانية مع المقربين، بل والاقربين منه، والى اليوم...

10/ على حسن- أبو حيـدر

ولـ (تعترف!) هنا ان ذلك المناضل الحزبي، والشهيد تالياً، كان مسؤولك الحزبي ولسنوات في المحلية الطلابية ببغداد، ومنذ مطلع السبعينات، وكمْ تعلمت منه ايثارا وتضحية، وتواضع القادرين... ووثـق - ايها السياسي المتقاعد! – ايضا ان العلاقة التنظيمية بينكما توشجت بصداقة عائلية معه، ومع زوجته الشهيدة الباسلة، زهور اللامي، ولغاية فعلة البعثيين الفاشيين في قتله "في بلاد راحَ فيها الموتُ يستشرى، ويُـشرى"...


يتبع

* والصورة المرفقة مع المادة للشهيدين: حسن على- ابو حيدر، وزوجته زهور اللامي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى