الأحد ٢٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢١
بقلم أحمد الخميسي

سلافوي جيجك .. كوفيد 19 الذي هز العالم

يكاد فيروس كورونا غير المرئي أن يشل الحياة على كوكب الأرض ويحولها إلى علاقات عبر دوائر الكترونية، هكذا تعقد الآن اللقاءات، والمؤتمرات، ويتلاقى البشر، بينما يتوارى النشاط الحي في المسارح والمعارض، وطباعة الكتب التي تنتقل إلى صيغ الكترونية، والأعراس، وحتى العمل اليومي في المصالح الحكومية، ولم يبق غير الانجاب وحده الذي مازال يستعين بالاتصال المباشر. وفي كتابه "كوفيد -19 يهز العالم" يحدد المفكر المعروف سلافوي جيجك الجانب المؤلم في هجمة الفيروس حين يقول إننا أصبحنا نعيش: "في لحظة أصبح فيها أعظم أفعال الحب يتمثل في بقائنا بعيدا عن كل من نحب"! هكذا أمسى الحب هو أن تهجر من تحب!

سلافوي جيجك فيلسوف ومفكر وباحث في علم الاجتماع، يعود بأصله إلى الجزء السلافي من تشيكوسلوفاكيا. في كتابه" كوفيد 19 يهز العالم" الذي ترجمة محمد الضبع يعتقد الكاتب أن:

هذا الفيروس سيحطم الأسس والقواعد التي بنيت عليها حياتنا.. وسوف تبني الحياة الجديدة على أنقاض حياتنا القديمة". يستشهد الكاتب بقول مارتن لوثر كينج قبل أكثر من نصف قرن: "لقد جئنا جميعا إلى هنا على سفن مختلفة ، لكننا الآن جميعا في مركب واحد"، ويضيف: "إنه بسبب الخصائص العالمية لجائحة كورونا فإننا غالبا ما نشعر بأننا في قارب واحد"، خاصة أنه مع تزايد ارتباط العالم فإن أي كارثة محلية تمسي أزمة عالمية، كما حدث مع سحابة الغبار التي تولدت من انفجار بركاني في آيسلندا عام 2010. وقد كان ذلك تذكيرا حقيقيا بعجز البشر عن التحكم في الكوكب. ولقد انتهت فكرة أمريكا أولا، أو أي دولة أخرى أولا، لأن أحدا لن ينجو إلا بالتعاون والتنسيق الدولي. خلال ذلك فإن علينا كما يقول جيجك أن نطرح بقوة سؤالا رئيسيا، ألا وهو:"ما هو الخلل الحقيقي في نظامنا العالمي الذي تسبب في تعرضنا لهذه الضربة الكارثية؟". يرى الكاتب أن غياب التنسيق العالمي في منظمة الصحة الدولية أحد أسباب الكارثة، وأن ازدراء البيئة وتلويثها بالمخلفات الصناعية لزمن طويل سبب آخر حتى صرنا مهددين بشتى المخاطر ومنها العواصف الفاتكة والجفاف وموجات الحر والاحتباس الحراري، وإن الدرس الذي تحاول البيئة أن توصله الينا هو: "أن بوسع البشر تدمير أنفسهم".

خلال ذلك علينا على حد قول جيجك: "اعادة بناء الاقتصاد العالمي بطريقة لا تجعله تحت رحمة آليات السوق.. لأن تلك الآليات لن تكفي لوقف الفوضى والجوع"، ويتصور سلافوي جيجك أننا عما قريب قد نلجأ للسياسات التي نعتبرها اليوم شيوعية لتصبح: "سياسات يعمل بها العالم أجمع بتنظيم الانتاج وتوزيع المنتجات خارج آلية الأسواق". ويوضح ذلك قائلا: "نحن هنا لا نتحدث عن الشيوعية بمفهومها التقليدي، ولكن عن جهة عالمية بامكانها تنظيم الاقتصاد". إن العزلة والتباعد الاجتماعي والحجر الصحي وحظر التجوال والاجراءات الاحترازية وما شابه لن تكفي للقضاء على الفيروس، وحسب رأي سلافوي فإن علينا: "أن نصل إلى صيغة من التعاون غير المشروط والتضامن العالمي لبناء نظام من نوع جديد عما كان يسمى بالشيوعية. إن العديد من الروايات والأفلام التي حاولت تخيل المستقبل قد رسمت الصورة التي نعيشها اليوم: نمكث في منازلنا، نعمل على أجهزة الكمبيوتر، نتواصل عبر الفيديو، نطلب طعامنا عبر خدمة التوصيل ولا نلتقي بأي انسان آخر".

في الوقت نفسه يفند جيجك وينفي الفكرة القائلة بأن خطر كورونا يقترب من خطر الانفلونزا الموسمية، وأن الدول تبالغ في ذلك الخطر لاحكام قبضتها على الشعوب بواسطة اعلان حالة الطواريء وحظر التجول، ويرى أن مثل هذه الآراء لا أساس لها من الصحة، لأنه ليس في مصلحة الحكومات أن تبدو بمظهر العجز إزاء شعوبها. أخيرا يقول سلافوي جيجك إن: "أزمة كورونا ما هي إلا بروفة لكارثة التغير المناخي القادمة والتي ستكون الأزمة التي ستعيد تشكيل ظروف المعيشة على الكوكب وستكون بمثابة التحدي لنا جميعا".

ويضيف:"إن الجميع يتفق اليوم على ضرورة تغيير نظامنا الاجتماعي والاقتصادي، ولكم ما يهم فعلا هو الطريقة التي سنغير بها هذه الأنظمة، ولأي وجهة سوف تسير، وما هي الاجراءات التي سنحتاج إليها.. نحن بحاجة لسياسات صحيحة الآن لأن قرارات التضامن الدولي هي قرارات سياسية بالدرجة الأولى".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى