الأربعاء ٧ حزيران (يونيو) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

غريب الكلام وقصة (بَوزع)

تخلت اللغة العربية عن ألفاظ غريبة، وحسنًا فعلت.

هأنذا أضيف على ما رويت لكم في كتابي (قطوف دانية) ج1، ص 231- من قصص التكلف واستخدام كلمات يمجّها الذوق:

سقط النحْوي عيسى بن عمر (ويقال علقمة الفحل) عن دابّته، فاجتمع الناس حوله،
فقال: "ما لكم تكأكأتم عليّ كتكأكئكم على ذي جنّـة، افرنقعوا!

فمعنى "تكأكأتم" اجتمعتم، ومعنى "افرنقعوا " انصرفوا.

يقول متعجبًا: ما لكم اجتمعتم علي كاجتماعكم على مجنون، فابتعدوا عني.

فتخيلوا ماذا أصابه بعدها من غلمان الحي؟

انظر إلى بعض الألفاظ الواردة في الأدب مما لا نرتضيه اليوم:

نُقاخ- تعني الماء العذب. يقول الشاعر :

وأحمق ممن يكرع الماء قال لي
دع الخمر واشرب من نُقاخ مبرَّد

الجِـرِِشّى- وتعني النفس
يقول المتنبي وهو يمدح سيف الدولة

مباركُ الاسمِ أغرُّ اللقب
كريمُ الجِرِشّى شريفُ النسبْ

وللمتنبي ألفاظ ومبانٍ لغوية كثيرة أخذها عليه النقاد.

السمادج:

تعني اللبن ومن ذلك قول القائل:"أسمع جعجعة وأنا أشرب السمادج" .

على ذكر اللبن- لعلكم تذكرون قصة الأعرابي و"أفلح من تنحنح"!

السجسج: الأرض ليست سهلة ولا صلبة:

يوم عَصبْصب وهِلّوف ملأ السجسج طلاّ

من يترجم؟

أعود لأقول إن هذه الكلمات غريبة المعنى، غليظة الوقع، وهي غير مستساغة، ولذا تخلى العرب عن استخدامها.

إليكم قصة قرأتها في كتاب (خِزانة الأدب) للبغدادي، وهي قصة بوزع- إذا صحّت التسمية، راجيًا ألا يكون مصير المتقعرين في اللغة المتشدقين بها مصير حمّاد الراوية:

"كان جعفر بن أبي جعفر المنصور، والمعروف بابن الكُرْدية، يستخفّ مطيع بن إياس ويحبّه، وكان منقطعًا إليه، وله منه منزلة حسنة. فذكر مطيعٌ حمادًا، وكان صديقه، وكان مطَّرَحًا مجفوًّا في أيامهم، فقال له: ائتنا به لنراه.

فأتى مطيع حمادًا فأعلمه بذلك، وأمره بالمسير إليه ومعه، فقال له حماد: دعني فإن دولتي كانت مع بني أمية، وما لي مع هؤلاء خير. فأبى مطيع إلا الذهاب به، فاستعار حماد سوادًا وسيفًا، ثم أتاه فمضى به إلى جعفر، فلما دخل سلّم عليه وأثنى عليه، فرد عليه السلام، وأمره بالجلوس، ثم قال له جعفر: أنشِدني لجرير. قال حماد: فوالله لقد سُلِخ شعر جرير كله من قلبي، إلا قوله:

بانَ الخليط برامتين فودّعوا
أوَ كلما اعتزموا لبينٍ تجزع

فاندفع ينشده إياها حتى قال:

وتقول بَوْزَع قد دببتَ على العصا
هلاّ َهِزئتِ بغيرِنا يا بوزعُ

قال حماد- فقال لي جعفر: أعد هذا البيت!

فأعدته. فقال: بوزع أيش هو؟

قلت: اسم امرأة. فقال: هو بريء من الله ورسوله ونفِي من العباس إن كانت بوزع إلا غولاً من الغيلان! تركتني والله يا هذا لا أنام الليلَ من فزع بوزع!

يا غلمان، قفاه! قال: فصُفِعْتُ حتى لم أدر أين أنا.

ثم قال: جُرّوا برجله! فجرّوا برجلي حتى أخرِجت من بين يديه مسحوبًا، فتخرّق السواد، وانكسر جفن السيف، ولقيت شرًا عظيمًا.

وكان أشر من ذلك غرامتي ثمن السواد وجفن السيف".

(البغدادي: خزانة الأدب، ج9، ص 449).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى