الجمعة ١٠ شباط (فبراير) ٢٠١٧
بقلم فاروق مواسي

بلاء ليس يعدله بلاء

من القائل:

بلاءٌ ليس يشبِهُه بلاءُ
عداوةُ غيرِ ذي حسَبٍ ودينِ
يُبيحك منه عِرضًا لم يصُنْه
ويرتعُ منك في عِرض مصون

هذان البيتان قالهما علي بن الجَهْم (ت. 863م) في مروان الأصغر، وهو حفيد الشاعر المعروف مروان بن أبي حفصة، وذلك بعدما قال فيه:

لعمرُك ما الجهم بن بدْرٍ بشاعر
وهذا عليٌ بعده يدَّعي الشعرا
ولكنْ أبي قد كان جارًا لأمه
فلما ادّعى الأشعارَ أوهمني أمرا

المتوكل يوقع بين الشاعرين:

كان علي بن الجهم يقع في مروان بن أبي الجنوب (مروان الأصغر، وكنيته أبو السِّمْط)، وكان يثلبه، حسدًا له على قبوله ومنزلته عند المتوكل.

فقال له المتوكل يومًا:

أيكما أشعر يا علي؟ وأراد أن يغري بينهما.

فقال علي: أنا أشعر منه.

فقال: ما تقول يا مروان؟

كلُّ أحدٍ أشعر مني، وإذا رضِيني أمير المؤمنين فما أبالي من زيَّفني.

فقال المتوكل: هذا عدول عن الجواب، قد زعم أنه أشعر منك؛ فإن كان صادقًا قدّمناه عليك، وإلا فبرهن عن نفسك!

فقال مروان: يا علي، أأنت أشعر مني؟

قال: أو تشك في ذلك؟

قال: أشكّ وأشكّ! فالناس يعلمون صدقي، وأمير المؤمنين بيننا.

قال علي: إنه يحابيك.

فقال المتوكل: هذا عِيّ منك يا علي.

ثم التفت الخليفة إلى ابن حمْدون، وقال له: اقض بينهما.

قال: طرحتني بين لَحْيَي أسدين!

فقال المتوكل: قد أبحت كلاً منكما هجاء صاحبه، فليبيَِـنْ عن نفسه!

فقال علي: إنه قد كظَّني النبيذ، فما أقدر على قول الشعر حتى أُفيق.

فقال مروان: لكنني أقدر يا أمير المؤمنين،

قال: قل وعجِّل!

قال:

إن ابنَ جهمٍ في المغيب يَعيبني
ويقول لي حُسْنًا إذا لاقاني
ويكون حين أغيبُ عنه شاعرًا
ويضلُّ عنه الشعرُ حين يراني
وإذا خلَونا "باك" شعري شعره
ونزا على شيطانه شيطاني
صغُرت مهابته وعُظِّم بطنه
فكأنما في بطنه ولدان
إن ابن جهم ليس يرحمُ أمَّه
لو كان يرحمها لما عاداني

ضحك المتوكل والندامى، وانخزل ابن الجهم (انقطع في كلامه).

فقال ابن الجهم: لعمري إن هذا الشعر يشبه قائله.

فقال مروان: صدقت، إنه لهزْل، ولكنني أجدّ بك، ثم قال:

لّعمْرُكَ ما جهم بن بدر بشاعر
وهذا عليٌّ نجلُه يدّعي الشعرا
ولكنْ أبي قد كان جارًا لأمّه
فلما ادّعى الأشعار أوهمني أمرا

ففضحه في ذلك المجلس. ولم يُـحـِرْ علي جوابًا، إلا أنه قال بعد ذلك بيتين يعني مروان بهما، وهما البيتان المشهوران:

بلاءٌ ليس يشبهه بلاء
عداوةُ غير ذي حسب ودين
يُبيحك منه عِرضًا لم يصنه
ويرتع منك في عِرض مصون

بتصرف من: الأغاني ج 12، ص 102 (دار الفكر- مادة مروان الأصغر)، بدائع البدائه لابن ظافر الأزدي، ص 158.

ملاحظة:

في قول مروان:

ولكن أبي قد كان جارًا لأمه
فلما ادعى الأشعار أوهمني أمرا

فإن هذا المعنى مأخوذ من قول كُثَـيِّر عَزَّة، وقد أنشد الفرزدق شعرًا له فاستحسنه، فقال له: يا أبا صخر، هل كانت أمك ترد البصرة؟

فقال كُثَيِّر: لا، ولكن أبي كثيرًا ما كان يردها.

انظر: ذيل الأمالي لأبي علي القالي، ص 118- 119.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى